يستضيف برنامج الكتابة الخاص بي ندوة صيفية كل عام، يقدم فيهام أعضاء هيئة التدريس استراتيجيات تعليمية حديثة (مثال: التصحيح بدون درجات، وكيفية تطبيق هذا الأسلوب؟)ويتبادلون الأفكار حول المشكلات المستجدة (مثال: كيفية إدارة استخدام الطلاب ChatGPT في الكتابة الجامعية.) وفي هذا العام قدمتُ بالتعاون مع أحد الزملاء عرضًا يتناول مشكلةً كبيرة ومتنامية تتعلق بتدريس الكتابة للجيل الحالي من الطلاب الجامعيين: ألا وهي عدم القراءة.
من عادتي أن أبدأ محاضرات الكتابة التي أقدمها للمستجدين بالتعرف على طلابي (القاعات صغيرة، مما يشجع على النقاش). أسألهم مَن يحب الكتابة ومن لا يحبها، وما هي عاداتهم ومهاراتهم في الكتابة، وكيف كانت تجربتهم الكتابية في المرحلة الثانوية، وغير ذلك.
كما أطرح عليهم هذا السؤال: ما هي أفضل طريقة لتحسين الكتابة؟ وتأتيني نفس الإجابة دائمًا: الإكثار من الكتابة، فأقول إن هذه هي ثاني أفضل طريقة. أفضل طريقة لتحسين الكتابة هي الإكثار من القراءة. لا يروقهم هذا الكلام، فأسمع منهم عبارات مثل “لم أقرأ كتابًا منذ عشر سنوات!” أو “لم أقرأ كتابًا مذ كنت في الصف السادس!” أو حتى “لم أقرأ كتابًا قط.”
هذا أمر لا يصدق! كيف يتخرج شخص من المدرسة الثانوية ويُقبل بالجامعة دون أن يقرأ كتابًا منذ سنوات (أو في حياته)؟ لدي بعض النظريات المدعومة بالبحوث الأخيرة (انظر المراجع أدناه)[1]:
- التكنولوجيا: نشأ الجيل زد (الذين هم في الجامعة الآن) مع جوجل والهواتف الخلوية ووسائل التواصل الاجتماعي، وكلها توفر معلومات سهلة وسريعة لا تتطلب جهدًا إدراكيًا مقارنة بالمقالات المطولة والكتب.
- الاختبارات الموحدة: يُدرَّب طلاب المرحلة الثانوية على فحص فقرات منفصلة وتحديد فكرتها الرئيسية، وهي مهارة مفيدة للاختبارات، لكنها لا تفيد في التعلم عن الطبيعة البشرية والعالم، ولا تحسّن المهارات الكتابية، لأن ذلك يتطلب قراءة عميقة ومستمرة.
- الجداول المزدحمة: طلاب المرحلتين المتوسطة والثانوية مشغولون للغاية بالواجبات المنزلية والرياضة والعمل والتدريس والتطوع باسم الاستعداد للجامعة، فيشعرون أن لا وقت لديهم للقراءة الترفيهية أو حتى القراءة الإلزامية.
العزوف عن القراءة بين الأجيال ينعكس على طلابنا في عدة صور: أصبحت القراءة الجهرية في الفصول الدراسية ممارسة صعبة، حيث يعجز بعض الطلاب عن تهجّي اسم مؤلف غير مألوف أو نطق الكلمات الشائعة حتى. يميل الطلاب إلى الكتابة مثلما يتحدثون، حيث تُكتب المقالات بلغة غير رسمية وعامية بوجه عام بسبب عدم التعرض لنماذج كافية بقراءة الأدب والكتابات الأكاديمية. هنا يحضرني نموذج المدخلات والمخرجات للحوسبة: لا بد أن تقرأ كتابات رصينة حتى تُخرج كتابة متقنة. أخيرًا، يصعُب أحيانًا فهم رسائل البريد التي يرسلها الطلاب، لأنها تشبه الرسائل النصية كثيرًا ومليئة بالاختصارات، ومن دون علامات ترقيم أو إلقاء التحية.
أود أن أؤكد على أنّ هذا التراجع في القراءة اتجاه وليس قاعدة. يسرني دائمًا السماع من الطلاب عن الكتاب الذي قرأوه في الصيف وأعجبهم، أو عن كاتب مفضل اكتشفوه مؤخرًا، وأذكر طالبًا العام الماضي كان يعزو مهاراته القوية في الكتابة التقنية إلى قراءة الكثير من الأدلة الفنية للسيارات. لكن التراجع في القراءة اتجاه متزايد، وهذا أمر مُقلق.
أشار أحد المتحدثين الضيوف في ندوتنا الصيفية إلى أن الطلاب الجامعيين يقرأون كثيرًا في الواقع، إلا أن محتوى قراءتهم قد تطور، فصار كل ما يُقرأ الآن عبارة عن رسائل وتغريدات وتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي.
لكني لا أوافق على ذلك.
إن نوع “القراءة” الذي يمارسه الناس على منصات التواصل الاجتماعي قصير ومجزّأ ويركز على المعلومات: أحب هذا، لا أحب ذاك، أنت مخطئ، أنا على حق، انظر إليّ، اشترِ هذا، لا تشتر ذاك. هذه التفاعلات الموجزة مجتمعة تجعل الناس على اطلاع دائم بما يفكر فيه كل إنسان في العالم في اللحظة الحالية (وهو أمر مرهق).
إلا أنّ التطور السليم للعقل البشري يتطلب شيئًا أعمق من مثل هذه الجرعات السريعة من المعلومات المنفصلة. تحتّم علينا القراءة المستمرة متابعة الأفكار والتفكير العميق وفهم وجهات النظر المختلفة. ونحن بذلك نخضع لتعلم عميق، فالمدخلات الجديدة تعيد تنظيم الاتصال العصبي في أدمغتنا، فنرى العالم بطريقة جديدة حقًا. بعبارة أخرى: نحن نتعلم عندما نقرأ.
جميع المواد الأكاديمية مهمة، فكل منها يساهم بشيء لفهم أنفسنا وعالمنا. لكني أزعم أن لا شيء منها أهم من القراءة، لأنه عندما نعرف كيف نقرأ -أقصد القراءة الحقيقية- سنستطيع أن نتعلم ونفهم أي شيء.
ما الذي يمكن فعله إذًا لتحسين مهارات القراءة عند الشباب؟
- إيجاد طرق للحد من أشكال القراءة السطحية (مثل تعليقات وسائل التواصل الاجتماعي)، وبذلك يتوفر المزيد من الوقت للأشكال الأعمق للقراءة.
- إدراك أن مهارات القراءة اللازمة لأداء الاختبارات مهمة، لكنها ليست أساسية للتطور البشري مثل القراءة العميقة التي تعزز فهمنا للطبيعة البشرية وعالمنا وتساعدنا على عيش حياة مُرضية.
- الحرص على اقتطاع وقت لقراءة أي شيء يجذب اهتمامك، سواء كان أدلة فنية للسيارات أو محاورات أفلاطون. يحتاج الشباب إلى وقت للراحة، وإلى تذكير بأن وقت الراحة هذا قد يعني قراءة كتاب بدلًا من تصفح وسائل التواصل الاجتماعي.
حاليًا أقرأ مع ابني في المرحلة المتوسطة أن تقتل طائرًا محاكيًا، نتبادل الدور في القراءة جهرًا. وسأقرأ مع طلابي المستجدين فصلين يتحدثان عن الجيل زد من كتابين جديدين، أحدهما الأجياللجين توينج، والآخر لا يكفي أبدًا لجينيفر والاس. أتطلع لرؤية استجابة طلابي لهذه الإضافات الممتازة للأدبيات المعاصرة عن فهم هذا الجيل ومساعدتهم حتى يصبحوا قراء ومفكرين وكتّاب مثقفين ومطلعين كما يطمحون.
[1] Twenge, J. M. (2023). Generations: the real differences between Gen Z, Millennials, Gen X, Boomers, and Silents : and what they mean for America’s future. First Atria Books hardcover edition. New York, NY, Atria Books.
Wallace, J. B. (2023). Never enough: when achievement culture becomes toxic– and what we can do about it. New York, Portfolio/Penguin.