حكاياتٌ أولى من زمالة قرّاء

صورة-زمالة-القراء-

عجيبة هي قدرة الإرشاد على اختصار الطّريق، وإثراء رحلتنا في الحياة، وأعجب منها قدرتنا على العطاء!

أن يعطيك إنسانٌ خبرة السّنين على طبق من حوار، يغمرك بكرم نصحه، وجميل مشاركته لما مرّ به، وخبره في سنيّ عمره، تسأله عن المجهول تخافه؛ فإذا هو قدّ عاشه قبلك، وتمدّ له يدك؛ فيأخذها بيده ليتّصل المسير، في طريق يدلّ فيه السّابق اللاحق، ويكمل فيه اللاحق أثر من سبقه.

من هنا انقدحت الفكرة: زمالة قرائية!

أعلنت شركة نديم قبل ثلاثة أشهر عن برنامجها المبتكر “زمالة قرّاء”، والذي توفر فيه بيئة معرفية مبتكرة للتمكين من أدوات القراءة، عبر ربط القراء المشاركين بمجمعة من المستشارين المميزين في قراءة الكتب وتقييمها، وهي أكملت اليوم أكثر من 100 جلسة استشارية!

في كتابه الفريد، ميراث الصّمت والملكوت، ينقل الأستاذ الهدلق عن ويل ديورانت في قصّة الحضارة:

“أن امرأة تدعى نينون دلّانكلو عاشت في عصر لويس الرابع عشر 1643 – 1715 حياة فاضحة متهتكة؛ إلا أن تلك الحياة لم تمنعها من أن تلتقط قدرًا من المعرفة لا يُستهان بها، وأن تفتح صالونًا أدبيًّا تقاطَرَ إليه أربابُ الأدب والفن والسياسة، حتى أذهلت باريس كلها بما أبدت من ذكاء ومعرفة؛ بل إنها أثارت فضول الملك لويس نفسه فاستمع إليها في قصره من وراء ستار.

عُمِّرت نينون بعد أصدقائها كلهم تقريبًا، فلما دنت منيَّتُها لم تترك في وصيتها -على ما بلغته من ثراء- سوى مالٍ يسيرٍ لجنازتها حتى تكون أبسط ما يستطاع؛ ولكنها كتبت: أطلب في تواضُع إلى المسيو لاروية -وكان وكيلها- أن يسمح لي بأن أترك لابنه الذي يتلقَّى العلم عند اليسوعيين ألف فرنك ليشتري بها كتبًا”.

قال ديورانت: “واشترى الابن الكتب، وقرأها، وأصبح فولتير”!

في «زمالة قرّاء» يرتبطُ ثمانية عشر مرشدًا خبيرًا بستّين زميلًا شابًّا، تجمعهم الكتب والقراءة وشؤونها على شاطئ الحياة، وأحيانًا في بحرها لجيّ التّجارب. في رحلة بين الكتب، وتجارب الحياة!

ليست «زمالة قرّاء» إلّا محاولةً لجعلنا نقرأ، نحن، ومن حولنا، ومن سيأتي بعدنا. محاولةٌ لمدّ جسرٍ يصل السّابق باللاحق في عوالم القراءة، وينسج روابط الود بين أهل القراءة وعاشقيها، لنستعين بها على مشقّات المعرفة، ونذوق بها حلاوات العلوم.

يقول الأستاذ حاتم الكاملي عن الزمالة، وهو أحد مرشديها الكبار:

“مبادرة شبابية رائعة تربط الشباب في مقتبل حياتهم بمن سبقوهم في رحلة القراءة. تشرفت بالمشاركة بها، وتفاجأت بمستوى القراءة لجيل الشباب الصاعد؛ شباب لم يلامسوا العشرين، تعليمهم رائع، يقرأون في كل الفنون، من روايات ديستويفسكي إلى تاريخ ابن كثير، ومن الجاحظ إلى طه حسين، ومن كتب الفيزياء إلى ريادة الأعمال والتقنية”.

وتُحدّث إسراء عن تجربتها في خوض رحلة الزمالة، فتقول:

“إنني خلال هذه الجلسات استفدت فائدة عظيمة جدًّا في معرفتي وتبصري بنفسي، وتأملي لعاداتي القرائية، وأخذت عن مرشدي وصايا قيمة لرسم خطة قرائية جادة تناسبني، ونصائح لتدوين فوائد الكتب بصورة فعالة وبعيدة المدى”.

أثرُ القراءة لا يُرى.. أثرُ القراءة لا يزول!

إن قيمة هذه المبادرة لا تكمن فقط فيما تنطوي عليه من قيم الإرشاد والتوجيه، بل تتجاوزه إلى ما هو مبثوث فيها من روح العطاء الحية، والمجتمع القرائي التفاعلي، والمشاركة المعرفية الثرّة، والتي تخلق بمجموعها بيئة ملهمة تعزز من حماس شبابنا القرَّاء للقراءة، وتدفعهم لاستكشاف آفاق جديدة في عوالمها الفسيحة.

يرسم مشاري لنا أثر الجلسات الإرشادية فيقول:

“مذ جلستي الأولى مع مرشدي وأنا أجد في نفسي رغبة ملحة ومؤرقة بأن أقطع أكبر كم وكيف من الكتب قبل لقائي التالي معه؛ حتى أقدر على توظيفها وتفعيلها في جلستنا لاستخراج ما لدى المرشد، ومنذ وصلني موعد الجلسة الثانية وأنا أعدّ لها”.

 وكم تنطوي زمالة قراء على قصص وحكايا، تبرز حاجتنا لمثل هذه المبادرات التي تبنينا من خلال بعضنا البعض.

وفي مهارات القراءة تحديدًا، تبرز إحدى أهم الفوائد التي تقدمها زمالة قرّاء، وهي تعزيز النقد الذاتي والتفكير العميق في المقروء، من خلال النقاشات المتعمقة، والمراجعات الجماعية، يتعلم الأعضاء كيفية تقييم الكتب بموضوعية، وتحديد الأفكار الرئيسية، والبحث عن الروابط بين المفاهيم المختلفة، وكلّ هذا نتيجة تفاعل القارئ مع مرشده، ومجتمع الزمالة ككل.

كما تسهم الزمالة في بناء شبكة اجتماعية قوية تجمع محبي القراءة، فالعلاقات التي تُبنى خلالها على أساس الاهتمامات المشتركة بالقراءة تكون أكثر استدامة وإثماراً، ويمكن للأعضاء الاستفادة من تجارب بعضهم البعض، سواء في مجال القراءة أو في الحياة بشكل عام.

بالإضافة إلى ذلك، توفر زمالة قرّاء بيئة ملهمة لتبادل التوصيات حول الكتب. يمكن للأعضاء مشاركة قائمة بالكتب التي أثرت فيهم بشكل كبير، مما يساعد الآخرين في اختيار قراءاتهم المستقبلية بناءً على توصيات موثوقة ومجربة.

تساهم المبادرة أيضًا في تطوير مهارات البحث والتحليل. فالقراءة المتعمقة تحتاج إلى قدرة على التفكيك والتحليل، وربط المعلومات والأفكار ببعضها البعض. هذا الأمر يعزز من القدرات العقلية ويجعل الأعضاء أكثر قدرة على مواجهة تحديات المعرفة. إلى معاني أثرى لعلّها تبرز نسخة بعد أخرى إن كتب الله للزّمالة النّمو، فهذه نسختها الأولى فقط.

ولئن كان الهدف الأسمى لزمالة قراء هو إرواء القارئ الفرد من بئر التجارب الإنسانيّة، فإنّما يتمّ هذا عبر مجتمع قارئ حيّ، قادر على مواجهة تحديات العصر، ومستعد لبناء مستقبل أفضل، قائم على أسس من الفهم العميق للنفس والناس، لنغيّر بالقراءة أنفسنا؛ فيتغيّر بنا العالم.

شارك الصفحة