خلال الأسابيع الماضِية كُنت أبدأ كلّ صباح بهيج بتتبع وسم #أريكة_وكتاب، متأملة تنوع الأغلفة التي انضمت إلى قائمة الكتب المُنجزة، ومُستمتعةً بتلك الرحلات الفكرية التي خطّها القرّاء بأناملهم.
كُنت أقرأ بشغفٍ وإمعان آراء القرّاء، وأُتابع عدد الساعات والدقائق التي أمضوها مع الكتب، مُعجبةً بإنجازاتهم وتقدمهم. هُناك، حيثُ امتزجت أمواج المعرفة والعلم بأصداء صفحات الكتب، شعرتُ بملء قلبي أنني جزءٌ من مُجتمع نابض بالحياة والشغف.
لم تكن #أريكة_وكتاب في نسختها الأولى إلا مبادرة مبتكرة، هدفها تحفيز القرّاء على استغلال أوقاتهم أيام الحجر المنزلي، في تلك الأيام الغريبة من جائحة كورونا.
كان الإقبال مبهرًا، تناثر خبر الفعالية في كل زاوية قصيّةٍ من زوايا منصات التواصل الاجتماعي، وباتت أريكة وكتاب عنوانًا لكل من ينوي تجديد صلته بالكتب، وبناء عادة القراء كل يوم، وإكمال قراءة الكتب التي أهملنا إنجازها.
صارت أريكة وكتاب بوّابة كبرى للتعرف على نديم وبرامجها، فكثير من الأصدقاء شاركوا في برامجنا الأخرى بعد انضمامهم إلى أريكة وكتاب، بل إننا في بعض الأحيان تفاجأنا أن قطاعًا كبيرًا من القرّاء يعرف مبادرة #أريكة_وكتاب، ولكنه لا يعرف نديم!
بين وفينةٍ وأخرى نجد من يشجعنا على إقامة الفعالية من جديد، وترددنا قبل النسخة الثانية كثيرًا، فأجواء الحجر الكلي انتهت، والانشغالات تزايدت، والزخم القديم لا يُمكن بعثه من جديد.
لكننا نندهش كلّ مرة بالإقبال على كل نسخة من نسخ #أريكة_وكتاب، تتناثر الأغلفة بين الانستقرام وتويتر، وتتقافز ساعات التوقيت داخل كل صورة موضحة عدد الدقائق المستغرقة في إنهاء الكتاب، يتحوّل الوسم إلى معرض كتب، يُمكنك من خلاله أن تتعرف على كتب لم تمرّ عليك من قبل، أو تتذكر كتابًا نسيته بين رفوف مكتبتك، أو تتحفّز لإنجاز بعض الكتب المتراكمة على مكتبك.
ومع نهاية رحلتنا الصيفية في موسمها السابع حققت أريكة وكتاب بمثابرة قرّائها إنجازاتٍ عظيمة ومُبهرة، فقد شارك معنا أكثر من 100 قارئ وقارئة، قرأوا فيها 460 كتابًا، بصفحات تتجاوز الـ74 ألفًا، وبعدد ساعات اقتربت من الألف ساعة!
كانت رحلة قرائِية ثريّة جدًّا، أشبه بالإبحار في عالم من الكلمات والمعاني والحكايات، تنفسنا فيها عبق الأدب وتموُّجنا بخفةٍ بين جُزُر الأفكار.
كان القرّاء مختلفين لكل منهم دور في هذه الرحلة، كان بينهم النهّام الذي يشدو بألحانِ القصص، يشدُّنا بعذوبة صوته إلى أعماقِ الحكايات، والبحّار الذي كان يُملي فصلاً لُغويًا يوجه الدفّة بين تيارات الفكر والفلسفة، ويأخذنا بحكمةٍ بين رِياح التساؤلات، والغوّاص الذي كان يُدرك لذّة الرحلة في أعماق الصفحات، يبحثُ عن كُنُوز المعاني المخبوءة بين السطور، يلتقطُ ببصيرتهِ كلّ نفيسة كامنة!
وهكذا، فقد فتحت هذه التجربة آفاقًا ومدّت آمالًا لكثيرين كانوا يظنون أنَّ الالتزام القرائي مستحيل، ناهيك عن إنهاء الكتاب في جلسة واحدة! ها هُم قد فعلوها وها هُم ينتشون بإنجازهم، فطوبى لهم!
أدركتُ أن “أريكة وكتاب” أكثر من مجرد مغامرة في عالم الكتب؛ فقد كانت رحلة إنسانية عميقة أثرت فيَّ بطرق مُذهلة! كلّ ساعة قضيتها في متابعة القراءة كانت بمثابة اكتشافٍ جديد لعمقِ التجربة التي تقدمها القراءة.
شعرتُ بارتباط وثيق مع كل قارئ وكل تجربة قراءة، حيث أضاف كل منهما بُعدًا لامعًا لهذه الرحلة، مما أضفى عليها ثراءً وتأثيرًا عَميقًا!
ولا أبلغ من حديث المشاركين والمشاركات عن تجربتهم مع أريكة وكتاب، فهذه سعادة تقول:
“أريكة وكتاب لم تكن فقط مُبادرة للتشجيع على القراءة، بل كانت نُقطة فارقة في اكتشاف ذاتي.. لم أكن أعلم قبل هذا أني أستطيع إنهاء أكثر من كتاب في شهرٍ واحد! ظننت لسنوات أن مقدوري القرائي ضعيف؛ لكن أريكة وكتاب جعلت هذا الظنّ يتلاشى ويتبخر. من أجمل وأفضل التحديات التي شاركتُ بها، رغم أنهُ مر سريعًا، لكنهُ كان عميق الأثر رضي الله عنكم وأرضاكم”.
وتقول هناء جُبران:
“أحيانًا يكتشفُ الإنسان نفسه عن طريق الآخرين، حقيقةً ما كنتُ أتوقع هذا الإلتزام أبدًا، ما كانت تجربة قرائية بقدر ما كان فيها تربية للنفس. في بداية الأيام كنتُ أُنازعها وأجرّها جرًّا لإنهاء الكتاب، أما الآن أشعر بنقص في يومي لا يكتمل إلا بخلوةٍ مع كتاب؛ فالحمد لله الذي إذا كلف أعان، وبإذن الله سأستمر وأسعى لتثبيت عادة القراءة، كنت فقط أحتاج من يأخذ بيدي ويدفعني للأمام، لن ننساكم من الدعاء”.
يتزود الفرد بمددٍ من التشجيع والإلهام عبر مشاركته مع الجماعة، حيثُ يتجلى أثر المشاركة الجماعية في إثراء التجربة الفردية وتوسيع آفاقها، مِما يُساعد في تطوير رؤى خلاقة، ويحفّزه لاكتشافِ قدراتهِ!