حكاية جمعية قرطبة

Picture of إعداد نورة الجوهر
إعداد نورة الجوهر

ساهم في التغطية: نورة المغيرة

الفكرة أن نعمل على برنامج بنائي للفتيات، بحيث تخرج الفتاة بنهاية البرنامج وعندها مشروع لمجتمعها، سواء موجه لنفس فئتها أو لا“.بهذه الكلمات بدأت السيدة نوال الضويانعضو مجلس إدارة الجمعية الأهلية لتنمية الفتاة قرطبةحكاية الأيام الأولى لتأسيس جمعية قرطبة، وقد التقينا بها مع عدد من أعضاء الفريق التنفيذي للجمعية، للاطلاع على نشاط الجمعية عن قرب.

بدايات

بينما كان الصباح يستيقظ متثائبًا في مدينة الدمام، كانت مجموعة من السيدات قد اجتمعن للتفكير في مشروع لتأهيل الفتيات وتطويرهن، ويبدو أن الأفكار الأولى كانت فضفاضة للغاية، حيث تضمنت تأهيل الفتيات في جوانب علمية ومهارية وحرفية، لكن خرج قرار المجلس في نهاية الأمر على التركيز في مجال القراءة، وهو ما يعني البناء الثقافي للفتيات، وتأهيلهن من خلال القراءة ومهاراتها.

وقبل أن تُطلق الجمعية أول برامجها، مكثت خمس سنوات في التأسيس، وتشكيل الفريق، وتصميم المقر وتجهيزه، وهي فترة طويلة نسبيًا، لكن الفريق يُبرر ذلك بالمتطلبات الرسمية اللازمة للتأسيس، وأعباء تشكيل طاقم عمل متجانس ومتخصص.

الفريق القارئ

بدأ عمل الجمعية بجهود تطوعية، فكان الفريق يعمل على تأسيس الجمعية في هامش أعمالهم الرسمية التي يقومون بها، من استخراج التصاريح، وفرز السير الذاتية ومقابلة الموظفات المحتملات، وتصميم المقر وتنفيذه، إذ كان تصمصم المقر تطوعًا من المهندسة هند الدهلوس، وتؤكد الأستاذة هند المبيضالمديرة التنفيذية للجمعيةأن نسبة الأعمال التي يقوم بها المتطوعون داخل الجمعية تبلغ 70% حتى الآن!

المقر قبل التصميم

ويبدو أن الجمعية محظوظة بفريقها، إذ صادف أن كل من يعمل بالجمعية لديه شغف بالقراءة، ورغم أن ذلك لم يُشترط في التوظيف، لكن الموظفات تقدمن للعمل في الجمعية إيمانًا منهن بفكرتها، وموافقةً لأهدافها، فتقول فاطمة بوديمسؤولة إدارة العلاقات العامة والإعلام

من مميزات العمل في جمعية قرطبة أني وجدت نفسي أحقق أهدافًا أحلم بها منذ وقت طويل، داخل بيئة رحبة، تشاركني اهتماماتي في عوالم القراءة والثقافة“.

وأما الأستاذة نوال الضويان فقد تقاعدت من العمل في التعليم بعد سنوات طويلة، وسرعان ما انخرطت في أعمال الجمعية، وهو ما جعل بناتها يتساءلن عن حقيقة تقاعدها لتقول لهنّ:

أحببت التعليم، وأحببت الإرشاد .. كنت معلمةً ومرشدةً لفترة من الوقت، تقاسمت سنوات خبرتي بين التعليم والإرشاد، وأحببت المجالين، ولكن هنا، في جمعية قرطبة، بين أحضان الكتب، وجدتُ نفسي لأول مرة!”.

برامج نوعية

تنقسم برامج الجمعية إلى قسمين كبيرين، القسم الأول متخصص في برامج التمكين، وهو يستهدف تخريج فتيات فاعلات في مجال القراءة والثقافة، عبر برامج متعددة الأدوات والمداخل. وأما القسم الثاني فيُعنى بالتثقيف العام، وتستهدف فئات أوسع، عبر برامج أقل تعقيدًا، وأكثر انتشارًا.

في أواخر عام 2020م أطلقت الجمعية أولى برامجها، دار أندلسية، وهو برنامج من برامج التمكين، متعدد الأدوات، وبه دورات تدريبية، وورش عمل، ولقاءات تطويرية، يضم مسارات لقراءة الكتب ومناقشتها، امتدّ لثمانية أشهر.

تقدم للبرنامج 85 فتاة، واختير منهن 25 فتاة فقط، بعد مقابلات شخصية مع كل متقدمة، وكان الهدف التأكد من استعداد المشاركة لبرنامج بهذا القدر من المتطلبات، ولديها فرصة للخروج بمشروع اجتماعي في مجال القراءة.

توّج البرنامج مسيرته بإطلاق ثلاث برامج متنوعة، خططن لها المشاركات داخل دار أندلسية، الأول هو مكتبة حكايا، وهي مكتبة تجارية متخصصة في كتب الأطفال، والثاني برنامج إكسير الذي يهدف لتعزيز مهارات القراءة والتفكير، من خلال منهجية متخصصة لبناء الشخصية ورفع الوعي والإدراك، عن طريق الاجتماعية والجلسات النقاشية والحوارية، كما تخرج في دار أندلسية ناد للقراءة، وهو نادي قمارش، وفيه يناقش أعضاء النادي كتبًا من مجالات متنوعة، من الأدب إلى التاريخ، ومن الرواية إلى الشريعة والفكر.

أطلقت الجمعية النسخة الثانية من دار أندلسية هذه الأيام، بالإضافة إلى برامج أخرى، ساهمت في ضم كفاءات نوعية إلى فريق جمعية قرطبة، وأخرجت قارئات فاعلات، يملكن المهارات اللازمة لإثراء مجتمعاتهن.

مكتبة قرطبة

يجد الزائر للجمعية في طرفها مكتبة بيضاء اللون، بخلفية خشبية، تُضيئها إنارةٌ مخفيةٌ بأناقة، وتُضفي أشعة الشمس المتسللة عبر نوافذها ألقًا ساحرًا على مشهد الكتب المتراصة في الرفوف.

عملت المهندسة هيا الفرج والمهندسة لينة القحطاني على تصميم مكتبة قرطبة وتنفيذها تطوعًا، ثم بدأت المكتبة في استقبال عدد كبير من الكتب المهداة، ولذا تشكل فريق تطوعي لاستقبال الكتب وتقييمها، ثم فرزها حسب مناسبتها للمكتبة، ثم قام فريق آخر بشراء كتب أساسية في مختلف المجالات، بعد استشارة المتخصصين، وقد ضمت المكتبة أكثر من 1200 كتاب، تُمثل صفوة الكتب في 28 تصنيفًا.

أثناء تصميم المكتبة

تبرعت المكتبة العامة بمدينة الدمام للمكتبة الوليدة ببرنامج متخصص في قواعد البيانات، ثم دربت المتطوعات على إدخال بيانات الكتب وتصنيفها، بعد إدخال تعديلات طفيفة على تصنيف ديوي الأكثر انتشارًا، ليناسب مختلف الفئات من زوّار المكتبة.

تُقدّم المكتبة لزوّارها خدمات متنوعة، مثل خدمة الإعارة، والإرشاد القرائي، وخدمة بلّغني التي تتيح للزائر طلب كتاب غير متوفر، لتسعى المكتبة إلى ضمه بما لا يتعارض مع سياسات جمعية قرطبة. كما تُقدم المكتبة برامج إثرائية متنوعة، فهي تستضيف نادي قمارش لمناقشة الكتب، ويتميز بمشاركة متنوعة من الجنسين، ومن مختلف مناطق المملكة. بالإضافة إلى تقديم برنامج بوصلة الذي يهدف إلى توجيه المشارك في دروب القراءة المختلفة، وتعميق أثرها من خلال أدوات متعددة. وتُقدم مكتبة قرطبة برنامج قبس، الذي تستضيف به متخصصين، ليتحدثوا عن حياة شخصيات رائدة في مجالات معرفية مختلفة، وتُعرض سيرهم من منظور إنساني، يُقرّب هذه الشخصيات أكثر من حياة قارئيها.

تحديات وآفاق

تعتمد الجمعية كسائر القطاع الثالث على تمويل المانحين، وهو ما يجعل تمويل جمعية متخصصة في قطاع الثقافة يحتل مرتبةً منخفضةً في سلم أولويات متقلّب.

وعلى الرغم من إقبال الفتيات الكبير على أنشطة الجمعية وبرامجها، إلا أن تعامل الفئات المستهدفة مع هذه الأنشطة تنقصه الجدية في بعض الأحيان، فلا زال محور القراءة في حاجة إلى تعزيز داخل حياة قطاع واسع من الأجيال الجديدة، وهو ما يمثّل تحديًا يخوضه طاقم جمعية قرطبة بعزم مثابر، من ابتكار برامج أكثر متعةً وأعمق تأثيرًا، إلى تصاميم مدهشة وجاذبة، وتمثل علامة جودة لبرامج الجمعية.

شارك الصفحة
المزيد من التغطيات
بمثل هذه الصروح تشيّد الأمم، وتبنى الأمجاد، وترفع الرؤوس بالمعالي شامخة.
نستعرض أحد التجارب المجتمعية الفريدة في الاستفادة من فن الرواية.
وضع نصب عينه شعارًا فريدًا هو: نقل المعرفة من السطور إلى الآذان.