المقالات المميزة

في مديح قوائم الكتب

تأملاتٌ في مقدمات الجرجاني2

«إن من سينتخب من فوضى قوائمنا الحديثة “أسوء مئة كتاب”

سيسدي لجيل الشباب معروفًا حقيقيًا ودائمًا»

(أوسكار وايلد ت1900م)

(1)

وُلِد الشيخ العلّامة موفق الدين عبداللطيف بن يوسف البغدادي (ت629هـ) رحمه الله بدار جدّه في بغداد، واشتغل بحفظ القرآن في صغره ورواية الحديث، ودرس العربية، ثم اتسع طلبه لعلوم الشريعة فنظر في الفقه وعلوم القرآن وغيرها، وعلى عادة أهل العلم في ذلك الزمان فارق بغداد طلبًا للشيوخ والعلوم في غيرها من الحواضر، وكان قد هوي كتب الحكمة والفلسفة وكتب الأوائل والطبّ، فرحل إلى الموصل، ثم دخل الشام، ثم مصر، وفيها لقي الأستاذ موفق الدين أبو القاسم مكي بن عثمان الشافعي (ت615هـ) وكان من أهل النظر في الفلسفة، فباحثه البغدادي وذاكَرَه، وكان أبو القاسم أخبر منه بهذا الفن، فطفق يدلّه على الكتب المهمة، ويأتيه ببعضها، ويوقفه على النصوص، فيكتب البغدادي منها، ويشتري بعضها، حتى تبصّر وزاد علمه بكلام الفلاسفة ودرجاتهم، وقد فرح البغدادي بصحبة هذا الأستاذ، وأفصح عن شديد انتفاعه بدلالته وحسن تبصيره، وكتب:  

«أقل منافع الأستاذ الفاضل أن يدلّ على الكتاب الصالح والطريق الصحيح، وهذا من إرشاده أعظم شيء مع قلته وخفّة مؤونته، فلو قال لك الأستاذ: “اشتغل بهذا الكتاب وارفض هذا الكتاب”؛ فقد أفادك فائدة جليلة، ونبّهك على فضيلة استحق بها منك الشكر على الأبد، وبهذا المقدار يستحق رئاسة الأستاذية، ويوجب عليك حقّ التلمذة، وتصير من أتباعه، ولو لم يفدك في الكتاب شيئًا أصلًا سوى الدلالة عليه؛ لكفى ذلك شرفًا، وحقًا واجبًا».

وتزداد الحاجة إلى هذه الدلالة على “الكتاب الصالح” مع التغيرات الكثيرة التي نعايشها في هذا الزمان المتأخر، فلم تكن الكتب حين دوّن البغدادي تجربته بالكثرة الكاثرة التي نشاهدها في هذا الوقت، ولا كانت متاحة لعموم الناس بشتى طبقاتهم بأدنى جهد في الغالب كما نرى، حيث تفاقمت المعارف في كل العلوم والفنون حتى أوشكت أن تغرق المتعلّم والباحث، بل فعلت والقوارب شحيحة. ويزيد الأمر شدةً تعذّر عثور الطالب في هذا الزمن على شيخٍ يوقفه على دقائق العلوم في دهاليز الكتب، وأستاذٍ يدلّه دلالة خاصة إلى مظانّ المعرفة الصالحة، فقد تبدّلت أنظمة التعلّم ومناهجه، وتغيّرت طرائق الترقي في النظر العلمي، وأساليب تكوين المعارف وبنائها، وهذا وذاك مما يقوّي الحاجة لقوائم الكتب، وتوصيات الخبراء العلمية في التآليف والمؤلفين. بل إن التوصيات المشوّقة والقوائم المميّزة تحفّز المتابع على القراءة (رصدت بعض التقارير تداعيات وسم شهير (BookTok#) على موقع تيك توك (TikTok) مخصص للتوصية بالكتب، حيث شوهد أكثر من 64 مليار مشاهدة حول العالم حتى لحظة كتابة هذا المقال، والذي كان له أثر في زيادة مبيعات الكتب في بريطانيا وأمريكا).

(2)

تختصر توصيات الكتب والقوائم المختصة الطريق على الراغب، وتحميه من الإحباط الذي يواجهه كثير ممن يغامر في غابة العلوم بلا خارطة، حين يكتشف ضخامة الكتب المتاحة، وضآلة إمكاناته في قراءتها، ماديًا أو زمنيًا، فأنت تحتاج إلى مال قارون وعمر نوح -كما قال بعض الأساتذة- حتى يتسنى لك الإلمام بمطالعة ما يستحق من الكتب والعلوم، إلا أن التوصيات والقوائم الحكيمة تخبرك أن أصول العلوم والكتب الجليلة في كثير من العلوم –إذا دقّقت النظر- قليلة، وهذا يصدق أيضًا على الفنون والآداب؛ فيرى الروائي الأمريكي هنري ميلر (ت1980م) مثلًا أن الكتب الفريدة في الأدب كله ربما لا تصل إلى خمسين كتابًا، برغم ضخامة الأكوام الهائلة من كتب الأدب التي تقف في طوابير متزاحمة على أرفف المكتبات، ولكن هذا لا يعني أنها تكفي لتكوين العقل وبناء الملكة وتوسعة الاطلاع، فهو يعتقد أن قراءة «عشرين ألف أو ثلاثين ألف كتاب رقم معتدل جدًا بالنسبة إلى شخص مثقف في زماننا».

كما أن التوصيات والقوائم تسهم في تنظيم ذهن الناظر، فلا يقدم على تبديد زمانه فيما لا ينتفع به، ولا يفسد خواطره –في أوائل بحثه- بمصاعب نظرية ودقائق علمية لا يحتاج إليها، قال برنارد شو (ت1950م) مرةً أن بعض الكتب لا ينبغي قراءتها إلا بعد أن يتجاوز المرء الخمسين من عمره. وبغض النظر عن دقة ذلك؛ إلا أن هناك نوعًا من التصانيف لا ينتفع بها إلا الخبير في العلم والحياة.

ثم إن التنافس بين دور النشر وأشكال التسويق المختلفة للكتب، وظاهرة الكتب “الأكثر مبيعًا” تضع في طريق القارئ نماذجًا ركيكة من المعارف الاستهلاكية، وتفسد ذوق الناظر بالرائج المبتذل، ومن غير توصيات موضوعية وقوائم مختصّة يصعب تفادي الوقوع في أسْر الغثاء المتاح والمتوفر في واجهة المكتبات التجارية.    

قوائم الكتب

(3)

تواجه القوائم والتوصيات الكتبية في واقعنا العلمي نقدًا واستنكارًا من البعض، إما لأنها تنطوي على شكل من أشكال “الوصاية” والتنميط، وأن القراءة الحقّة هي التي تنطلق من أسئلة الذات، وتلاحق إجاباتها بين السطور ووسط الهوامش وخلف العناوين التي يفضي بعضها إلى بعض بفضل التتبّع الذاتي الجادّ، أو لعدم أهلية أصحابها، أو لكونها تقلّص من فرص التمتع بـ”لذّة” الاكتشاف الذاتي، و”دهشة” الكتب المغمورة والممتعة، كما أوصت فرجينيا وولف (ت1941م) بذلك، حين كتبت في جملة متطرّفة: «فيما يتعلق بالقراءة؛ فإن النصيحة الوحيدة حقًا التي يمكن أن يسديها شخص لآخر هي إياك أن تأخذ بنصيحة أحد!».

فهذه ثلاث مبررات ثقافية وأيديولوجية وجمالية لا ترحّب بالقوائم، ولستُ مهتمًا هنا بخوض جدل بشأنها، ففي تضاعيفها مزيجًا من الصواب والخطأ، فانتشار القوائم من عموم القرّاء غير المختصين، و”دمقرطة” تقويم الكتب في عصر الشبكات المفتوحة؛ أنتجت –بلا ريب- ألوانًا من الابتذال والإسفاف وغلبة السوقية الذوقية، بل إن التوصيات ذاتها تحوّلت –أحيانًا- إلى “استعراض” ثقافي حتى بين المتخصصين، فالنفاق –كما يعبّر الكاتب الفرنسي بيير بيارد في كتابه “كيف تتحدث عن كتب لم تقرأها”- شائع بين المتخصصين فيما يتعلق بالقراءة، حيث يوصي البعض بكتب لا يعرف منها إلا العنوان، ولذا أؤيد رأي من يطالب بإنشاء قائمة تضم أسوء الكتب في القوائم المتداولة، كما في الاقتباس الافتتاحي.

والعلم -في حقيقته- ليس هو المعلومة المفردة، بل هو حسن الإدراك لموضعها بين المعارف، والبصر بِصِلات الكتب فيما بينها، وموقع الناظر منها، ومن غير هذه المعرفة لا يمكن للمرء أن يوصي بكتب لا يفقه موقعها ولا موقعه منها، فيبالغ في الضئيل، ويجهل الجليل، ويعكس البوصلة.   

كما أن تداول قوائم معينة أو توصيات دون غيرها –لا سيما في الفنون والأدب- يحجب النور عن كتب أخرى، ربما تكون أهمّ وأمتع. ومع كل ذلك فالحقيقة أن هذا النقد لا يقلل البتّة من الأهمية القصوى للقوائم المختصّة، بل يؤكدها، فمن غير خريطة خبير –أوليّة على الأقل- لن يجاوز المرء العتبة، وسيظلّ أسيرًا لأنصاف المثقفين وللرائج الركيك، ولن يتمكّن بسهولة من اكتشاف جماليات لم يتطوّر حسّه بعدُ لتذوّقها.

قوائم الكتب1

(4)

وأكثر التوصيات المتداولة شديدة العموم، وتصطبغ بطابع الذوقية الشخصية، ويقلّ فيها القوائم والتوصيات المختصة، وأملي أن أرى يومًا موقعًا خاصًا أو مساحة هنا أو هناك تضم قوائم مختصة في العلوم المختلفة، إما على التدرج المعهود في تلقّي المعرفة، فقائمة للمبتدئ والمتوسط والمتوسع، وإما بحسب الموضوعات، كقائمة تختص بكتب الجنايات أو العقوبات في مذهب أو قانون معتمد، وأخرى بالحروب العالمية، وقائمة تسرد أهم الكتب في تواريخ الرأسمالية وتطوراتها، وما شابه ذلك، وإما بحسب التاريخ والحقب، كقائمة تضم أهم الكتب في فقه الحنفية في القرن العاشر، وثانية في أشعار القرون الثلاثة الأولى، وأخرى تقترح أبرز كتب التاريخ في القرن السابع أو الثامن الهجري، ورابعة تفيد ألمع كتب الأدب الفرنسي في العصر الوسيط، وهكذا. وهذه التوصيات وفقًا لهذه التصنيفات كثيرة في بعض اللغات كالإنجليزية، وهي مفيدة غاية الإفادة، ولا يعرف فضلها إلا من جرّب وكابد المفاوز القاحلة في المعارف غير المطروقة.

وأضيف كلمة صغيرة هنا، وهي أن التوصيات –كما تعرف- ليست الطريق الوحيد إلى المعرفة المهمة، فالعلم أوسع من ذلك، والطرق إلى الفنون أشمل بلا ريب، و«إن ملاحظة عابرة من صديق، وحاشية، ومرض، ومنعطفات غريبة للذاكرة، وألف شيء وشيء؛ يمكن أن تدفع المرء للسعي وراء كتاب»، ويكون هذا الكتاب أنفع لصاحبه وأمتع لذهنه من توصيات كثيرة.

 (5)

وهذه العلوم التي تقود إليها التوصيات ينبغي أن تخدم غاية الإنسان من وجوده، وأمله الأقصى من حياته، ومن غير العناية بذلك لا تزيد الكتب العالمَ إلا ظلمةً، ولا تكون نورًا إلا إذا أنار القلب بحسن القصد وإخلاص الطلب أولًا، فإذا صادف نور الكتب الصالحة نور القلب؛ ازداد وهجًا ولمع ابتهاجًا؛ «نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ»، وقد سأل أبو القاسم بن يوسف التجيبي المغربي الشيخ أبو العباس أحمد بن تيمية (ت728هـ) رحمه الله أن يوصيه بكتاب يكون عليه اعتماده في علم الحديث وفي علوم الشريعة، فأوصاه الشيخ بما رأى، ثم أشار إلى كثرة الكتب في التراث، وقال: «وقد أوعبت الأمة في كل فن من فنون العلم إيعابًا؛ فمن نوّر الله قلبه هداه بما يبلّغه من ذلك، ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إلا حيرةً وضلالًا».

شارك الصفحة
المزيد من المقالات
القراءة البطيئة تنشئ اتصالًا عاطفيًا عميقًا بالمادة المقروءة.
فضيلة الافتقار بوصلة ذهنية واعية تبصرك بنظرة نوعية بماذا تفتقر، وعن ماذا تستغني.
هذه أفكار لتخمير الأفكار عبر التوسل باستحلاب صورة مجازية.

في مديح قوائم الكتب قراءة المزيد »

تجربتي في تلخيص كتب طه عبدالرحمن

Picture of د. سوسن العتيبي
د. سوسن العتيبي

دكتوراه أصول الدين ومقارنة الأديان من كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا.

تجربتي في تلخيص كتب طه عبدالرحمن

حظي التلخيص في التراث الإسلامي بمكانة رفيعة، وفوائد جمّة، وحفظ لتالد تالف؛ فبعض الكتب لم تُحفظ جواهرها إلا في قالب تلخيص أو في ثنايا كتاب لاحق. وترافق التلخيص مع الاختصار، وبينهما عموم وخصوص من وجه، فالتفريق بينهما مهم لمن رام التدقيق. والتلخيص قد يكون اقتصاراً على مهمات الكتاب وإيجاز الكلام وحذف الشواهد والأمثلة فيشابه الاختصار، وقد يكون إبانة إضافة وتيسير للإفهام. والتلخيص إبانة عن المقصود، كقول: لخص لي كلامك، أي بيّنه. والإبانة تخليص للكلام من الغموض المباعد بين المتحدث والمتحدث إليه. فالتلخيص يجمع عدة معان، أهمها: الإبانة.

لم يكن طه عبد الرحمن أول دائرة الملخصات التي دأبتُ عليها لغرض ذاتي أولاً؛ إذ الملخص نوع من إبانة مقصود الكاتب الذي قد يغمض أثناء القراءة دون التفحص الدقيق، فإن كان النظر ينقل لنا المعاني قراءة، فاليد تنقلها لنا تحليلاً؛ وقد يكون تلخيصا للأيام التي تلغي فيها الذاكرة طريقا قطعناه مع الكتاب -ومن لا ينسى؟-، وقد يكون لإيجاز الكلام والبحث عن الهيكل العام، وتتكاثر الدوافع لتكاثر الأغراض. ومفردة “التلخيص” واحدة، غير أنها جملة من المهارات والآليات المطلوبة لإنجاز: الإبانة أو الإيجاز أو الشرح، أو كل المعاني المحتملة بحسب كل مجال وغرض وكتاب، وبما أنها ممارسة فالممارسة تكتسب وتتطور مع الزمن حتى تصير خبرة تعين صاحبها على طيّ ما كان من المفاوز في البدايات.
من واقع التجربة؛ لم يكن تلخيص كتب طه عبد الرحمن كبقية الملخصات، إذ عمدت إلى تلخيصها بدقّة على فترات، فترة التحصيل للفهم (الإبانة)، ثم أعدت تلخيص جملة من كتبه لغرض الإيجاز والتركيز على متطلبات كتابة الأطروحة، ثم الثالثة والأخيرة أعدت تلخيص كل أعماله لغرض التثبت من الفهم والبحث عن البنية الأعمق لكل كتاباته مجتمعة عبر ترتيب زمني واستغرقت متوسط ٩ أشهر بواقع ٦ ساعات يومياً.

طه عبدالرحمن
طه عبدالرحمن

يتميز طه عبد الرحمن بطريقة كتابته الاستدلالية، وفق ترتيب أكسيومي يبدأ بمسلمات ثم يتدرج استدلالاً معها، وكتبه متخمة بدراسات قرأها ثم لخص ما تيسر منها بحسب غرضه، وهذا يتطلب أحيانًا الرجوع لبعض الكتب التي اعتمد عليها للتثبت من أصل مصدره ورؤيته له. فمعرفة النمط العام لكتاباته يسهل علينا مهمة مقاربته بالهيكل الأنفع لتحصيل فوائد كتبه، فأقرب هيكل يمكن أن نرسم عليه كتب طه عبد الرحمن ما يسمّى بـ “عظم السمكة” أو “التشجير” من الأصول حتى أدق التفريعات ثم الخلوص للنتائج؛ إذ كتابته أكاديمية بامتياز، وجل كتبه كتبت بطريقة تقرأ من الأول حتى الأخير لاستخلاص النتيجة.

من أراد الابتداء بتلخيص كتاب من كتبه فليبدأ أولاً بالمقدمة، ويركز عليها كثيراً، ثم ينظر في الهيكل العام للكتاب وتقسيمات الأبواب والفصول، ويحاول في ورقة مستقلة أن يربط بين المقدمة والهيكل العام، ثم يبدأ بقراءة كل فصل مع تلخيصه لاستخلاص المحور وما لحقه من استدلالات، واستخلاص طريقة استدلال طه عبد الرحمن على محاوره بأنواع البراهين والاستدلالات التي استعملها، ثم بعد ذلك وضع الخلاصة، وإكمال تلخيص الكتاب حتى النهاية على هذا النحو، فهذا أول الأمر للفهم، ثم قد يعود القارئ الذي حصّل قدراً جيداً من المعرفة المطلوبة لغرض نقدي؛ حيث ينظر إلى طريقة استدلال طه عبد الرحمن ويوازنها بما صرّح به من طرق استدلالية، أو بتتبع النقلات الاستدلالية، ليرى مدى تلاحم استدلاله أو وجود نقاط لم تكن واضحة أو ثغرات وقع فيها؛ إذ بعض هذه الثغرات قد يتجاوزها طه عبد الرحمن لأنه ذكرها في مؤلفات سابقة؛ فيبقيها على معهود سالف، ليس في ذكره إلا الإطالة.


أما إن كان الغرض قراءة الكتاب فقط؛ فيتطلب التلخيص معرفة نوع الكتاب: منهجي، موضوع بعينه… ولأي فترة من فترات حياة طه عبد الرحمن ينتمي حتى يعرف أين يضع قدمه، أثم كتب تسبق هذا الكتاب أم لا؟ إذ قراءة كتاب مثل “المفاهيم الأخلاقية” قد لا يفيد كثيراً من لم يقرأ الكتب التي قدمها طه عبد الرحمن لتبيين فلسفته الائتمانية. كذا قراءة كتاب مثل “فقه الفلسفة: القول الفلسفي” قد لا يفيد كثيرًا من لم يقرأ ما تقدّم من كتب.

نصائح خلاصة تجربتي مع كتب طه عبد الرحمن لمن أراد قراءة الأعمال الكاملة له:

  • لا بدّ من امتلاك القدرة الآلية والمعرفية التي تمكّنك من قراءة وتلخيص كتبه، ومتابعة الخطط الأنسب لك والمنشورة على الصفحة الخاصة بتقديم أعماله على تويتر.
  • الأنفع أن تقرأ الكتب وتلخصها وفق خط زمني، تبدأ من البحوث الأولى حتى تصل لآخر ما كتب -متّع الله به-، لأن بعض الفجوات في بعض كتبه لا يسدها إلا معرفة ما كتب سابقًا.
  • ضاعف التركيز على مقدمة كل كتاب، خصوصًا الكتب المركزية في بداية كتاباته.
  • ركز على البنية العامة المتكررة في كتبه، وهذه تحتاج منك لقوّة حدس للآليات والمفاهيم المضمرة التي قد تشربها طه عبد الرحمن ولم يجد حاجة للتصريح بها، أو قد لا يعي أنه يستعملها باستمرار.
  • تنبه لتغيرات في بعض المفاهيم، وبعض المسميات، وبعض الآليات، وهذه تفتح لك باب معرفة أسرار تولد المفاهيم الجديدة عنده، كذا الحجاج لمشروعية بعض المساهمات التي قدّمها، والتفريعات التي استخرجها بعد تمكّن بعض المفاهيم والنظرات، وبعض المفاهيم والآليات التي استغنى عنها لوجود ما فاقها إجرائية، كذا دقة النقد الذي تطور معه بشكل ملحوظ.
  • ستجد من الصعب وضع مفهوم عام لقضية ما عند طه عبد الرحمن دون حفظ سياق الكتاب الذي انتقد من خلاله بحسب المجالات، أو الخطابات، أو الواقع، أو الواجب، نحو مفهوم “الأخلاق” أو مفهوم “الإنسان”… إلخ؛ فهذه غالبًا محكومة بالسياقات وإن ظنّ الظان أنها ثابتة في كل مؤلفات طه عبد الرحمن.

في خاتمة المقال: الإلقاء الثاني فرع عن الانتقاء المصاحب للإلقاء، وتجربتي تجربة انتقاء مضمر وإن لم يتضح لي ما ألقيته وأبقيت ما انتقيته، ثم قدّمته، وفق معطيات شخصيتي وتجربتي، قد تختلف لدى شخص آخر فيلقي للسائل بحسب تحيزاته وانتقاءته، وبمجموع التجارب تتكثف الخبرة وتضاء زوايا أكثر.

شارك الصفحة
المزيد من المقالات
القراءة البطيئة تنشئ اتصالًا عاطفيًا عميقًا بالمادة المقروءة.
فضيلة الافتقار بوصلة ذهنية واعية تبصرك بنظرة نوعية بماذا تفتقر، وعن ماذا تستغني.
هذه أفكار لتخمير الأفكار عبر التوسل باستحلاب صورة مجازية.

تجربتي في تلخيص كتب طه عبدالرحمن قراءة المزيد »