مبادرة مخطوطات القرآن

Picture of حسان بن إبراهيم الغامدي
حسان بن إبراهيم الغامدي

ساهم في الحوار: شيخة القحطاني وسهلة طه وهند البصري

يعرّف روّاد منصة فيس بوك من المهتمين بالدراسات الغربية اسم “أحمد وسام شاكر“، وهو باحث عربي شاب، أطلق مبادرة علمية باسم “مخطوطات القرآن”، صنعت تفاعلًا علميًا في مجال عربي إسلامي، ما زالت اليد الطولى فيه للبحث الأكاديمي الغربي.

أحاور في هذا اللقاء أحمد وسام شاكر، للتعرف على مبادرته، وكيف تكونت علاقته بمجال مخطوطات القرآن، وما هي الآفاق التي يطمح لها.

عرّفنا على مجال مخطوطات القرآن.

يعتني مجال مخطوطات القرآن بدراسة الظواهر المجودة على المصاحف المخطوطة، وعادة ما تُربط نشأة هذا المجال بالدرس الاستشراقي الغربي مع المستشرق واللاهوتي الدنماركي جاكوب كريستيان أدلر في القرن الثامن عشر الميلادي. اهتم هذا المستشرق بالكتابات الكوفية القديمة، وكان مقصده من الاهتمام بها دراسةُ الخطوط العربية وتطورها، وكانت المصاحف المخطوطة القديمة واحدة من المصادر المهمة لهذه الخطوط.

واستمرت هذه العناية في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، فاهتم المستشرق تيودور نولدكه بالمصاحف المخطوطة في كتابه المركزي تاريخ القرآن، وتابعه على ذلك المستشرقون من بعده، فالوثيقة المادية تعد المصدر الأهم في المنهجية الغربية، والاعتماد على المصادر التراثية وحدها في نظرهم مظنة ضعف وقصور. دفعهم ذلك إلى البحث الموسع عن المصاحف المخطوطة المبكرة وجمعها من خزائن الكتب العربية والغربية.

وكان من أهدافهم أيضًا نشر “نسخة نقدية” للقرآن الكريم، يُثبتون بها الرسم القديم للقرآن، والقراءات المتواترة والشاذة، مع وضع الحواشي النقدية.

توقف هذا الاهتمام مع وفاة أساطين المستشرقين، والظروف السياسية المصاحبة للعرب العالمية الثانية، ولكن سرعان ما عاد النشاط الاستشراقي مع اكتشاف مصاحف الجامع الكبير في صنعاء، ففي أوائل سبعينات القرن الماضي اُكتشفت آلاف الجذاذات والرقوق القرآنية التي تعود إلى القرون الهجرية الأولى، وانكب المستشرقون على دراستها والاعتناء بها.

لكن العناية بظواهر المصاحف المخطوطة لم تبدأ في الدرس الاستشراقي، ففي التراث الإسلامي علمٌ مخصص لدراسة أهم هذه الظواهر وهو علم رسم المصحف، والذي يعتني أساسًا بحصر الكلمات القرآنية التي جاءت مخالفة للقاعدة الإملائية القياسية، مثل كتابة كلمة الصلاة بالواو. وكان العلماء الأوائل يعتنون بدراسة المصاحف المخطوطة، فيأتي أحدهم إلى حالة معينة من حالات الرسم، ويقول رأيتها في مصحف قديم بدمشق، أو في مصحف قديم ببغداد، والآخر يقول شاهدت غير ذلك في مصحف بمصر وهكذا.

كيف بدأت علاقتك بهذا المجال؟

كُنت أسكن في كندا أيام دراستي بالمرحلة الثانوية، وكُنت أشعر بغربة شديدة في تلك الفترة، أتكلم بلغة لا أُحسّ بها، وأعيش في ثقافة لا أنتمي لها، وكان في داخلي ظمأ شديد لأي شيء يربطني بثقافتي وتراثي.

من تقادير الأمور أني كُنت أشاهد برنامجًا على التلفاز، وكان أحد المتحدثين يتكلم عن موضوع يطرق سمعي لأول مرة، فكان يقول بأن في المكتبة البريطانية أقدم نسخة من المصحف الشريف، وأن هذه النسخة صُوّرت ونُشرت مطبوعة، ويمكن شراءها من المكتبات التجارية، أو مطالعتها بالمكتبات العامة.

أدهشتني هذه المعلومة، ففي ذلك الوقت ما كنت أعرف شيئًا عن المصاحف المخطوطة، بل ما كنت أعرف شيئًا عن المخطوطات. ذهبت إلى المكتبة العامة القريبة مني، وطلبت منهم هذا الكتاب، فأخبروني أنه غير متوفر عندهم الآن، ووعدوني أنهم سيوفرونه بعد أسبوعين. ظللت مترقبًا لمكالمتهم، وفي شوق للحظة مطالعتي لهذه النسخة. اتصلوا بالفعل بعد أسبوعين، وذهبت إلى المكتبة، وقدم لي الموظف الكتاب وفوجئت بأنه في مجلدين ضخمين، وضعهما على الطاولة، وأخبرني بأن الكتاب غير متاح للاستعارة، وأن لي أن أطالعه في المكتبة متى شئت.

وأذكر إلى الآن أن أول ما طالعته في فاتحة الكتاب كان نصًا من كتاب الفهرست للنديم، يصف فيه خطوط المصاحف الأولى، وهو الوصف الذي ينطبق على النسخة المنشورة في الكتاب، مما يعني أنني أنظر إلى نسخة من مصحف من القرن الهجري الأول على ما ظهر من خطه وخصائصه.

كان هذا الكتاب بداية دخولي لهذا المجال، ومن ثم تعرفت على تاريخ هذه المصاحف المخطوطة، وأماكنها القديمة في المساجد الإسلامية العتيقة، مثل مسجد عمرو بن العاص رضي الله عنه في مصر، وبدأت أتعمق في هذا المجال، ولي فيه أكثر من عشر سنوات إلى الآن.

صورة 3

 

من أنشطتك في هذا المجال مبادرة “مخطوطات القرآن”، عرفنا على هذه المبادرة.

بدأت مبادرة مخطوطات القرآن عام 2020م عندما دفع الحظر الكلي أيام وباء كورونا الناسَ إلى الإقبال على البرامج والمبادرات الافتراضية، فحاولت استثمار هذا الزخم للتعريف بهذا المجال، وصناعة مساحة علمية يلتقي بها الباحثون العرب والمهتمون بدراسة مخطوطات القرآن من كل مكان.

 حدثتك قبل قليل عن مساهمة المستشرقين في هذا المجال منذ أواخر القرن الثامن عشر، ولديهم منهجياتهم، ودراساتهم، وتقاليدهم العلمية. ولابد أن تكون لنا مساهمتنا الخاصة في هذا المجال، ولكن الأمر في حاجة إلى تضافر الجهود، الذي يُمكن أن يحدث في مثل هذه المساحة التي تتيحها مبادرة مخطوطات القرآن.

نستهدف في المبادرة الباحثين العرب وطلاب الجامعات والأكاديميين، بحيث يكون هناك تواصل مباشر بين المتخصصين والطلاب يُساعد على فتح آفاق جديدة للبحث العلمي. كما استضفنا في المبادرة عددًا من الباحثين الذين قدموا محاضرات متنوعة حول مخطوطات القرآن، وحاضر معنا أيضًا عدد من المستشرقين. ونشرنا كذلك عددًا من الأبحاث والمقالات والمراجعات في قضايا مخطوطات القرآن، ونسعى لنشرها في كتاب جماعي. تعاقدت المبادرة مع عدد من المؤسسات العربية، ليكون لها دور في التنسيق العلمي والإسهام في إقامة الندوات والدورات والفعاليات العلمية.

الهدف من كل ذلك أن يكون للعرب حراك علمي في مجال مخطوطات القرآن، فالإسهام العربي في هذا الميدان قليل، ونود أن نسهم فيه بما يليق بنا.

ألحظ اهتمامك بالنقوش الكتابية التي ما زالت تُكتشف في أنحاء مختلفة من المملكة العربية السعودية، والتي تعود إلى القرون الهجرية الأولى. هل لهذه النقوش علاقة بمجال مخطوطات القرآن؟

بالفعل ثمة علاقة بينهما، فالنقوش التي ذكرتها تعود إلى القرن الهجري الأول، وكثير منها مؤرخة، وهذه النقوش تفيد الباحثين في التعرف على الخط المستعمل في تلك المرحلة الزمنية، ومقارنته بالخط المستعمل في مخطوطات المصاحف المبكرة.

كما أن بعض هذه النقوش اشتمل على آيات من القرآن الكريم، وهي نقوش مهمة للتعرف على خصائص الرسم المجودة فيها ومقارنتها بما نُقل إلينا في كتب التراث، فالنقوش تقدم لنا روافد مهمة لدراسة القضايا المتعلقة بمخطوطات القرآن الكريم.

ما هي الآفاق المستقبلية لعملك الشخصي في مجال مخطوطات القرآن؟

أحاول دائمًا أن أحذر من السير وراء المشكلات التي يطرحها البحث الأكاديمي الغربي بوصفها المشكلات التي تستحق البحث والدراسة والمعالجة. فرغم متابعتي الشديدة للدراسات الغربية في هذا المجال، واستفادتي الكبيرة منها، إلا أني أسعى لحل المشكلات التي يطرحها البحث الشرعي والتراثي العربي.

أحب أن قدم شيئًا يجمع بين التراث الإسلامي الكبير جدًا في هذا المجال، وبين العناصر البحثية المستفادة من الأكاديميا الغربية، فمخطوطات المصاحف، والنقوش، والبرديات، كلها عناصر بحثية جديدة ستقدم لنا إضافات علمية مهمة، وقد تحل بعض الإشكالات التي تُثار في مجال البحث الإسلامي.

على سبيل المثال، أعمل الآن على مرويات لابن عباس رضي الله عنه في تخطئة كتّاب المصحف فيبعض المواضع، فأنا أقرأ هذه المرويات من خلال المصادر التراثية، وأدرس ألفاظها، وشيئًا من أسانيدها، وكذلك أتتبع ما قيل فيها من كلام العلماء والمفسرين واللغويين على مدى قرون كثيرة، ثم أحاول إضافة عنصر جديد في معالجة هذه المرويات من خلال النظر في مخطوطات المصاحف القديمة، وكيف يُمكن أن تُقيّم هذه المرويّات أو توجّهها.

وأجد شخصيًا أن هذه العناصر البحثية الجديدة تقوّي كثيرًا من الآراء المذكورة في التراث، وتقوّض السرديات الاستشراقية، وتساعد على إثراء البحث التراثي والشرعي.

شارك الصفحة
المزيد من الحوارات
حوار مع د.أحمد العدوي