حوارٌ حول برامج القراءة في مركز باحثات

Picture of حوار: سارة المطيري
حوار: سارة المطيري

ساهم في الحوار: غالية الفوزان

الحديثُ عن القراءة حديثٌ يجعل القلب مُفعمًا بالسعادةِ والحماسة، ونحن اليوم في مركز باحثات الذي يهتم بقضايا المرأة المعاصرة، ويعالجها من أبعاد معرفية مختلفة. تحدثنا مع ضيفتنا نسيبة باوزير المديرة التنفيذية لشركة أوقاف مركز باحثات عن مشاريع القراءة في باحثات، ابتداءً من فكرتها ودوافعها، وطريقة انضمام الفتيات إليها، وإقامة ندوات القراءة والتفاصيل التي تحيط بهذه اللقاءات والمناقشات. 

نترككم مع الحوار

– بدايةً حدثينا عن نشأة مشروع القراءة في باحثات، ابتداءً من فكرتها ودوافعها، وكيف انطلقت هذه المشاريع؟

انطلقت مشاريع القراءة في باحثات منذ عام ١٤٢٨ تقريبا؛ نشأ المركز نشأةً تخصصية، وكان يركز أولًا على الأكاديميين والمثقفين والمهتمين بالجانبِ الفكري وقضايا المرأة، ومما لا يَخفى في هذا المسار أن القراءة مدخل أساسي عند المثقفين والمهتمين والأكاديميين، سواء من الناحية المعرفية أو التطوير، فقد كانت القراءة وما زالت محورًا مهمًّا.

وتمثلت أبرز جهود “باحثات” في إصدارِ ما لا يقل عن ستين كتابًا حتَّى الآن، وعندما بدأ باحثات العمل في إطار المشاريع ليكون أقرب إلى السوق المحلي والمستفيدين، بدأنا التفكير في ماهية القوالب الحيوية والمناسبة للمستفيدين، باختلاف أنواعها، جربنا إقامة نادي قراءة للفتيات، ونادي قراءة للأمهات، ونادي قراءة للمثقفين والمهتمين، فقد كانت نوادي القراءة في “باحثات” على مشارب شتى وفئات متعددة، ولكل فئة طريقتها وآلياتها وكتبها، وطريقتها في الحوار والاستضافات المعينة، وطريقة التحفيز لها من أجل إتمامها. ومن هذا الباب، ولأننا نؤمن بأنَّ القراءة من أهم الطرق المعرفية لنمو الإنسان، فقد كانت نوادي القراءة من الأشياء الأساسية مُنذ سنوات طويلة، تقريبًا من عام ١٤٣٥هـ حيث أنشأنا أول نادٍ، وبعده تسلسلت الفروع.

والآن ونحن في عام ١٤٤٦، في باحثات نادي قراءة يستهدف الأمهات والمربيات، كما يستهدف المثقفين والمهتمين، وكان تحت مسمى نادي صبغة، ويستهدفُ الهُوية الإسلامية، ونادي للأمهات يستهدف مواضيع تربوية تحت اسم فَنن التربوي. 

– إذا أرادت إحدى الفتيات الانضمام إلى نادي القراءة، ولا سيما بمركز باحثات فثمّة أسباب عديدة تحثها على ذلك، برأيك لماذا تختار باحثات؟ 

في السنوات الثلاث الأخيرة نحن لا نستهدف الفتيات للانضمام إلى نوادي القراءة، لدينا فقط برامج ولا نقيمها في باحثات، ولكن عن طريق شركاء تنفيذين، يستهدفون الفتيات رأسًا، نحن في باحثات نعد أنفسنا بيتًا من بيوت الخبرة، يُصدر كثيرًا من الوثائق والبرامج للسوق المحلي والجهات الشريكة، الفتيات عامةً ستتوجهن إلى شركاء وليس إلى باحثات، “باحثات” سيظهر بصورةِ شريك في البرنامج للشركات المنفّذة.  

– ما هو خط سير مشروع القراءة في “باحثات” عبر مراحل وطرق من البدء وحتى إغلاق المشروع؟

ينطلقُ أي مشروعٍ من التخطيط المناسب. وندرك بصفتنا إداراتِ مشاريع، أنَّ المبادرات الجيدة قد بُذل فيها وقت نوعي، فنوادي القراءة مثلاً عندما نخطط لها:  

نبدأ بتحديدِ الأطر العامة لها (مثل الفئة المستهدفة، والغاية، والأهداف، والمُبررات، والقيمة المضافة، والقضية أو القضايا الموضوعية التي سنخدمها في هذا النادي…) 

وبعد تحديد الأطر الأساسية، نُبحر في ضبطِ المحتوى العلمي للنادي، عن طريق دراسة الحاجات، وسؤال الخبراء، وورش العمل، والاستمارات، فنجمعُ ما يمكن من الأفكار لإنضاج الفكرة الرئيسة، وبعدها نطيلُ العمل في ورش عمل، وجلسات تركيز لخروج النادي بأبهى حلة.  

وفي هذا الإطار، نحنُ حريصون على أن تكون نوادي القراءةِ التابعةُ لـ”باحثات”، ذاتَ أثرٍ عميق أكثر من مجرد قراءة كتاب، حيث نحرص كثيرًا على صُنع أواصرَ اجتماعيةٍ بين المستفيدات، ولدينا فقرة ثابتة نسميها “الخطة الاجتماعية” هدفها توليد العلاقات، وكسر الجمود، وتحقيق الألفة.  

وإذا عدنا لنتحدث عن المحتوى فلدينا معايير في اختيار الكتب، وقد تكون هذه من أصعب مراحل العمل في النادي، حيث تبدأ رحلة البحث عن الكتب إلى ما بعد تحديد الموضوعات والقضايا التي يخدمها النادي، فنضع سمات الفئة المستهدفة نصب أعيننا ونحاول اختيار كتب تناسب الفئة طولًا وقِصَرًا، وسهولةً وصعوبة.  

فنختار لكل فئة ما يناسبها، ونتأكد من وجود الكتب، وسهولة وصول المستفيد إليها، ونحرص في مرحلة جمع الخِيارات على حفظها وتقييمها في صفحة مصنفة وفق الموضوعات، حتى يُستفاد منها لاحقًا.  

كما نسعى جاهدين أثناء التنفيذ وبعد الانطلاق لاختيار المناقش المناسب الذي يثري القراء، كما نحب في النادي فكرة توسيع الأثر ونقل المعرفة، وذلك بمساعدة المستفيدين على تصدير المعارف المكتسبة من النادي.  

ولا يخفى عليكم أثر الصورة والتصميم الجذاب والملائم، لذا نحرص على الإبداع في الهوية الإعلامية لكلّ ناد. 

– هل ثمة معايير لاختيار الكتب القديمة والحديثة؟ 

ربما نختار من كتب التراث أو كتب المتقدمين أو العلماء، أو نختار كتابًا حديثًا يجمع ما بين المتقدمين والواقع المعاصر، وهذا يكون على حسب اختيارنا للموضوع وتحريرنا لموضوعات النادي، ونحن حينما نحرر ذلك نضع لكل محور هدفًا، فعندما أقول لها أريدها أن تفهم عن موضوع اضطراب الهويات اليوم أو تصادم الهويات اليوم، فإنني أقول ما الهدف الذي أود أن يخرج به المستفيد؟ وسيقرأ كتابًا مكونًا من ٥٠ صفحة أو ١٠٠ أو ٢٠٠، فكل شخص من الناس سيستفيد من زاوية مختلفة عن شخص آخر، لأن مدخلاتنا مختلفة، ومن ثَمّ إفادتنا مختلفة، ونرجع لنقول ما الهدف الذي يود أن يكتسبه فلان؟ أحيانًا يكون أمرًا تأصيليًّا، فعندما أريد أن يكون الهدف تأصيلًا لقضية ما أو معرفة ما، فأنا أحرص أن تكون الكتب المقروءة من كتب المتقدمين، أما عندما يكون الكتاب مواكبًا لأحداث العصر والواقع لكي نعرف إلى أين يتجه المجتمع؟ فسأختار كتابًا معاصرًا، أما عندما أتكلم مثلًا عن النسوية، أو الشذوذ، أو الجندر، أو الإجهاض، فسأختار مجموعة المركز المتمثلة في المصطلحات الثقافية، وهي قطعًا كتب معاصرة. لكن عندما أود الحديث عن تأصيل شرعي، أو تأصيل لحقوق المرأة، أو تأصيل لقضايا نسائية، أو الفرق بين الذكر والأنثى، فسأختار كتابًا تأصيليًّا من كتب المتقدمين، وأحيانًا نقدم بعد ذلك الفقرات الاستثنائية للنادي مثل الكبسولات، أو نتصل بالكاتب إذا استطعنا ذلك، أو تحرير لسريرة هذا العلم وقصته، بحيث لا يشترط في هذه القارئة أن تكون قد بحثت كثيرًا، لأنَّ هناك عددًا كبيرًا من القراء الذين يأتوننا مشغولين، فهي قرأت وأتت، لذا أقول لها كيف أعطيها خلاصة المعرفة؛ وهذه قيمة مضافة لأنني أعطيكِ خلاصة الخلاصة التي تحتاج إلى بحث لكي تصلي لها. كما نحرص على تطعيم النادي بهذه القيم المختلفة والنقاط المضافة التي تُعطي المستفيد زاوية أكثر اتساعًا من مجرد قراءة كتاب، إضافة إلى النقاش حول الكتاب، فهذه فكرة المتقدمين أو الكتب القديمة أو الحديثة، وذلك بحسب المحور الأساسي الأعلى في جدولة النادي.

– ماهي التفاصيل التي تُحيط بهذهِ اللّقاءات والمُناقشات؟

نستطيع القول القلوب في عيون المستفيدين، والسَّعادة التي تأتيك مقبلة بشغف لقراءة الكتاب، ومتحمسة لإعداد الكتب على الطاولات، وعدد الحضور، والديكور، ورائحة القهوة العربية إلى حدٍّ ما! ويا سلام على القراءة في مكتبة باحثات في هذا الجو مع الديكور ورائحة البخور، إذ تصير هذه الأمور تفاصيل فارقة، كما يصبح الحضور فارقًا، أضيفي إلى ذلك، نوعية المستفيدين من باحثات، الحمد لله نحن في تزايد على صعيد مستفيدي باحثات وعملائها، إنهم أناس مختلفون حقيقةً، لأن أول من نشأ نشأةً خاصةً، كان يركز على مستوى عالٍ، فلما توسع ونزل إلى طبقات أوسع في المجتمع، أصبح بحمد الله ذا سمعة، ووصل إلى الأثر البالغ، وخاصةً أن باحثات قد اكتسبت قوتها من الجانب العلمي، فأصبحنا كلما قدمنا أي برنامج، على ثقة تامة بأن القوة العلمية موجودة، أضيفي إلى ذلك أنّنا نهتم جدًّا بالقوالب والعملاء والتواصل مع كل فرد مسجل أو نحتاج لأن نصل إليه، سواء حضر أو لم يحضر، وإذا غاب بعضهم نتفقدهم، فهذه من القيم الفارقة في باحثات. كما أن لدينا اهتمامًا بالناس الذين وصلوا إلينا أو أحبوا الانضمام لنا، سواء في القرائية أو غيرها، فهذا جانب من التفاصيل التي تحيط بالسعادة في نوادي باحثات.

– ما استدامة مشاريع القراءة في باحثات؟

في نادي فنن مثلًا وهو بالمناسبة يستهدف الأمهات، وبوصفه ناديًا للقراءة فقد ابتدأ بمبادرة فردية، من نادٍ في البيت، إلى الوصول اليوم في الموسم الخامس إلى سبع مناطق في المملكة. فقد كان بين مجموعة من الصديقات في المنزل، ثم تبنت باحثات الفكرة، وصنعت الوثيقة ودعمتها في النسخة الأولى من قِبل السبيعي الخيرية، جزاهم الله عنّا خير الجزاء، في الرياض، والثانية في الرياض، وفي الثالثة أردنا التوسع، في الرَابعة أيضًا توسعنا، وفي النسخة الخامسة في سبع مناطق حضوريًّا وعن بُعد أيضًا.

فتلك هي الاستدامة، ونحن سعداء وفخورون بأننا أنشأنا النادي وصدرناه إلى الجمهور في مناطق متعددة من أنحاء مملكتنا، فحتى لو قررنا في باحثات أن نتوقف في أي ظرف ما عن أن يكون نادي فنن في باحثات، فإننا نستطيع مع الشركاء أن يكون في القصيم ومكة وجدة وأبها، فالشرقية وجازان، ونسأل الله البركة والسداد، وهذا الشكل المستدام. ونحن نؤمن حقيقةً بالشراكة ابتداءً، لكونها أحد أهم الأسباب المؤثرة في استدامة المشاريع، فعامةً وكما تعلمين نحن لا نصنع الوثيقة في القطاع الخيري لكي تكون ربحًا شخصيًّا أو مزايدة، ولكن حتى ينتشر الأثر ويعم النفع، فالوصول إلى هذا الحد من النفع وتمكين الجهات من إقامة المشروع، بحيث لا يتبقى ولا يكون لديهم أي عبء على تكراره، ويتشربون المشروع ويتبنونه، فهذا في حد ذاته بحمد الله نظن أنه جزء مهم من الاستدامة.

ختامًا: فكلّ الشكر لكم في نديم، وأسأل الله أن يبارك لكم في جهودكم ويتقبلها بقبول حسن، شكرًا لاختياركم باحثات، نتمنى أن نكون عند حسن الظن دائمًا.

شارك الصفحة
المزيد من الحوارات
حوار مع جمعية كون النسائية
حوار مع شركة أوقاف مركز باحثات
حوار مع د.أحمد العدوي