كيف أسسنا #مكتبة_بكل_مكان؟

كيف أسسنا مكتبة في كل مكان-04 (1)

يتقاطع المقهى مع القراءة بشكلٍ غريب، إذ يجتمع فيهما الاختلاء مع الذات أو الصديق، وشعور الصفاء والترويح عن النفس، والانزواء عن العالم، ليصبح الفرد فيهداخل المكتبة/المقهى، خارج العالم!”، كما هو عنوان كتاب المترجم الأستاذ راضي النماصي.

بداياتٌ متعثّرة

ذات يومٍ، وأثناء لقائي مع الصديقمحمد عبدالجبّاربأحد المقاهي، اتفقنا على تأسيس مبادرة تطوعية لنشر المكتبات المصغرة في المقاهي، بتكاليف تقترب من الرقم صفر!  وذلك عن طريق التواصل مع المؤلفين، وعرض الفكرة عليهم، ليتبرعوا للمشروع بنسخ من كتبهم، ثم ننسق لاحقًا مع المقاهي لتخصيص مساحة بسيطة من المقهى لعرض الكتب بها.

وجرى التنسيق على أن تعمل كافة الفرق التطوعية التابعة لفريق رفد في كافة مناطق المملكة لتحقيق نفس الهدف  تواصلتُ أولًا مع الأصدقاء في نادي القراءة بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وبدأنا المشروع على نطاقٍ ضيّق، كنّا نزور المقاهي القريبة من منازلنا، نحصل على مواعيد مع أصحاب المقاهي، غالبًا ما رُفضت فكرتنا، ونادرًا ما تلقاها مُلّاك المقاهي بالقبول، كانوا يرفضون أحيانًا لصغر حجم المقهى، أو عدم وجود مساحة مخصصة للكتب، بالرغم من توفر مساحاتٍ كبيرة في أحايين كثيرة. كان بعض العاملين يُصارحوننا بصعوبة أخذ الموافقة من الإدارة، وأذكرُ أني في أحد المرّات انتظرتُ ساعتين حتى أتمكن من لقاء صاحب المقهى، والذي وافق مباشرةً بمجرد شرح الفكرة!

واجهتنا مشكلةٌ أخرى مع المؤلفين، إذ كان عدد منهم لا يرى أهميةً لوجود الكتب في المقاهي، والبعض الآخر كان يشترط أولًا انتشار الفكرة ونجاحها، بينما اعتذر آخرون لعدم وجود مظلة رسمية لمبادرتنا في ذلك الوقت. وبالمقابل فقد أخجلنا كرم عدد من المؤلفين، إذ سرعان ما راسلونا بالنسخ مشجعين ومثنين على المبادرة وفريقها، وهو ما دفعنا للمضي قدمًا رغم كل شيء.

التحليق عاليًا

نسقنا مع المجموعات التطوعية التابعة لمؤسسةرفد، وفرقها منتشرة في كافة مناطق المملكة، حملوا على أكتافهم المبادرة لأفكار لم نحلم بها، فقد توالت الأيام، وكبُرت الفكرة، وازداد عدد الفرق التطوعية في مختلف نواحي المملكة، جدّة، الرياض، المدينة المنورة، خميس مشيط .. كان الفريق ينمو شيئاً فشيئاً، وأصبح الكتّاب يتواصلون معنا للتبرع بكتبهم، والمقاهي تراسل الفريق على حسابات وسائل التواصل الاجتماعي لتدعوه إلى افتتاح مكتبات في فروعها، ولم أصدق نفسي وأنا أرى واحدًا من كبرى مقاهي الرياض يدعونا لافتتاح مكتبة في أكبر فروعه!

استمرّ البرنامج قرابة عام ونصف، افتتح الفريق في كافة أنحاء المملكة ما يزيد على 350 مكتبة في المقاهي، أصبح زوّار المقاهي يتصفحون عناوين الكتب في الوقت الذي ينتقون مشروبهم المفضل من قائمة الطلبات. هل نشعر بالفخر؟ بلا شك. هل كان العمل مرهقاً؟ والساعات التي شملت التخطيط والمتابعة وتفعيل حلقة الوصل بين المتبرعين بالكتب والمقاهي مرهقةً أيضًا؟ كانت بلا شك تحدياً حقيقياً، لشباب في بداية حياتهم المهنيّة وأعباء الوظيفة والأسرة تناوشهم. لكن الأمر حدث والحمد الله! بدأت الصحف تتواصل معنا لنشر أخبار وتغطيات لنا، واستضافت قناة فضائية شهيرة مؤسس الفريق ، كما دعمنا عدد من مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي.

التطوّع النبيل

لا ينكشف لنا غير وجه واحد للنجاح في كثير من الأحيان، لكني عرفتُ معرفدأن له أكثر من شكلٍ ومظهر، فكلّ مرةٍ أزور أحد المقاهيصدفةًوأرى مشروعنا قد وصل إليه، وأتأمل المكتبة في جانب من جوانبه، ينتابني شعورٌ غامرٌ بالرضا، وتتعاظمُ السعادة عندما أرى شخصاً يقرأ أمامي ما كان نتاجاً لجهدنا التطوعي.

في التطوع قصصٌ لا تنتهي، وجوهرهُ نبيلٌ لا تقف عليه في غيره من المجالات، وكانت واحدةً من أهم التحديات التي توقعتها هي البحثُ عن متطوعين في كافة المدن، فما الذي يدفعُ إنساناً لبذل وقته، وجهده، وماله كي ينشر لتوزيع كتب في المقاهي المنتشرة بمدينته؟ وما الذي يجبره أن ينتظر ساعاتٍ للقاء مدير أو مالك المقهى؟ ثمّ لماذا يتقبل رسائل الرفض أو التجاهل من ملّاكها أو مدراءها بأسلوبٍ فجّ غير مقبول؟ أو من مؤلفي الكتب في بعض الأحيان؟ والحقيقة أن قلةً قليلةً قد صبرت معنا وكافحت لحين تحقيق هذا الهدف النبيل، وواجهت التحديات لحين الوصول إلى مستوىً مقبول من الإنجاز، ولا أزال أذكر شاباً كان يفتقرُ للمواصلات، وكان جلّ ما يستطيع فعله هو نشر الصور والتصاميم على وسائل التواصل الاجتماعي، نبيل!

الدروس والنهايات

وبالنسبة للمردود على الصعيد الشخصي، فقد تعرفت على شبابٍ متفانين بحق، باذلين لكلّ ما في وسعهم لإنجاز المطلوب دون كسلٍ أو ملل، وأقلّ ما أكسبتني إياه هذه التجربة الفريدة هي الخبرة، في التعامل مع مختلف فئات المجتمع سواءً لملاك المقاهي أو المتطوعين وإدارتهم، ومن أصعب ما واجهت هو التحفيز غير المادي، الأمر الذي يتطلب درايةً كبيرة في الذكاء العاطفي والاجتماعي، وما يتطلبه أعضاء الفريق لإتمام المهام، وأيضاً الجمعُ بين الوظيفة ومهام التطوع وباقي المهامّ الموكلة إليّ في الأسرة أو الحياة الشخصية، فقد باتت مهارة إدارة الوقت، وإدارة ضغوط الحياة من أهم المهارات في هذا العصر.

كانت النهاية لحظة أن قرر الفريق التوقف عن المشروع، وذلك لأن الغاية قد تحققت بالوصول إلى نسبة ممتازة من تغطية المقاهي في المدن الرئيسية للمملكة، الأمرُ الذي جعل الفريق يقرر إنهاء المبادرة والتركيز على مشاريع أخرى متنوعة، كإقامة المحاضرات الثقافية، واستضافة ضيوفٍ مؤثرين في مختلف مجالات المعرفة، خصوصاً مع تزامن أزمة كورونا مع تحول أغلب الأنشطة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، أو الاجتماعات الافتراضية عن بُعد، كما صار  التركيز على جانب تلخيص الكتب صوتياً، أو مجالالبودكاست، وأطلق الفريقبودكاست مكاتيب، والذي شرفتُ فيما بعد بتقديم برنامجٍ من عشر حلقات بعنوانرواحل“.

التعليقات

    December 6, 2021

    تجربة رائعة وتغطية مميزة 👌🏼

    3
    0
    December 15, 2021

    ربي يسعدكم على تفانيكم في هذا المشروع الجميل واتوق لان ارى هذه المكتبات المصغره وانعم بقراءة ممتعه في جو هاديء،ومريح 🤍

    2
    0
    December 18, 2021

    دائماً مبدع ياصديقي منذ أن عرفتك🌺هنيئًا لنا بك في دار نشر الوعي المعرفي بالمنطقة الغربية..
    محبك أيمن السهلي

    2
    0
    December 18, 2021

    بارك الله فيكم و شكر سعيكم و حمى الله بلدنا الثاني بلد الحرمين مهبط الوحي...محب نديم من الجزائر

    1
    0
    January 14, 2022

    بارك الله في جهدكم ..

    1
    0
    February 21, 2022
    0
    0
المزيد من المقالات