23 نوفمبر، 2021

قصة الورق: ماهو أهم من المطبعة والبارود والبوصلة

صناعة الورق-06
Picture of حسّان بن إبراهيم الغامدي
حسّان بن إبراهيم الغامدي

باحث في الثقافة الإسلامية

يرصد المؤرخون تحولات البشر من خلال أحداث كبرى، تصبح الحياة بعدها مختلفة عما قبلها، سواء كانت هذه الأحداث سياسية، أو اجتماعية، أو ثقافية، أو غير ذلك. في القرن السابع عشر للميلاد، كان فرنسيس بيكون (ت: 1626م)، الفيلسوف الإنجليزي المعروف، قد حدد ثلاثة ابتكارات غيرت حياة البشرية، وهي الطباعة والبارود والبوصلة، إذ يقول بأنهاغيرت كل الأشياء في كل أنحاء العالم، ولعلك قد وقفت على مثل هذه الاقتباسات التي تعظّم من أثر المطبعة في حياة أوروبا تحديدًا، وأثر غيابها في تأخر العرب والمسلمين، لكن الباحث الأمريكي جوناثان بلوم، قد جادل في كتابهالورق قبل الطباعة: تاريخ الورق وتأثيره في العالم الإسلاميبأن الورق كان الاختراع الأكبر في تاريخ البشرية، موافقًا في ذلك المستشرق النمساوي ألفريد فون كريمر حين قال بأن ازدهار النشاط الفكري الذي أتاحه الورق قدافتتح عهدًا جديدًا للحضارة الإنسانية“.

صدر كتاب بلوم مترجمًا إلى العربية في هذا العام 2021م عن دار أدب للنشر والتوزيع بالشراكة مع مركز إثراء التابع لأرامكو، وقد ترجمه أستاذ التاريخ الإسلامي الدكتور أحمد العدوي، ونشر بعنوانقصة الورق: تاريخ الورق في العالم الإسلامي قبل ظهور الطباعةفي أكثر من 400 صفحة. يرصد الكتاب رحلة الورقة من لحظة اختراعها في الصين، حتى وصولها إلى أوروبا، بعد أن تقضي حقبًا طويلةً في العالم الإسلامي الذي عمل على تطوير تقنيات تصنيعها، وتعميم استخدامها، مؤثرةً في واقع المعرفة داخل الحضارة الإسلامية.

يتوزع محتوى الكتاب على سبعة فصول، وفصل أخير يعرض فيه المؤلف قائمة الكتب التي يُحيل إليها في متن الكتاب، إذ خلت هوامشه الإحالات والملاحظات، وهي تضحية مؤثرة وغريبة، لصالح تعليقات عرضية في جوانب الصفحات، تضمنت التوضيحات الفنية الإثرائية التي قد تعرقل استرسال القارئ، ومثّل هذا الأمر تحديًا لمترجم الكتاب، الذي واجه عشرات الاقتباسات والإحالات من غير هوامش تحدد الكتب والصفحات، باذلًا جهدًا كبيرًا لنقل الاقتباسات كما هي في أصلها العربي، فضلًا عن ترجمته الرائعة للكتاب.

رهبانٌ وبيروقراطيون

عرف البشر حوامل مختلفة للكتابة، مثل الرق، والبردي المصري، وأشرطة الخيزران، والأقمشة الحريرية، وغيرها، ولكن التحديات التي واجهت الكتابة عليها لم تسمح لها بالتطور، والتأثير في حياة البشر، فقد كان التزوير على بعض هذه الحوامل سهلًا للغاية، والبعض الآخر كان يتعرض للتلف سريعًا، غير الكلفة العالية التي كان يتطلبها تجهيز المادة الخام للكتابة، فعلى سبيل المثال، كانت النسخة الواحدة من الكتاب المقدس تتطلب ذبح بضع مئات من الماشية!

اُخترع الورق بالصين في القرن الثاني قبل الميلاد، وكان يستعمل في البداية للتغليف، إذ كان سطح الورق أول الأمر خشنًا للغاية ولا يسمح بالكتابة عليه، ثم تطورت صناعة الورق شيئًا فشيئًا حتى أمست الورقة الصينية ملائمة للكتابة عليها بعد قرن تقريبًا، ليتوسع استعمالها في الكتابة والرسم والطباعة بالقوالب الخشبية، بل واستعملت مناديل للمراحيض، فينقل المؤلف عن رحّالة عربي في القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي قوله عن الصينين الذين زارهم في رحلته المسمّاةعجائب الدنيا وقياس البلدان:

وليس لهم [يعني أهل الصين] نظافةٌ، ولا يستنجون بالماء إذا أحدثوا، بل يمسحون ذلك بالقراطيس الصينية“.

لعبت الصين دورًا أساسيًا في نشر الديانة البوذية، وساهم المبشرون البوذيون بدورهم في نقل صناعة الورق إلى مختلف أرجاء آسيا، وقد تعرف المسلمون أول الأمر على الورق في أنحاء آسيا الوسطى، وهي المنقطة التي وصل إليها الورق بعد خمسة قرون من اكتشافه في الصين، بينما نقل المسلمون الورق إلى شواطئ الأندلس بعد نحو قرنين، وهو ما يلفت الانتباه إلى الاستجابة السريعة التي تعاملت بها الحضارة الإسلامية مع هذا الاكتشاف المهم، خاصةً إذا قارنّا ذلك بحال الامبراطوريتين الساسانية والبيزنطية، وعدم معرفتهما بالورق قبل الإسلام، على الرغم من مجاورتهما لطريق الحرير الذي كان الرهبان البوذيون يرتحلون عبره، مبشرين بالبوذية والورق في آن معًا.

جوناثان بلوم

يفند بلوم الرواية التاريخية التي تقول بأن المسلمين تعرفوا على الورق من خلال مجموعة من الأسرى الصينيين في معركة طلاس، ويؤكد على النشأة البيروقراطية لاستعمال الورق في البلاط العباسي، حين أسس هارون الرشيد أول مصنع للورق في بغداد عام 178هـ/795م، لتوفير حاجة دواوين الدولة من الورق، الذي حلّ محلّ أوراق البردي والرقّ، أما عن لحظة الاستبدال هذه، فينقل جوناثان بلوم اقتباسًا مهمًا من مقدمة ابن خلدون حين يقول:

“[فأشار الفضل بن يحيى] بصناعة الكاغد وصُنعه، وكتبَ فيه رسائل السلطان وصكوكه، واتخذه الناسمن بعدهصُحفًا لمكتوباتهم السلطانية والعلمية، وبلغت الإجادة في صناعته ما شاءت“.

من هو الفضل بن يحيى؟ كان الفضل بن يحيى البرمكي وزيرًا لهارون الرشيد وأخًا له من الرضاعة، وهو ينحدر من سلالة عملت في البلاط العبّاسي، حين أسلم رئيسها خالد بن برمك، والتحق بالخليفة أبي العباس السفاح، متوليًا النظر في ديوان الجيش والخراج، ومؤسسًا لواحدةٍ من أهم الأسر التي ساندت العباسيين قبل نكبتهم الشهيرة. أما برمك، الذي تُنسب له العائلة، فكان كبير كهنة معبدٍ بوذيّ في مدينة بلخ، شمال أفغانستان اليوم، وهو ما يعني أن الفضل بن يحيى البرمكي قد عرف فضل الورق على سائر حوامل الكتابة من خلال خبرة أسلافه، وساهمت المسؤوليات الإدارية والسياسية التي أُنيطت بكاهل الأسرة في تقديرهم للورق، الذي كان أقل ثمنًا وأكثر مرونةً من ورق البردي والرق، فضلًا عن صعوبة محو ما يُكتب عليه دون ترك أثر يسهل اكتشافه، وهو ما قلل عمليات التزوير.

يرصد الكتاب الرحلة المثيرة التي انتقلت فيها صناعة الورق بين حواضر العالم الإسلامي، ابتداءً من فارس وآسيا الوسطى، وحتى المغرب والأندلس، مرورًا بالعراق والشام ومصر، وما أدخلته كل واحدة من هذه الحواضر من التقنيات والتطويرات على صناعة الورق، سواء في المواد الخام، أو حجم الورقة، أو شكل الأسطح وملمسها، واضعًا على جنبات الصفحات نماذج لمخطوطات مبكرة ومتأخرة لكل إقليم، في صور بالغة الجودة والجمال.

الورقة والخط والمداد

واصل صُنّاع الورق تطويراتهم على سطح الورق، حتى أنتجوا آخر الأمر الورقة البيضاء الأكثر نعومةً والأعلى جودةً على الإطلاق، وهي التي سمحت للخطّاطين إظهار قدراتهم الفنية بكتابة مصاحف في خطوط دقيقة ورقيقة، وكان ذلك بالتزامن مع تطوير الكتابة باللغة العربية، وابتكار أحبار تتناسب مع الورق الجديد.

يكشف بلوم عن الأزمة الأساسية التي كانت وراء تطوير الخط العربي، فالإملاء العربي سابقًا يعاني من مشكلات كثيرة، كانت الحروف غير منقطة، ولم يتفق الكتبة على طريقة محددة في رسم الحروف في أماكنها المختلفة بالكلمة، فضلًا عن علامات الترقيم التي لم تدخل إلى اللغة العربية إلا في العصر الحديث. ولذا كان الحفظ هو الأساس في قراءة الكتب، فعندما يقرأ شخص كتابًا في خط غير واضح المعالم، فهو يستند إلى حفظه الذي يساعده في قراءة الكلمات. فعلى سبيل المثال أعلنت جامعة برمنجهام عن شذرات من مصحف تزعم أنه كُتب في حياة النبي أو بعد وفاته تقريبًا، ولو حاولت قراءة المخطوط من غير استناد إلى حفظك ففي غالب الظن لن تقدر على ذلك.

الكتاب في نسخته الأصلية

يتتبع الكتاب حكاية الخط العربي، من كتّاب المصاحف في المدينة النبوية زمن الأمويين، إلى ياقوت المستعصمي وتلاميذه، مرورًا بخط الورّاقين، وأعمال ابن مقلة عليه، وتلميذ تلاميذه ابن البوّاب، ولعل أهم الخطوط التي يتتبعها هو خط الوراقين، الذي ساد زمنًا طويلًا في دكاكين الوراقة، ومثّل الذروة التي وصل إليها النسّاخون القلقون من معاناة قراء الكتب، فبخلاف المصحف، لا يستطيع القارئ أن يعتمد على حفظه لقراءة كتاب في الفقه على سبيل المثال. سيتطور هذا الخط لاحقًا ليصبح هو خط النسخ الذي نعتمد عليه اليوم، والذي تقرأ هذا المقال من خلاله، ولسهولة الكتابة والقراءة بهذا الخط، استخدمه النصارى في كتابة الأناجيل.

استخدم الكُتّاب أول الأمر مادةً للكتابة على ورق البردي عُرفت باسمالمداد، وكان المداد هذا غير مناسب للكتابة على الرق، فاستعملوا للكتابة عليه مادة أُخرى عُرفت باسمالحبر، لكن هذه المادة كانت غير مناسبة للكتابة على الورق، الذي كان يتآكل بسببها، ولذا أصبح المداد الكربوني هو المعتمد في النهاية للكتابة على الورق.

قاد هذا التطور الثلاثي في الورق والخطوط والأحبار ثورةً مخطوطيةً هائلةً في الحضارة الإسلامية، إذ أمدّها بإمكانيات فريدة استثمرتها في إنتاج معارف وفنون متوعة، وسيكشف الكتاب أن هذا التطور الثلاثي يُمثل البنية التحتية التي قام عليها التطور في الرياضيات وابتكار الأرقام، وكذلك في الجغرافيا ورسم الخرائط، وعلم الأنساب ومشجراته، بل وفي التخطيط العسكري والعمراني، وفي الأخير بالذات يحكي الكتاب قصة الانفصال بين المصمم والبنّاء، والذي حدث لأول مرة داخل الحضارة الإسلامية، تحت تأثير الاختراع العظيم: الورق.

ولأن جوناثان بلوم مؤرخ في الفن بالذات، فقد خصص فصلًا لأثر الورق في الفنون الإسلامية، يُبيّن فيه كيف أتاح الورق مساحة واسع للفنانين المسلمين، الذين وضعوا بصماتهم داخل الكتب الأدبية، واستغلوا إمكانات الورق لتزيين المساجد والقصور والأضرحة والعملات والمنسوجات والأواني الخزفية وغيرها بالرسومات والعبارات المكتوبة بخطوط بالغة الجمال. أتاحت الخلفية العلمية لبلوم رصد هذه التطورات التي وفّرها الورق، ولكنه تكلم بشكل طفيف عن أثر الورق في العلوم الشرعية وتطورها، ولم يتتبع مخطوطاتها والظواهر الفنية بها، وهي ثغرة كبيرة في الكتاب، حتى أنني قرأت مراجعةً للكتاب في النيويورك تايمز لكبير النقّاد الفنيين بها، يستنتج من الكتاب أن الدور الأبرز للورق كان علمانيًا! وهذا يخالف واقع المخطوطات التي كان غالبها يدور في فلك العلوم الشرعية، والعلوم التي تخدمها.

الورق في المطبعة

اضمحلت صناعة الورق في العالم الإسلامي تحت ضربات تيمورلنك، الذي قضى عليها تمامًا في العراق والشام، وأخذ معه نخب الحرفيين إلى عاصمته سمرقند. بينما عصفت الأزمات الاقتصادية في مصر تحت حكم المماليك بصناعة الورق، وجعلت العرب والمسلمين مجرد مستوردين ومستهلكين للورق الأوروبي، وواجهوا معه مشكلات شرعية، فقد كان التجار الأوروبيون يضعون علامة مائية على الورق تُمثّل علامة جودة، وكانت هذه العلامات في أكثر الأحيان على شكل صليب.

تعرف الأوروبيون على صناعة الورق من خلال المسلمين في الشام والأندلس في القرنين الخامس والسادس للهجرة، الحادي عشر والثاني عشر للميلاد، وهو ما مهّد الطريق لاختراع المطبعة ذات الحروف المتحركة بعد خمسة قرون من استعمال الأوروبيين للورق، وما كان للمطبعة أهمية كبيرة من غيره، فقد كانت طباعة نسخة واحدة من كاتب على الرق، ستساوي قيمة نسخ كتاب واحد على الورق، فضلًا عن كُلفة إعداد الرق من جلود الماشية، ولذا يُصرّ بلوم أن المطبعة بوصفها واحدة من أهم محركات التغير الاجتماعي والسياسي بأوروبا، ما كانت لتكون لها أهمية تُذكر لولا الرحلة التي عبرتها الورقة من غرب الصين إلى الأندلس، والتي كان أبطالها المسلمون.

وتتكرر تفسيرات بعض الباحثين حول سبب رفض العالم الإسلامي للمطبعة، ويعيدونها في الأساس إلى فتوى شيخ الإسلام العثماني المحرّمة لها، ثم يبنون على ذلك نظريات حول موقف الإسلام من العلم والمعرفة والابتكارات. يُقلل جوناثان بلوم من أثر غياب المطبعة على انتشار المعرفة في العالم الإسلامي، الذي عوض غيابها من خلال آلية الإملاء والاستملاء، وكفلت هذه الطريقة بإصدار عشرات بل مئات النسخ للكتاب الواحد، ثم يحدد المؤلف السياق الاجتماعي الذي ظهرت فيه المطبعة بأوروبا التي كانت تعيش نزعةً تقنية، بينما لم تظهر في العالم الإسلامي مثل هذه النزعة، وكان يعيش في حواضره آلاف النسّاخ الذين اعتاشوا من نسخ الكتب والمصاحف، وكان اختراع المطبعة يهدد حياتهم بصورة كبيرة، فضلًا عن المخاوف العلمية من تحريف الكتب، وهي ذات أثر بالغ ومتفهم من رفض المطبعة.

سُرعان ما تلمس الأوروبيون المنفعة من طباعة الكتب العربية، وهنا يكشف لنا الكتاب عن قصة دخول الحروف العربية إلى المطبعة في أوروبا، وابتكار خطوط مناسبة لها، ثم طباعة الأناجيل والمصاحف والكتب، قبل أن يعود العالم الإسلامي لتصحيح موقفه من المطبعة، بعد أن خفّت الاعتراضات على طباعة الكتب باللغة العربية  إبّان ابتكار الطباعة الحجرية.

شارك الصفحة

التعليقات

    December 16, 2021

    جزاكم الله خيرا ونفع بكم

    1
    0
    December 16, 2021

    ننتظر جديد أ. حسان

    2
    0
    February 21, 2022
    1
    0
    March 12, 2022

    جزاكم الله خيرا

    1
    0
    March 17, 2022

    مراجعة مثيرة عن جزء مبخوس حقه من تاريخ تطور النشر في العالم. شكرًا جزيلًا

    0
    0
    June 19, 2022

    مراجعة نافعة ، ننتظر المزيد.

    0
    0
    February 17, 2023

    جزاكم الله خير

    0
    0

المزيد من مُراجعــات الكُتب

قصة الورق: ماهو أهم من المطبعة والبارود والبوصلة Read More »

الطبري .. حياته وآثاره

الطبري-10
Picture of عمرو شرقاوي
عمرو شرقاوي

باحث في التفسير

«الطبري .. حياته وآثاره»، من تأليف: فرانز روزنثال، نقله إلى العربية، د. أحمد العدوي.

نُشِرَ الكتاب عن مركز تراث للبحوث والدراسات بمصر، وصدرت طبعته الأولى في ذي القعدة 1442 هـ/يونيو/حزيران 2021م، ويقع في (287 صفحة).

والكتاب عبارة عن مقدِّمة للترجمة الإنجيليزية لـ«تاريخ الطبري»، كتبها (فرانز روزنثال)، وضمَّنها سيرة مفصَّلة لحياة أبي جعفر الطبري (ت: 310)، وتضمنت سردًا لمصنفاته، ما وصلنا منها، وما لم يصلنا.

و(فرانز رونثال) أحد روَّاد الاستشراق الأمريكي، وينتمي إلى عائلة يهودية الأصل في (برلين)، وتتلمذ على نفرٍ من كبار المستشرقين الألمان، وهو مستشرق غزير الإنتاج، ومن أهمِّ أعماله ترجمته لـ «مقدمة ابن خلدون»، وتحقيقه لكتاب السخاوي (ت: 902) «الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ»، وكتابه: «علم التأريخ عند المسلمين»، وغيرها، وتوفي (روزنثال) عام (2003م).

فرانز رزنثال

قسَّم (رونثال) مقدِّمته أو كتابه الذي ترجمه د. أحمد العدوي إلى خمسة أقسام:

القسم الأول: ملاحظات عامة على المصادر.

وتعرض فيه للمصادر التي ترجمت للطبري (ت: 310)، وذكر فيه بعض الكتب المفقودة في الترجمة لأبي جعفر (ت: 310)، ونبَّه على بعض الملاحظات النقديَّة المتعلقة بالمصادر، وقد اعتمد في ترجمته على مصادر أصلية، وهي:

1- تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي (ت: 463).

2- تاريخ دمشق، لابن عساكر (ت: 571).

3- معجم الأدباء، لياقوت الحموي (ت: 626).

4- سير أعلام النبلاء، للذهبي (ت: 748).

واعتمد على كثير من المصادر الأخرى غير الرئيسة جمع منها عدة أخبار من أخبار أبي جعفر (ت: 310)، وألَّف بينها.

القسم الثاني: الطبري؛ صباه وشبابه.

استعرض فيه حياة الطبري (ت: 310)، المولود في (آمل) بإقليم (طبرستان)، والتي ظل الطبري على صلات حسنة بأهلها حتى بعد استقراره في بغداد، كما تعرض لنشأته، وحاول أن يستنبط شيئًا عن عائلة الطبري، وبخاصة والده، الذي كان ينفق على ولده محمد بن جرير طيلة حياته، وذكر البلاد التي رحل إليها طلبًا للعلم، وأبرز أصحابه في رحلته، وشيوخه، ومن لقيه من علماء الأمصار التي رحل إليها، وأشهر ما تعرض له من محن، كما عرض لقضية اتهامه بالتشيع.

ومن الملاحظات الجيدة التي قدَّمها (روزنثال) أهمية الانتباه إلى «الجوانب الشخصيَّة في حياة العلماء»، وأنَّ كثيرًا من المصادر تميلعادةإلى تجاهل ذلك.

القسم الثالث: نصف قرن من النشاط العلمي في بغداد.

وقسَّمه إلى قسمين:

الأول: الطبري الإنسان.

وتعرض فيه إلى جوانب من حياة أبي جعفر (ت: 310)، وطريقته في يومه، وملبسه، ومأكله، وتعامله مع أصحابه، والناس خاصَّة كانوا أو عامَّة، وذكر فيه أشياء طريفة أكثرها مأخوذ من أوسع ترجمة عربية للإمام الطبري (ت: 310)، وهي التي أودعها ياقوت الحموي (ت: 626) كتابه «معجم الأدباء».

وقد أظهر المؤلف في هذا القسم جانبًا مهمًّا من حياة أبي جعفر (ت: 310)، وبيان ما كان عليه من توازن، وحسن عشرة لأصحابه، وجلسائه، وتلامذته، والناس.

وقد أثار المؤلف قضية زواج الإمام الطبري (ت: 310)، وتكلم فيها بكلام طريف، يمكن للمتأمِّل أن يقف عنده، وتعرض لموقف الإمام من الوظائف الرسمية، والبعد عنها، مما يعرف القارئ ما كان يمتلكه الطبري من نفس شريفة.

ومن الأمور الطريفة التي أظهرها (روزنثال) ما كان عليه الطبري من مظهر حسن، واهتمام بصحته، وتجنبه لبعض المأكولات، وإقباله على البعض الآخر، وطرافة ذلك التي كانت تظهر منه رحمه الله.

الثاني: الطبري العالم.

كان الطبري (ت: 310) ذا همة عالية في سائر العلوم، وكان من أهل التبحر فيها، وقد ظهر ذلك في العلوم التي كتب فيها، ويكفي: تفسيره، وتاريخه، وما كتبه في الفقه والحديث.

وتعرض (روزنثال) لخصومته مع الظاهرية، ومحنته مع الحنابلة، وما كان عليه الطبري (ت: 310) من توسط واعتدال في هذه المواقف، وذكر شواهد ذلك من خلال مناظراته لبعض العلماء، وتحدث عن انتشار مذهبه (الجريري)، حتى انتهى إلى وفاته رحمه الله ورضي عنه.

وأظهر (روزنثال) جانبًا مهمًّا من الجوانب التي برع فيها الطبري (ت: 310)، وهو الجانب الطبي، وقد كان كتاب (فردوس الحكمة) لعلي بن ربن الطبري (ت: 236) من مصادر الطبري (ت: 310) الطبية، ولا يزال الكتاب من أهم المصادر الطبية القديمة!

القسم الرابع: مصنفات الطبري (ت: 310).

توسع (روزنتال) في هذا القسم فذكر المطبوع والمفقود من تراث أبي جعفر (ت: 310)، وحاول ترتيبها، وأجاد في هذا القسم بما يفتح مجالًا للبحث ممن جاء بعده.

وقد أشار في ثنايا ما ذكره عدة عبارات للإمام الطبري (ت: 310) من كتبه النفيسة التي لم يُعثَر عليها بعدُ، ومن ذلك قوله:

إنه لا حالة من أحوال المؤمن يغفل عدوُّه الموكل به عن دعائه إلى سبيله، والقعود له رصدًا بطرق ربِّه المستقيمة، صادًّا له عنها، كما قال لربه، عز ذكره، إذ جعله من المنظرين: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ(١٧) [الأعراف: 16-17] طمعًا منه في تصديق ظنه عليه إذ قال لربه: ﴿لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (٦٢) [الإسراء: 62]، فحقٌ على كل ذي حجى أن يُجهد نفسه في تكذيب ظنِّه، وتخييبه منه أمله وسعيه فيما أرغمه، ولا شيء من فعل العبد أبلغ في مكروهه من طاعته ربه، وعصيانه أمره، ولا شيء أسر إليه من عصيانه ربه، واتباعه أمره” [نقله الذهبي (ت: 748) في سير أعلام النبلاء: (14/ 278)].

القسم الخامس: تاريخ الطبري.

تكلم فيه عن نشأة مشروع ترجمة تاريخ الطبري، وما قابله من صعوبات إلى غير ذلك.

وذيل (رزنتال) مقدمته بملحقين:

الأول: جزء من تفسير الطبري (ت: 310) لقوله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا(٧٩) [الإسراء: 79]، وهي الآية التي تسببت بنشوب الخلاف بينه وبين الحنابلة، وجزء من تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: 6]، وكانت أحد أسباب اتهامه بالتشيع!

الثاني: تضمن تصنيف الإنتاج الأدبي للطبري، وترتيبه زمنيًّا.

وقد أدَّى مترجم الكتاب د. أحمد العدوي خدمة عظيمة للكتاب تمثلت في أمور:

الأول: ردُّ النصوص إلى أصولها العربية من نفس المصادر التي اعتمدها (روزنثال).

الثاني: التعليق على النص توضيحًا، واستدراكًا.

وبالجملة: فإن الكتاب قد جُمع فيه ما تفرق في غيره، ويمكن أن يكون قاعدة انطلاق لكثير من المناقشات حول حياة الإمام أبي جعفر الطبري (ت: 310)، وتراثه.

وفي الكتاب من التحليلات ما يمكن أن يناقش فيه المؤلف، وقد أحسن مترجم الكتاب في مواضع كثيرة من تعليقه على أوهام (روزنثال).

ويمكن أن نشير في خاتمة هذا العرض إلى بعض المصادر المهمة التي يمكن الرجوع إليها لمعرفة أبي جعفر وحياته، ومنها:

1- معجم الأدباء، لياقوت (ت: 626): (6/ 2441).

2- أصول الدين عند الإمام الطبري، د. طه محمد رمضان، ط. دار الكيان.

3- الاستدلال في التفسير، دراسة في منهج ابن جرير الطبري، د. نايف الزهراني، ط. مركز تفسير.

وأختم تعريف الكتاب بقول الإمام ابن العربي المالكي الأندلسي رحمه الله في تفسير قول الله تعالى: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا(٥) [المزمل: 5]، ستة أقوال، والسادس منها قوله:

ثقله: أنَّه لا يبوء بعبئه إلا من أُيِّد بقوة سماوية، وكذلك هو، ما أعلم من حصَّله بعد الصحابة والتابعين إلَّا محمد بن جرير الطبري، [سراج المريدين: (2/ 431)].

شارك الصفحة

add page link here

التعليقات

    December 5, 2021

    يارب أول وحدة تعلق بالموقع مبارك يا آل نديم ..وحبذا يتم إدراج مراجعات عبدالله الوهيبي لبعض الكتب♥️..

    1
    1
      December 24, 2021

      ما شاء الله، شامل!

      0
      0
    February 21, 2022
    0
    0

المزيد من مُراجعــات الكُتب

الطبري .. حياته وآثاره Read More »

كيف أسسنا #مكتبة_بكل_مكان؟

كيف أسسنا مكتبة في كل مكان-04 (1)

يتقاطع المقهى مع القراءة بشكلٍ غريب، إذ يجتمع فيهما الاختلاء مع الذات أو الصديق، وشعور الصفاء والترويح عن النفس، والانزواء عن العالم، ليصبح الفرد فيهداخل المكتبة/المقهى، خارج العالم!”، كما هو عنوان كتاب المترجم الأستاذ راضي النماصي.

بداياتٌ متعثّرة

ذات يومٍ، وأثناء لقائي مع الصديقمحمد عبدالجبّاربأحد المقاهي، اتفقنا على تأسيس مبادرة تطوعية لنشر المكتبات المصغرة في المقاهي، بتكاليف تقترب من الرقم صفر!  وذلك عن طريق التواصل مع المؤلفين، وعرض الفكرة عليهم، ليتبرعوا للمشروع بنسخ من كتبهم، ثم ننسق لاحقًا مع المقاهي لتخصيص مساحة بسيطة من المقهى لعرض الكتب بها.

وجرى التنسيق على أن تعمل كافة الفرق التطوعية التابعة لفريق رفد في كافة مناطق المملكة لتحقيق نفس الهدف  تواصلتُ أولًا مع الأصدقاء في نادي القراءة بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وبدأنا المشروع على نطاقٍ ضيّق، كنّا نزور المقاهي القريبة من منازلنا، نحصل على مواعيد مع أصحاب المقاهي، غالبًا ما رُفضت فكرتنا، ونادرًا ما تلقاها مُلّاك المقاهي بالقبول، كانوا يرفضون أحيانًا لصغر حجم المقهى، أو عدم وجود مساحة مخصصة للكتب، بالرغم من توفر مساحاتٍ كبيرة في أحايين كثيرة. كان بعض العاملين يُصارحوننا بصعوبة أخذ الموافقة من الإدارة، وأذكرُ أني في أحد المرّات انتظرتُ ساعتين حتى أتمكن من لقاء صاحب المقهى، والذي وافق مباشرةً بمجرد شرح الفكرة!

واجهتنا مشكلةٌ أخرى مع المؤلفين، إذ كان عدد منهم لا يرى أهميةً لوجود الكتب في المقاهي، والبعض الآخر كان يشترط أولًا انتشار الفكرة ونجاحها، بينما اعتذر آخرون لعدم وجود مظلة رسمية لمبادرتنا في ذلك الوقت. وبالمقابل فقد أخجلنا كرم عدد من المؤلفين، إذ سرعان ما راسلونا بالنسخ مشجعين ومثنين على المبادرة وفريقها، وهو ما دفعنا للمضي قدمًا رغم كل شيء.

التحليق عاليًا

نسقنا مع المجموعات التطوعية التابعة لمؤسسةرفد، وفرقها منتشرة في كافة مناطق المملكة، حملوا على أكتافهم المبادرة لأفكار لم نحلم بها، فقد توالت الأيام، وكبُرت الفكرة، وازداد عدد الفرق التطوعية في مختلف نواحي المملكة، جدّة، الرياض، المدينة المنورة، خميس مشيط .. كان الفريق ينمو شيئاً فشيئاً، وأصبح الكتّاب يتواصلون معنا للتبرع بكتبهم، والمقاهي تراسل الفريق على حسابات وسائل التواصل الاجتماعي لتدعوه إلى افتتاح مكتبات في فروعها، ولم أصدق نفسي وأنا أرى واحدًا من كبرى مقاهي الرياض يدعونا لافتتاح مكتبة في أكبر فروعه!

استمرّ البرنامج قرابة عام ونصف، افتتح الفريق في كافة أنحاء المملكة ما يزيد على 350 مكتبة في المقاهي، أصبح زوّار المقاهي يتصفحون عناوين الكتب في الوقت الذي ينتقون مشروبهم المفضل من قائمة الطلبات. هل نشعر بالفخر؟ بلا شك. هل كان العمل مرهقاً؟ والساعات التي شملت التخطيط والمتابعة وتفعيل حلقة الوصل بين المتبرعين بالكتب والمقاهي مرهقةً أيضًا؟ كانت بلا شك تحدياً حقيقياً، لشباب في بداية حياتهم المهنيّة وأعباء الوظيفة والأسرة تناوشهم. لكن الأمر حدث والحمد الله! بدأت الصحف تتواصل معنا لنشر أخبار وتغطيات لنا، واستضافت قناة فضائية شهيرة مؤسس الفريق ، كما دعمنا عدد من مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي.

التطوّع النبيل

لا ينكشف لنا غير وجه واحد للنجاح في كثير من الأحيان، لكني عرفتُ معرفدأن له أكثر من شكلٍ ومظهر، فكلّ مرةٍ أزور أحد المقاهيصدفةًوأرى مشروعنا قد وصل إليه، وأتأمل المكتبة في جانب من جوانبه، ينتابني شعورٌ غامرٌ بالرضا، وتتعاظمُ السعادة عندما أرى شخصاً يقرأ أمامي ما كان نتاجاً لجهدنا التطوعي.

في التطوع قصصٌ لا تنتهي، وجوهرهُ نبيلٌ لا تقف عليه في غيره من المجالات، وكانت واحدةً من أهم التحديات التي توقعتها هي البحثُ عن متطوعين في كافة المدن، فما الذي يدفعُ إنساناً لبذل وقته، وجهده، وماله كي ينشر لتوزيع كتب في المقاهي المنتشرة بمدينته؟ وما الذي يجبره أن ينتظر ساعاتٍ للقاء مدير أو مالك المقهى؟ ثمّ لماذا يتقبل رسائل الرفض أو التجاهل من ملّاكها أو مدراءها بأسلوبٍ فجّ غير مقبول؟ أو من مؤلفي الكتب في بعض الأحيان؟ والحقيقة أن قلةً قليلةً قد صبرت معنا وكافحت لحين تحقيق هذا الهدف النبيل، وواجهت التحديات لحين الوصول إلى مستوىً مقبول من الإنجاز، ولا أزال أذكر شاباً كان يفتقرُ للمواصلات، وكان جلّ ما يستطيع فعله هو نشر الصور والتصاميم على وسائل التواصل الاجتماعي، نبيل!

الدروس والنهايات

وبالنسبة للمردود على الصعيد الشخصي، فقد تعرفت على شبابٍ متفانين بحق، باذلين لكلّ ما في وسعهم لإنجاز المطلوب دون كسلٍ أو ملل، وأقلّ ما أكسبتني إياه هذه التجربة الفريدة هي الخبرة، في التعامل مع مختلف فئات المجتمع سواءً لملاك المقاهي أو المتطوعين وإدارتهم، ومن أصعب ما واجهت هو التحفيز غير المادي، الأمر الذي يتطلب درايةً كبيرة في الذكاء العاطفي والاجتماعي، وما يتطلبه أعضاء الفريق لإتمام المهام، وأيضاً الجمعُ بين الوظيفة ومهام التطوع وباقي المهامّ الموكلة إليّ في الأسرة أو الحياة الشخصية، فقد باتت مهارة إدارة الوقت، وإدارة ضغوط الحياة من أهم المهارات في هذا العصر.

كانت النهاية لحظة أن قرر الفريق التوقف عن المشروع، وذلك لأن الغاية قد تحققت بالوصول إلى نسبة ممتازة من تغطية المقاهي في المدن الرئيسية للمملكة، الأمرُ الذي جعل الفريق يقرر إنهاء المبادرة والتركيز على مشاريع أخرى متنوعة، كإقامة المحاضرات الثقافية، واستضافة ضيوفٍ مؤثرين في مختلف مجالات المعرفة، خصوصاً مع تزامن أزمة كورونا مع تحول أغلب الأنشطة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، أو الاجتماعات الافتراضية عن بُعد، كما صار  التركيز على جانب تلخيص الكتب صوتياً، أو مجالالبودكاست، وأطلق الفريقبودكاست مكاتيب، والذي شرفتُ فيما بعد بتقديم برنامجٍ من عشر حلقات بعنوانرواحل“.

شارك الصفحة
https://nadiim.com/library-everywhere/

التعليقات

    December 6, 2021

    تجربة رائعة وتغطية مميزة 👌🏼

    3
    0
    December 15, 2021

    ربي يسعدكم على تفانيكم في هذا المشروع الجميل واتوق لان ارى هذه المكتبات المصغره وانعم بقراءة ممتعه في جو هاديء،ومريح 🤍

    2
    0
    December 18, 2021

    دائماً مبدع ياصديقي منذ أن عرفتك🌺هنيئًا لنا بك في دار نشر الوعي المعرفي بالمنطقة الغربية..
    محبك أيمن السهلي

    2
    0
    December 18, 2021

    بارك الله فيكم و شكر سعيكم و حمى الله بلدنا الثاني بلد الحرمين مهبط الوحي...محب نديم من الجزائر

    1
    0
    January 14, 2022

    بارك الله في جهدكم ..

    1
    0
    February 21, 2022
    0
    0
المزيد من المقالات

كيف أسسنا #مكتبة_بكل_مكان؟ Read More »