ميداليةٌ للوالدين: مراجعة لكتاب كيف تنشّئ لاعبًا مُعافى

Picture of كتابة: سارة جاينز ليفي
كتابة: سارة جاينز ليفي

ترجمة: يارا عمار

كان ألوك كانوجيا (معروف أيضًا بـ Dr. K) -الحاصل على دكتوراه في الطب وماجستير في الصحة العامة- تحت المراقبة الأكاديمية وعلى وشك الرسوب وهو في السنة الثانية الجامعية. وقد نشأت مشكلاته الأكاديمية لأنه كان يعالج نفسه ذاتيًا، كحال كثير من الطلاب الجامعيين الذين يمرون بمواقف عصيبة، لكنه لم يتجه إلى العقاقير أو الكحوليات الشائعة، بل كانت ألعاب الفيديو هي ملاذه المفضل.

يقول الآن “حينما كنت على وشك الفصل من الجامعة كنت أستيقظ كل صباح وأحدث لنفسي: يا إلهي سأرسب! لكن بما أن هذه مشكلة لا يمكنني حلها في اللحظة، فلأستمتع الآن بلعبة. ومع الانغماس في اللعب يغيب عن ذهني تمامًا أني أدمر حياتي”. هذه هي الحلقة المفرغة التي تسيطر بها ألعاب الفيديو على اللاعبين، وهي حلقة يعرفها الدكتور كانوجيا تمام المعرفة.

قد تتوقع أن تؤدي هذه القصة إلى لحظة “صحوة” امتنع بعدها الدكتور كانوجيا عن اللعب، لكن ليس هذا ما حدث. بل غيّر طريقة تفكيره، فسافر إلى الهند واكتشف اليوغا والتأمل، ثم التحق بكلية الطب في جامعة هارفارد وصار طبيبًا نفسيًا متخصصًا في الطب التكميلي والبديل، إلا أن الألعاب ظلّت جزءً أساسيًا من حياته. ولمّا كثُر عدد متابعيه على منصة Twitch، أدرك وجود حاجة ماسة للدعم النفسي بين اللاعبين، وأنه هو أجدر مَن يلبيها. ومن هنا وُلدت منصته Healthy Gamer .

تفاجأ الدكتور كانوجيا عندما اكتشف أن كثيرًا من الاستفسارات التي يستقبلها على منصة Healthy Gamer لم تكن واردة من اللاعبين أنفسهم، بل من آبائهم. يوضح قائلًا: “قد تكون أبًا رائعًا، لكننا نتحدث عن صناعة تقدَّر بمليارات الدولات مصممة من أجل جذب انتباه [ابنك]، وتحقيق هذا الهدف يدرّ المال عليهم. يجري الآن سباق تسلّح، والخاسر الوحيد دائمًا هو المستخدم”. وعلى الآباء -الذين ربما نشأوا على الألعاب أو بدونها، يعرفون أثرها على الأبناء أو يجهلونه- إصلاح ما تفسده هذه الشركات.

وضع الدكتور كانوجيا مؤلف الكتاب الجديد “كيف تنشّئ لاعبًا معافى” استراتيجيات ليستعين بها الآباء لتوجيه أبنائهم في التعامل مع -أو تجنب- إدمان ألعاب الفيديو.

كيف تساعد ابنك على بناء علاقة متوازنة مع ألعاب الفيديو

فهم تأثير وقت الشاشة/ ألعاب الفيديو عليهم

كيف ينشّئ المرء “لاعبًا معافى”؟ هل يوجد أصلًا شيء من هذا القبيل؟ أليس ما نحتاجه هو منع أبنائنا عن الألعاب تمامًا؟ يقول الدكتور كانوجيا: “إن تأملنا في دورنا الأبوي فسنجد أنه إعداد أطفالنا للنجاح في الحياة، لكن عزلهم عن شيء ما لا يعني إعدادهم له”. في الوقع، كلا ابنَي الدكتور كانوجيا (أعمارهم 6 و 8 سنوات) يلعبون ألعاب الفيديو.

وهذا مثال يوضح كيف يحثهم الدكتور كانوجيا على التفكير في الوقت الذي يقضونه أمام الشاشة بعمق حتى لا يصل بهم الحال إلى ما وصل إليه. يقول: “لنفترض أننا نشاهد التلفاز لمدة ساعة صباح يوم السبت، بعدما تنقضي هذه الساعة أسألهم: هل اكتفيتم؟ فيقولون بالطبع لا، فنشاهد 30 دقيقة أخرى ثم أسألهم: هل استمتعتم في الثلاثين دقيقة كما استمتعتم في الساعة الأولى؟ هل تجدونها ممتعة أكثر أم أقل؟”.

وبعد غلق التلفاز يأخذهم إلى الملعب ويسألهم سؤالًا مشابهًا: هل ترغبون في مغادرة الملعب والرجوع إلى المنزل لمشاهدة التلفاز، أم أن هذا أمتع؟ “ما أسعى إليه هو أن يفهم أبنائي تأثير الأجهزة عليهم”.

يقول: “من المبادئ الأساسية أيضًا إعطاؤهم حرية الاختيار حتى يفهموا أن بإمكانهم القيام بذلك الآن أو لاحقًا. هذا يقوّي الفصوص الأمامية لديهم لأنه يعلمهم تأجيل الإشباع”. ومع ذلك، إن كانوا يختارون اللعب كثيرًا لدرجة ظهور خلل في حياتهم اليومية (انخفاض الدرجات، الميل إلى العزلة، التقلبات المزاجية، العدوانية) فلا بد أن تتدخل.

يشير الدكتور كانوجيا إلى أنه يوصى غالبًا بتعليم الأطفال ضبط النفس ولا يفضل تقييدهم. يقول: “نحن في منصة Healthy Gamer  ننطلق من نهج أساسي، وهو أن الامتناع لا يكون بالإكراه، لا بد أن يكون صاحب السلوك راغبًا في ضبط نفسه”.

لكن كيف تساعد الأطفال على تقليل رغبتهم في اللعب؟ “نحن نشجع على التواصل وبناء علاقات متينة. كثيرًا ما تكون الألعاب ملاذًا من مشكلة أخرى، لذا اسألوا أبناءكم عما يجري فعليًا”. ربما يتعرضون للتنمر أو يصعب عليهم تكوين الصداقات، ويتخذون الألعاب وسيلة للهروب من كل ذلك. وهذا ليس أمرًا سلبيًا بالضرورة في الظاهر.

“نحن نشجع الآباء بشدة على سؤال أبنائهم عما يحبونه في الألعاب. غريزة الحماية تدفع الآباء إلى انتزاع ما هو خطر من أبنائهم، مثل سكين حاد. لكن التحدي يكمن في أننا أحيانًا نواجه مقاومتهم عندما نمنعهم من الألعاب لأنها تلبي بعض احتياجاتهم. فمثلًا طفل يتعرض للتنمر وجميع أصدقائه عبر الإنترنت، عندما تسحب منه لعبته فالأمر ليس مجرد سحب لعبة، بل أنت تحرمه من منفذه الاجتماعي”.

قد تتفاجأ من سماع ذلك، لكن الدكتور كانوجيا يوصي بعدم سحب الأجهزة أو الألعاب من الأطفال، وإخبارهم بذلك. نعم قد تضع حدودًا، لكن يجب أن يعلموا أنّ الصدق معك لن يتسبب في حرمانهم من منفذهم الاجتماعي تمامًا.

ضع حدودًا

هذا مما يجد فيه الآباء مشقة، لكن إن كنت تُكثر من التحذير (تكرار “خمس دقائق أخرى!” أو “إن فعلت ذلك ثانية فسأسحب جهاز Switch منك”) دون تنفيذ العواقب، فأنت تعلّم ابنك تجاوز الحدود. “ما ندرّب أبناءنا عليه غالبًا هو تجاهل كلامنا، لعدم وجود عواقب. عندما يأمر أحد الأبوين الابن بإيقاف اللعب ولا شيء يحدث، ثم يُعاد الأمر ولا شيء يحدث، فقد تعلّم الابن أن الأمر بإيقاف اللعب ليس أمرًا ملزمًا ولا يعني بالضرورة أن عليه الامتثال”. عليك أن تلتزم بما تقوله، رغم صعوبة الأمر. “إن أردت أن يكون ابنك مسؤولًا فلا بد أن تحمّله المسؤولية، وهذا قد يترتب عليه أحيانًا أنه تحصيل درجات غير مرضية أو نسيان بعض الأمور، لكنه هذا هو ما سيعلّمه”.

أضف، لا تقتطع

إن وصلت إلى السبب الجذري للمشكلة، ووجدت أنه القلق الاجتماعي أو التعرض للتنمر أو صعوبة التواصل مع الأتراب، فالدكتور كانجيا يرى أن الأطفال والمراهقين يرغبون غالبًا في حل مشكلاتهم بطريقة أخرى غير اللعب، لكن لا يدرون كيف. بدلًا من أن تحرمهم من هذا المنفذ عرّفهم بمنافذ جديدة من شأنها أن تلبي احتياجاتهم بصورة أفضل من اللعب، كالأنشطة اللامدرسية. “كلما زاد انغماسك في اللعب زاد ضمور مهاراتك الاجتماعية. هذا لن يحل المشكلة أبدًا”.

لكن ابق معه حتى تجدوا شيئًا يلبي نفس الغرض. أظهر دعمك له بتشجيعه على معالجة ما يقلقه في النشاط الجديد، أو بتحديد عدد مرات الذي يجب أن يلتزم به في الممارسة. يقول: “إن إشراك الطفل في العملية والسعي لحل المشكلات التي يواجهها في حياته أمر بالغ الأهمية”. ويضيف: “عندما تبدأ في عيش حياة تستحق، حيث تلبَّى احتياجاتك وتتعرض للتحديات وتنمو وتجد مجتمعًا تنتمي إليه، حينها سيتلاشى شغفك تجاه الألعاب تلقائيًا”.

المصدر

 

شارك الصفحة