Author name: nadiim

لا يكفي أبدًا: عندما تصبح ثقافة الإنجاز سامة

Picture of كتابة: جينيفر بريهيني.
كتابة: جينيفر بريهيني.

ترجمة: يارا عمار

جينيفر بريهيني والاس صحفية حائزة على جوائز في الصحافة المطبوعة والمرئية، ومساهمة منتظمة في صحيفتَي وول ستريت جورنال وواشنطن بوست. بدأت حياتها المهنية ببرنامج “60 Minutes” على قناة CBS، وكانت ضمن فريق نال جائزة روبرت ف. كينيدي للتميز في الصحافة. كما أنها عضو في مجلس إدارة منظمة الائتلاف من أجل المشردين في مدينة نيويورك.

تستعرض جينيفر في هذه المقالة خمس أفكار رئيسية من كتابها الجديد “لا يكفي أبدًا: عندما تصبح ثقافة الإنجاز سامة – وماذا يسعنا فعله حيال ذلك”.

  1. عدم شعور المرء بأهميته أصلٌ لكثير من المعاناة

تتصدر الصحة النفسية للأطفال قائمة مخاوف الآباء. إن القلق والوحدة والاكتئاب وباء مدمر ينتشر بين الشباب في وقتنا الحالي، لدرجة أنه دفع طبيب الجراحة العامة (فيفيك مورثي) إلى إصدار تحذير صحي عام بخصوص هذا الموضوع. لاحظ مورثي أن صحة الشباب النفسية تتأثر بعوامل كثيرة، بدءً من التركيب الجيني إلى القوى الاجتماعية الأكبر، مثل الرسائل الثقافية التي تُضعف الشعور بالقيمة الذاتية- بغرس شعور لدى الشباب بأن شكلهم ليس حسنًا بما فيه الكفاية، أو أنهم ليسوا مشهورين بما فيه الكافية، أو ليسوا أذكياء بما فيه الكفاية، أو ليسوا أغنياء بما فيه الكفاية.

وفي صميم هذا الشعور “بعدم الكفاية” يأتي ما يسميه علماء النفس بالحاجة إلى الشعور بالأهمية، أي الاعتقاد الشخصي بأن قيمتنا تكمن في جوهرنا، بعيدًا عن أي إنجازات خارجية. أظهرت الأبحاث المتزايدة منذ ثمانينيات القرن الماضي أنّ الأشخاص الذين يتمتعون بمستوى عال من الشعور بالأهمية -يشعرون بقيمتهم وأن الآخرين يعتمدون عليهم لإضفاء قيمة على حياتهم- هم الأكثر عرضة للازدهار في مرحلتَي المراهقة والبلوغ. لكننا اليوم نواجه عجزًا في الشعور بالأهمية داخل الأسر المعيشية والمدارس وأماكن العمل والمجتمعات بأكملها. إلا أنّ الجانب الإيجابي هو أن الشعور بالأهمية يعد أساسًا قويًا لحماية صحة الشباب النفسية.

إن مفهوم الأهمية بسيط بقدر ما هو عميق، فهو يطرح أسئلة تشغل الجميع: هل الناس يشعرون بقيمتي ويقدّرونني ويحترمونني، أم أنني غير مرئي؟ هل أنتمي إلى هذا العالم، أم أنني وحيد فيه؟ هل حياتي مؤثرة في حياة الآخرين، أم أنّها عديمة الأهمية؟

يعبر مفهوم الأهمية عن الحاجة العميقة والعالمية لأن نشعر بأن مَن حولنا يروننا ويهتمون بنا ويقدروننا. إنّ الشعور بأهميتك الذاتية قوةٌ أساسية ودرع تحميك من الضغوطات الخارجية.

  1. علينا أن نساعد الأطفال على الفصل بين قيمتهم الذاتية وإنجازاتهم لكي يشعروا بأهميتهم

سعيت في البحث عن الأشخاص المجتهدين والصحيين لمعرفة القاسم المشترك بينهم: ما الذي ركز عليه آباؤهم في المنزل؟ كيف كانت طريقة تفكيرهم وسلوكياتهم وعلاقاتهم؟ اتضح أنهم جميعًا كانوا يشعرون بأهميتهم داخل أُسرهم ومدارسهم ومجتمعاتهم الأوسع. إننا في عالم يجعلنا نشعر بالنقص دائمًا، والشعور بالأهمية يطمئننا بأن قيمتنا تكمن في ذواتنا، بغض النظر عما نفعله.

وللتوضيح: الأهمية لا تتعارض مع الأداء، بل تعد وقودًا له. فعندما نشعر بأهميتنا نميل إلى المشاركة بشكل إيجابي وصحي في أُسرنا ومدارسنا ومجتمعاتنا. لا يكفي أن نحب أطفالنا حبًا غير مشروط، بل يجب أن يشعروا بذلك. يجب أن يعلموا أنّ أهميتهم وقيمتهم ليست موضع نقاش أبدًا.

أخبرني أحد الآباء الحكماء بطريقة لتوضيح فكرة الحب غير المشروط والأهمية: أخرج ورقة نقدية من محفظتك واسأل طفلك إن كان يريدها. ثم جعّدها وارمها على الأرض، ثم اغمرها في كوب من الماء، ثم أمسك هذه الورقة المجعدة والمبللة واسأل طفلك “هل ما زلت تريدها؟”. بعد ذلك قل له بوضوح: إنّ قيمتك لا تتغير مثل هذه الورقة النقدية، سواء استُبعدتَ من الفريق أو حصلت على درجة سيئة أو شعرت أنّ صديقًا لا يقبلك. قيمتك هي قيمتك، ثابتة لا تتغير أبدًا.

  1. مساعدة الطفل تبدأ بمساعدة مَن يعتني به

في الماضي، ركز علماء النفس المهتمون بمساعدة الأطفال المتعثرين على تدخلات معينة: مثل وضع قيود صارمة لكن معقولة، أو الحنوّ على الطفل دون تدخل، أو تقديم ملاحظات صادقة دون انتقاد. لكن تبيّن أنّ التأثير الأكبر على الطفل لا يأتي من قائمة الأوامر والنواهي، بل أهم شيء أن يكون البالغون في حياة الطفل أسوياء نفسيًا، ولديهم مصادر دعم قوية وموثوقة. يقول علماء النفس إن هذا التوجيه قلب تطور الطفل رأسًا على عقب، فصارت مساعدة الطفل تبدأ بمساعدة مَن يعتني به.

إن الآباء هم “المستجيبون الأوائل” للصعوبات التي يواجهها أطفالهم، والاهتمام المستمر بمشاعرهم المتقلبة والضغوطات الاجتماعية والأكاديمية يمكن أن يحدث أثرًا سلبيًا. كل الطرق التي تعرّضنا لضغوط مفرطة -المواعيد النهائية للعمل، الأعباء المالية، تلبية كل احتياجات أطفالنا- يمكن أن تُضعف قدرتنا على أن نكون آباء حساسين ومتجاوبين، وتجعلنا أقل تفهمًا للإشارات العاطفية لأبنائنا. الخطر هنا هو أن أطفالنا يمكن أن يسيئوا تفسير الإجهاد الذي نشعر به وعدم صبرنا، فيعتقدون أن المشكلة تكمن فيهم. لاحظ الباحثون أنّ عدم شعور الفرد بأهميته ينبع غالبًا من الأفعال الصغيرة التي تتراكم يوميًا.

لا يحتاج الأطفال آباءً يبالغون في التضحية الذاتية، بل يحتاجون آباء لديهم رؤية متوازنة لثقافة الإنجاز المشحونة المحيطة بهم. إنهم بحاجة إلى آباء يتمتعون بالحكمة والطاقة والسعة النفسية لتحدي القيم غير الصحية لثقافة الإنجاز. قد يبدو الأمر غير منطقي، لكن الحقيقة أننا يجب أن نعتني بأنفسنا أولًا حتى نعتني بأطفالنا، لأن مرونة الطفل تعتمد على مرونة من يقوم على أمره.

  1. المرونة تعتمد على العلاقات

ليس مفتاح المرونة هو “الوقت الشخصي” الذي يروّجه مجال العناية بالنفس بمليارات الدولارات للآباء المتعبين. بل وجدت الأبحاث أن المرونة تعتمد على قوة علاقاتنا: هل لدينا علاقات ثرية تجعلنا نشعر بالحب والاهتمام والرعاية، كما نحاول مع أطفالنا؟

كما أنّ مرونة الطفل تعتمد على مرونة أبويه، كذلك مرونة الأبوين تعتمد على عُمق علاقاتهم والدعم الذي يحصلون عليه منها. إن الصداقات العميقة بمثابة ممتصات للصدمات، حيث تساعد في تخفيف الضغوطات اليومية، وتقليل القلق، وتنظيم المشاعر. لكن في عصرنا الحديث المزدحم لا يجد الآباء غالبًا الوقت أو القدرة العاطفية لتعميق روابط الصداقة وحميميتها. يكاد يكون محالًا أن تلتقي بصديق لتناول القهوة سويًا أو للحديث عن مخاوفك بسبب المتطلبات الكثيرة للأبوّة- كمساعدة الأطفال في أداء الواجبات المنزلية أو طهي الطعام أو مراقبة وقت الشاشة.

وجد الباحثون أنّ الناس لا يحتاجون إلى قضاء ساعاتٍ سويًا لبناء صداقات أصيلة، بل يحتاجون إلى وقت مخصص ورغبة في الانفتاح. انظر إلى مدى دقة التخطيط في جدول أسرتك، سواء في ترتيب وقت للعب أو موعد لطبيب أسنان طفلك. ماذا لو أعطيت نفس هذا القدر من الاهتمام للصداقات التي تدعمك؟ غالبًا ما يفترض الناس أن الصداقات تحدث تلقائيًا، وهذ الاعتقاد الخاطئ يُثنينا عن السعي لإقامة علاقات عميقة ورعايتها.

  1. نحن جميعًا نبحث عن دليل اجتماعي يثبت أهميتنا

يميل الآباء إلى التركيز على يُقال إنه الهدف النهائي: تنشئة أطفال مستقلين ومعتمدين على أنفسهم. تعزيز الاستقلالية أمر مهم بلا شك، لكن هناك درس أهم يجب أن نعلمه أطفالنا إن كنا نرغب في حماية صحتهم النفسية: وهو الاعتمادية المتبادلة، أي كيفية الاعتماد على الآخرين واعتماد الآخرين عليهم بطرق صحية. يدرك الآباء الذين يعلّمون أطفالهم مهارات الاعتمادية المتبادلة قدرَ الشجاعة اللازمة لطلب الدعم وقبوله. إنهم يدربون أطفالهم على دورة الكرم: كما أن مساعدة الآخرين مهمة، كذلك علينا أن نكون مستعدين لمرور بأوقات ضعف وقبول هذا الدعم. الاعتمادية المتبادلة توفر للأطفال فرصًا لإشباع الشعور بأهميتهموتقدير أهمية الآخرين.   

كثير من الناس ليس لديهم إحساس قوي بأهميتهم، فيشككون فيها وفي وقيمتهم، وهذا ينعكس على سلوكهم ويظهر في صور عدة، كالمنافسة الشديدة والتصرفات غير اللائقة والغضب. لا يمكن أن نشعر بأهميتنا إلا من خلال علاقاتنا مع الآخرين. من السهل للغاية أن نغفل عن أهميتنا، ولذلك نحتاج إلى مَن يخبرنا ويذكّرنا ويؤكد لنا قيمتنا الجوهرية، ويحتاج الآخرون أيضًا إلينا لتذكيرهم بأهميتهم. تخيل كيف سيكون العالم إن أدرك الناس أنهم ذوي أهمية حقيقية وعميقة ومؤكدة لأسرهم وأصدقائهم ومجتمعاتهم؟ الأمر في متناول أيدينا، لا نحتاج سوى الشجاعة للاعتراف بأهميتنا وتأكيد أهمية الآخرين في حياتنا.

المصدر

 

شارك الصفحة

لا يكفي أبدًا: عندما تصبح ثقافة الإنجاز سامة قراءة المزيد »

مراجعة لكتاب: التاريخ العجيب للقلب

Picture of طارق اليزيدي
طارق اليزيدي

مشرف على مبادرات قرائية

يأتي كتاب “التاريخ العجيب للقلب” للطبيب والباحث فنسنت إم. فيغيريدو (Vincent M. Figueredo) ليسدّ فجوة مهمة في دراسة تاريخ الطب من منظور يجمع بين الدقة العلمية والعمق الثقافي.

الكتاب يقع في 393 صفحة وترجمه إلى العربية الدكتور مدى شريقي وطُبع في دار صفحة سبعة للنشر والتوزيع عام 2023.

يتميّز المؤلف فنسنت إم. فيغيريدو بخلفيّته الطبية المتخصّصة في أمراض القلب، إلى جانب اهتمامه بتاريخ العلوم، مما مكّنه من بناء نص شامل يستعرض التحولات الجوهرية في فهم البشرية لهذا العضو المركزي، بدءاً من تصوّرات الحضارات القديمة ووصولاً إلى أحدث المنجزات الطبية والجراحية. لا ينحصر الكتاب في مسار سردي تقليدي، بل يقدّم رؤية بانورامية تتداخل فيها المعاني الرمزية والثقافية بالقوانين الفسيولوجية، في محاولة لتفكيك التصوّر الثنائي التقليدي للقلب: فهو ليس فقط مضخّة للدم، بل أيضاً مركزاً رمزياً للمشاعر والهوية الروحية. بهذا، يحقق المؤلف توازناً نادراً بين المنهج التاريخي الدقيق والتحليل العلمي الرصين والرؤية الإنسانية الشاملة.

منذ الصفحات الأولى، يدرك القارئ أنّ هدف فيغيريدو لا يقتصر على توثيق الحقائق الطبية، بل يسعى إلى تقديم مقاربة متعددة الأبعاد لفهم القلب. يراعي المؤلف المنهج العلمي عبر الاستناد إلى مصادر موثوقة، سواء كانت نصوصاً طبية قديمة، أو سجلات تشريح، أو أبحاثاً حديثة في مجال علم القلب، ليضعها جنباً إلى جنب مع أعمال أدبية وفنية ودينية تناولت القلب بوصفه مستودعاً للمشاعر وأيقونة للحب أو موطناً للضمير الأخلاقي. هذه الازدواجية في التعاطي مع الموضوع تمثل نقطة قوة الكتاب: فهو يقود القارئ في رحلة زمنية طويلة، تبدأ من الرؤى الأسطورية التي ارتبطت بالقلب كجوهر للحياة، وتمرّ بالتطبيقات العلمية الأولى التي سعت لفهم تركيبه ووظيفته، وتنتهي بالعصر الحديث الذي يشهد تطوّراً هائلاً في التقنيات التشخيصية والجراحات المعقدة وزراعة القلب والأعضاء الصناعية. بهذه الصورة الشاملة، يرسم الكتاب خريطة معرفية تربط بين منجزات العقل البشري وتصوراته الروحية، لتقديم قراءة متكاملة للتاريخ العجيب للقلب.

 

الجذور التاريخية والتمثلات البدائية للقلب في الحضارات القديمة

ينطلق المؤلف من أقدم النصوص المكتوبة وأقدم الشواهد الأثرية للكشف عن مكانة القلب في وعي الإنسان البدائي. قبل اكتشاف مبادئ التشريح التجريبي، اعتمدت الحضارات القديمة على الملاحظة المباشرة وربطت نبض القلب وسرعة خفقانه بعناصر الحياة والموت. ففي حضارة وادي النيل، حمل القلب بُعداً دينياً وأخلاقياً محورياً، إذ اعتُبر موضعاً للضمير ومركزاً لتقييم أعمال الإنسان بعد مماته. في هذه النصوص، نرى أنّ المصريين القدماء تعاملوا مع القلب باعتباره جوهر الهوية البشرية، يتلقى الحساب في العالم الآخر، ويزن أمام ريشة الإلهة ماعت. وفي حضارة وادي الرافدين، اقترنت نبضات القلب بالقوى الخفية التي تحرك الكون، فيما انعكست في المنظومات الفلسفية القديمة في الهند والصين رؤى مختلفة تربط القلب بمنظومة الطاقة الداخلية (Qi) أو البرانا، مع اعتبار القلب نقطة التقاء المسارات الحيوية، مما أكسبه بعداً كوزمولوجياً وصحياً يتجاوز مجرد كونه عضواً تشريحياً.

أما في الحضارة الإغريقية، فقد كانت المعرفة الطبية لا تزال تتشكل تحت تأثير الفلسفة، فاعتمد أرسطو على التأمل المنطقي في وصف القلب كمركز الفكر والإدراك. وهنا يبيّن المؤلف كيف ساد الاعتقاد بأن القلب منشأ المشاعر والأحاسيس، وأن الدم يحمل “النفس” التي تمنح الحياة للأعضاء الأخرى. رغم بدائية هذه الأفكار من منظورنا المعاصر، فإنها وضعت اللبنة الأولى لإدراك أهمية القلب ودوره الحيوي. وعندما ننتقل إلى الحضارات القديمة في الأمريكيتين، كحضارة الأزتك والمايا، نكتشف حضوراً طقسياً للقلب في الاحتفالات الدينية والتضحيات البشرية، إذ اعتُبر القلب ذبيحة مقدّمة للآلهة، في سياق تصورات كونية معقدة رأت في الدم قوةً لاستمرار دورة الحياة. كل هذه الشهادات التاريخية المبكرة، التي يجمعها الكتاب، تكشف عن تفاعل الإنسان مع القلب بوصفه لغزاً يتخطى المحدوديات المعرفية، وتشكّل إرثاً فكرياً وثقافياً يمهد للمنهجية التشريحية والتجريبية التي ستأتي لاحقاً.

 

من التنظير الفلسفي إلى التجريب التشريحي – التحولات المعرفية بين العصور الوسطى والنهضة

مع دخول البشرية حقبة جديدة تتسم بظهور الحضارات الإسلامية وازدهار الترجمة والعلم في بلاد العرب، بدأ الأطباء والمفكّرون في مراجعة الأفكار الإغريقية والرومانية القديمة ونقدها. هنا يبرز دور العلماء المسلمين الذين استفادوا من إرث جالينوس وأرسطو، ولكنهم لم يكتفوا بمجرّد النقل، بل أضافوا تصويبات مهمة. يأتي اسم الطبيب والفقيه ابن النفيس في مقدمة هؤلاء، إذ اكتشف الدورة الدموية الصغرى (الرئوية) في القرن الثالث عشر، كاشفاً عن مسار الدم بين القلب والرئتين، وممهّداً الطريق لفهم أفضل لطبيعة القلب بوصفه مضخّة فعّالة تعمل وفق نظام دقيق. لم تكن هذه الرؤية نتيجة حدس مجرّد، بل استندت إلى تشريح منهجي ودراسات مقارنة سمحت بتشكيل تصوّر أكثر واقعية لدور القلب في ضخّ الدم.

ومع انتقالنا إلى أوروبا في عصر النهضة، تتبلور معالم ثورة طبية وفلسفية: اتسعت آفاق المعرفة بفضل إعادة اكتشاف النصوص الكلاسيكية وتطوير أدوات جديدة للتشريح. وهنا يسطع نجم ويليام هارفي (القرن السابع عشر)، الذي قدّم للعالم اكتشاف الدورة الدموية الكبرى، وأثبت عملياً أنّ القلب ليس مخزناً للحرارة أو للعواطف، بل مضخة قوية تضخّ الدم باستمرار في الشرايين والأوردة في حلقة متكاملة. بهذا الاكتشاف، اهتزّت قناعات طبية عمرها قرون، وفتح الباب أمام المنهج التجريبي ليحلّ مكان التنظير الفلسفي. يشير المؤلف إلى مدى صعوبة هذه القفزة المعرفية، إذ اصطدمت في بدايتها بعوائق اجتماعية ودينية، لكن بفضل الإصرار على الدليل التجريبي، وإقامة جلسات التشريح العلني، واختراع المجاهر، بدأت تتضح الملامح التفصيلية لأجزاء القلب الداخلية، من صمامات وبطينات وأذينات. احتاجت البشرية قروناً لتتجاوز التصورات الأسطورية، لكن الدقة العلمية التي أرسيت في هذه الفترة مكّنت من صياغة فهم حديث لوظيفة القلب، وأسهمت في بناء أساس متين للطب الحديث. وعبر هذه المسيرة، يتجلّى للقارئ كيف أنّ تراكم المعرفة الطبية حول القلب كان نتاج توتر دائم بين المعارف السابقة والمنهج التجريبي الجديد، وبين التقاليد الراسخة والابتكار العلمي الجريء.

 

أبعاد رمزية وثقافية – القلب بين الدين والفن والفلسفة

لا يكتفي المؤلف بسرد حقائق علمية، بل يفتح الباب أمام القرّاء لاستكشاف المعاني الرمزية التي التصقت بالقلب عبر القرون. ففي الأديان الكبرى، اكتسب القلب مكانة مقدسة، كما في المسيحية التي حظي فيها “القلب المقدّس” بأهمية روحية وأيقونية، وفي التصوف الإسلامي حيث رُفع القلب إلى مصاف المركز الروحي الذي يشرق بنور الإيمان ويمتاز بالقرب من الله. هذا البعد الروحي الديني يبرز دور القلب في نظام القيم الأخلاقية، حيث تُنسب إليه القدرة على التمييز بين الخير والشر، وأصبح الحَكم الخفيّ على أفعال الإنسان ونواياه.

من جهة أخرى، كان للأدب والفن نصيب وافر في صياغة صورة القلب. فالشعراء والمسرحيون والروائيون استخدموا القلب كاستعارة للتعبير عن الحب والحنين والرغبات الجامحة، وصوّروه في مختلف الحالات الشعورية، من الشوق إلى الفقدان. كذلك خَلَق الفنانون التشكيليون، عبر القرون، أعمالاً فنيّة صوّرت القلب بأشكال رمزية، بدءاً من الرسوم الدينية في القرون الوسطى، ووصولاً إلى فناني عصر النهضة الذين اهتموا بالتشريح الدقيق في لوحاتهم، ثم الحركات الفنية الحديثة التي استلهمت شكل القلب المجرّد من حقيقته التشريحية لتصنع رموزاً عالمية للحب والرومانسية. ويشير المؤلف إلى انتشار الرمز الشكلي للقلب، ذلك الشكل الذي يأخذ هيئة منحنيات علوية وقمة مدببة سفلية، والذي بات أيقونة عالمية تتخطى الثقافات، على الرغم من كونه بعيداً عن الشكل التشريحي الحقيقي للقلب. هذا التحوّل الرمزي يعكس قدرة الإنسان على تحويل الحقائق التشريحية إلى أيقونات فنية وفكرية، ويؤكد أنّ تاريخ القلب ليس فقط تاريخ تقدّم علمي، بل أيضاً مسار اجتماعي وثقافي غني بالتفاعلات والتأويلات.

وفي الفلسفة، يستعرض الكتاب جدلية توزيع الوظائف بين العقل والقلب. فعلى مرّ التاريخ، تنازعت الأفكار حول إن كان القلب مصدراً للمشاعر فحسب، أم أنه موضع الإدراك والحكمة. ومن خلال تتبّع آراء الفلاسفة، من أرسطو الذي اعتبر القلب مركز الفكر إلى ديكارت الذي وضع العقل في الدماغ، يظهر الكتاب كيف تأثر فهم القلب بالمناخ الفلسفي والروحي، وكيف تباينت الآراء باختلاف الأنماط الثقافية والحقب الزمنية. بهذا يرسم المؤلف لوحة شاملة تُظهر أنّ القلب لم يكن مجرد عضلة، بل مرآة تنعكس عليها تصورات الإنسان عن ذاته وعن الكون من حوله.

إنجازات الطب الحديث وآفاق المستقبل

بعد استعراض التطورات التاريخية والثقافية، يتجه الكتاب إلى تناول مرحلة التحولات الجذرية في فهم القلب منذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم. يستعرض المؤلف كيفية إسهام اختراع السماعة الطبية (الستيتوسكوب) وأجهزة تخطيط القلب الكهربائي (ECG) وتقنيات التصوير الحديثة (مثل الأشعة السينية، والأشعة المقطعية، والتصوير بالرنين المغناطيسي، وتصوير الأوعية) في تمكين الأطباء من فهم أدق لوظائف القلب وحالاته المرضية. كما يسلّط الضوء على التجارب السريرية التي ساعدت في تطوير عقاقير جديدة وتحسين معايير التشخيص والعلاج.

يخصّص الكتاب مساحة لمناقشة التطوّر الهائل في جراحات القلب، بدءاً من العمليات الجراحية الطفيفة وصولاً إلى جراحات القلب المفتوح، وزرع القلب، والاستعانة بأجهزة مساعدة الدورة الدموية. كما يتوقف عند تطور علم الجينات القلبية والبحوث التي تستكشف الخلفية الوراثية لاعتلالات العضلة القلبية، ما يفتح المجال أمام طب شخصي يضع المريض في بؤرة الاهتمام. لا يغفل المؤلف ذكر التحديات الحاضرة والمستقبلية، مثل ازدياد معدلات أمراض القلب الناتجة عن أنماط الحياة غير الصحية، وانتشار عوامل الخطر كالسمنة والتدخين وداء السكري. كما يناقش الآفاق المستقبلية، مثل تطوير قلوب صناعية أكثر كفاءة، والاستفادة من الخلايا الجذعية في إصلاح أنسجة القلب التالفة، واستخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين التشخيص المبكر وتحديد مخاطر المرض.

إنّ عرض هذه الإنجازات الطبية الحديثة في سياق تاريخي يبرز القيمة المعرفية للكتاب، إذ يبيّن للقارئ أنّ الانجازات التكنولوجية والطبية الحالية لم تنبثق من فراغ، بل كانت ثمرة قرون من الجهد، والاستقصاء، والنقد، والتجريب. هذا الربط المتين بين الماضي والحاضر يجعل الكتاب دليلاً مفيداً لفهم طبيعة التقدم العلمي، وأن التطوّر في فهم القلب لا ينفصل عن التطوّر الإنساني برمّته. بهذا، يضيف المؤلف بُعداً مستقبلياً للقلب، حيث يقدّم تصوراً عن إمكانات العلم في رسم معالم فهم أكثر عمقاً لهذه المضخّة الحيوية، ويشجّع القرّاء على التفكير في الخطوات القادمة نحو مزيد من الاكتشافات والإنجازات.

 

الخلاصة والتقييم النقدي للكتاب

يمثّل “التاريخ العجيب للقلب” عملاً يجمع بين الغزارة المعرفية والاتساع التاريخي، ويقدّم طرحاً متكاملاً لمسيرة فهم القلب عبر مختلف الأزمنة والفضاءات الثقافية. يمتاز الكتاب بأسلوب علمي صارم في توثيق الحقائق والمعلومات، مدعوماً بشبكة من المراجع الموثوقة، مما يمنحه طابعاً أكاديمياً متيناً. في الوقت نفسه، لا يتخلّى المؤلف عن النزعة السردية التي تجعل النص ممتعاً وشيقاً، إذ يروي الأحداث والمكتشفات بلغة مفهومة، ويعرض شخصية العلماء والأطباء بصورة حية. هذه الثنائية في الأسلوب، بين الدقة البحثية والجاذبية الأدبية، تزيد من قيمة الكتاب بوصفه جسراً بين المختصين والقرّاء المهتمين بالشؤون العلمية والثقافية.

من الناحية النقدية، قد يشعر بعض القرّاء بأن المؤلف منح بعض الحقب التاريخية اهتماماً أكبر من غيرها، أو أنّه مرّ سريعاً على بعض التفاصيل التشريحية المعقدة. لكن يمكن تفهّم هذه الانتقائية في ضوء اتساع الموضوع وتشعّبه. كما قد يثير التساؤل مدى اعتماد المؤلف على مصادر ثانوية أحياناً، إلا أنّ هذا أمر معتاد في الدراسات التاريخية واسعة النطاق. إذا كان ثمة ملاحظة، فقد تتعلّق بعدم التعمّق في بعض الجوانب الفلسفية أو عدم إبراز الاختلافات في الرأي بين المؤرخين والأطباء حول قضايا معيّنة، ولكنّ هذه تبقى ملاحظات طفيفة في مقابل الجهد المبذول.

يحسن بالقارئ الذي يبحث عن فهم شامل للعلاقة بين الطب والثقافة والتاريخ أن يقتني هذا الكتاب. فهو لا يكتفي بعرض المسار العلمي لفهم القلب، بل يُظهر أهمية النظر إلى العلم في سياق حضاري أوسع. ويُقدّم دروساً حول كيفية نمو المعرفة الإنسانية في بيئات متقاطعة، سواء كانت دينية أو فلسفية أو فنية. إنّ “التاريخ العجيب للقلب” يذكّرنا بأن العلم لا ينمو في فراغ، بل يتفاعل مع المناخ الفكري والاجتماعي والقيمي، وأنّ معرفتنا بالجسد مرتبطة بفهمنا للإنسانية ككل. باختصار، هو عمل موسوعي يعيد للقارئ الاعتبار في النظر إلى الطب كتجربة إنسانية معقّدة، يصعب اختزالها في مختبرات التعقيم والأدوات الجراحية وحدها. إن هذا الكتاب إضافة مهمة للمكتبة العربية والعالمية، إذ يُثري النقاش حول القلب بوصفه موضوعاً طبياً عريقاً، ورمزاً إنسانياً متعدد الأبعاد، وجدير بأن يُقرأ بعين فاحصة وعقل منفتح.

شارك الصفحة

مراجعة لكتاب: التاريخ العجيب للقلب قراءة المزيد »

نهاية القراءة

pexels-jakubzerdzicki-29711758

يستضيف برنامج الكتابة الخاص بي ندوة صيفية كل عام، يقدم فيهام أعضاء هيئة التدريس استراتيجيات تعليمية حديثة (مثال: التصحيح بدون درجات، وكيفية تطبيق هذا الأسلوب؟)ويتبادلون الأفكار حول المشكلات المستجدة (مثال: كيفية إدارة استخدام الطلاب ChatGPT  في الكتابة الجامعية.) وفي هذا العام قدمتُ بالتعاون مع أحد الزملاء عرضًا يتناول مشكلةً كبيرة ومتنامية تتعلق بتدريس الكتابة للجيل الحالي من الطلاب الجامعيين: ألا وهي عدم القراءة.  

من عادتي أن أبدأ محاضرات الكتابة التي أقدمها للمستجدين بالتعرف على طلابي (القاعات صغيرة، مما يشجع على النقاش). أسألهم مَن يحب الكتابة ومن لا يحبها، وما هي عاداتهم ومهاراتهم في الكتابة، وكيف كانت تجربتهم الكتابية في المرحلة الثانوية، وغير ذلك.

كما أطرح عليهم هذا السؤال: ما هي أفضل طريقة لتحسين الكتابة؟ وتأتيني نفس الإجابة دائمًا: الإكثار من الكتابة، فأقول إن هذه هي ثاني أفضل طريقة. أفضل طريقة لتحسين الكتابة هي الإكثار من القراءة. لا يروقهم هذا الكلام، فأسمع منهم عبارات مثل “لم أقرأ كتابًا منذ عشر سنوات!” أو “لم أقرأ كتابًا مذ كنت في الصف السادس!” أو حتى “لم أقرأ كتابًا قط.”

هذا أمر لا يصدق! كيف يتخرج شخص من المدرسة الثانوية ويُقبل بالجامعة دون أن يقرأ كتابًا منذ سنوات (أو في حياته)؟ لدي بعض النظريات المدعومة بالبحوث الأخيرة (انظر المراجع أدناه)[1]:

  1. التكنولوجيا: نشأ الجيل زد (الذين هم في الجامعة الآن) مع جوجل والهواتف الخلوية ووسائل التواصل الاجتماعي، وكلها توفر معلومات سهلة وسريعة لا تتطلب جهدًا إدراكيًا مقارنة بالمقالات المطولة والكتب.
  2. الاختبارات الموحدة: يُدرَّب طلاب المرحلة الثانوية على فحص فقرات منفصلة وتحديد فكرتها الرئيسية، وهي مهارة مفيدة للاختبارات، لكنها لا تفيد في التعلم عن الطبيعة البشرية والعالم، ولا تحسّن المهارات الكتابية، لأن ذلك يتطلب قراءة عميقة ومستمرة.
  3. الجداول المزدحمة: طلاب المرحلتين المتوسطة والثانوية مشغولون للغاية بالواجبات المنزلية والرياضة والعمل والتدريس والتطوع باسم الاستعداد للجامعة، فيشعرون أن لا وقت لديهم للقراءة الترفيهية أو حتى القراءة الإلزامية.

العزوف عن القراءة بين الأجيال ينعكس على طلابنا في عدة صور: أصبحت القراءة الجهرية في الفصول الدراسية ممارسة صعبة، حيث يعجز بعض الطلاب عن تهجّي اسم مؤلف غير مألوف أو نطق الكلمات الشائعة حتى. يميل الطلاب إلى الكتابة مثلما يتحدثون، حيث تُكتب المقالات بلغة غير رسمية وعامية بوجه عام بسبب عدم التعرض لنماذج كافية بقراءة الأدب والكتابات الأكاديمية. هنا يحضرني نموذج المدخلات والمخرجات للحوسبة: لا بد أن تقرأ كتابات رصينة حتى تُخرج كتابة متقنة. أخيرًا، يصعُب أحيانًا فهم رسائل البريد التي يرسلها الطلاب، لأنها تشبه الرسائل النصية كثيرًا ومليئة بالاختصارات، ومن دون علامات ترقيم أو إلقاء التحية.

أود أن أؤكد على أنّ هذا التراجع في القراءة اتجاه وليس قاعدة. يسرني دائمًا السماع من الطلاب عن الكتاب الذي قرأوه في الصيف وأعجبهم، أو عن كاتب مفضل اكتشفوه مؤخرًا، وأذكر طالبًا العام الماضي كان يعزو مهاراته القوية في الكتابة التقنية إلى قراءة الكثير من الأدلة الفنية للسيارات. لكن التراجع في القراءة اتجاه متزايد، وهذا أمر مُقلق.

أشار أحد المتحدثين الضيوف في ندوتنا الصيفية إلى أن الطلاب الجامعيين يقرأون كثيرًا في الواقع، إلا أن محتوى قراءتهم قد تطور، فصار كل ما يُقرأ الآن عبارة عن رسائل وتغريدات وتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي.

لكني لا أوافق على ذلك.

إن نوع “القراءة” الذي يمارسه الناس على منصات التواصل الاجتماعي قصير ومجزّأ ويركز على المعلومات: أحب هذا، لا أحب ذاك، أنت مخطئ، أنا على حق، انظر إليّ، اشترِ هذا، لا تشتر ذاك. هذه التفاعلات الموجزة مجتمعة تجعل الناس على اطلاع دائم بما يفكر فيه كل إنسان في العالم في اللحظة الحالية (وهو أمر مرهق).

إلا أنّ التطور السليم للعقل البشري يتطلب شيئًا أعمق من مثل هذه الجرعات السريعة من المعلومات المنفصلة. تحتّم علينا القراءة المستمرة متابعة الأفكار والتفكير العميق وفهم وجهات النظر المختلفة. ونحن بذلك نخضع لتعلم عميق، فالمدخلات الجديدة تعيد تنظيم الاتصال العصبي في أدمغتنا، فنرى العالم بطريقة جديدة حقًا. بعبارة أخرى: نحن نتعلم عندما نقرأ.

جميع المواد الأكاديمية مهمة، فكل منها يساهم بشيء لفهم أنفسنا وعالمنا. لكني أزعم أن لا شيء منها أهم من القراءة، لأنه عندما نعرف كيف نقرأ -أقصد القراءة الحقيقية- سنستطيع أن نتعلم ونفهم أي شيء.

ما الذي يمكن فعله إذًا لتحسين مهارات القراءة عند الشباب؟

  1. إيجاد طرق للحد من أشكال القراءة السطحية (مثل تعليقات وسائل التواصل الاجتماعي)، وبذلك يتوفر المزيد من الوقت للأشكال الأعمق للقراءة.
  2. إدراك أن مهارات القراءة اللازمة لأداء الاختبارات مهمة، لكنها ليست أساسية للتطور البشري مثل القراءة العميقة التي تعزز فهمنا للطبيعة البشرية وعالمنا وتساعدنا على عيش حياة مُرضية.
  3. الحرص على اقتطاع وقت لقراءة أي شيء يجذب اهتمامك، سواء كان أدلة فنية للسيارات أو محاورات أفلاطون. يحتاج الشباب إلى وقت للراحة، وإلى تذكير بأن وقت الراحة هذا قد يعني قراءة كتاب بدلًا من تصفح وسائل التواصل الاجتماعي.

حاليًا أقرأ مع ابني في المرحلة المتوسطة أن تقتل طائرًا محاكيًا، نتبادل الدور في القراءة جهرًا. وسأقرأ مع طلابي المستجدين فصلين يتحدثان عن الجيل زد من كتابين جديدين، أحدهما الأجياللجين توينج، والآخر لا يكفي أبدًا لجينيفر والاس. أتطلع لرؤية استجابة طلابي لهذه الإضافات الممتازة للأدبيات المعاصرة عن فهم هذا الجيل ومساعدتهم حتى يصبحوا قراء ومفكرين وكتّاب مثقفين ومطلعين كما يطمحون.

[1] Twenge, J. M. (2023). Generations: the real differences between Gen Z, Millennials, Gen X, Boomers, and Silents : and what they mean for America’s future. First Atria Books hardcover edition. New York, NY, Atria Books.

Wallace, J. B. (2023). Never enough: when achievement culture becomes toxic– and what we can do about it. New York, Portfolio/Penguin.

المصدر

 

شارك الصفحة
المزيد من المقالات
آملين أن تجدوا فيها ما يحفز فضولكم لاقتنائه، وقرائته مع تطبيق نديم!
لماذا لا يقرأ الطلاب الجامعيون؟ وماذا يسعنا أن نفعله حيال ذلك؟
يجب التمييز بوضوح بين تسوندوكو والبيبلومانيا/هوس اقتناء الكتب لفهم حقيقة كل منهما.

نهاية القراءة قراءة المزيد »

حوارٌ مع جمعية كون النسائية

Picture of حوار: سارة المطيري
حوار: سارة المطيري

ساهم في الحوار: رزان الحماد، غالية الفوزان

في حِوارٍ جديد تحدثنا مع ضيفتنا أ. عائشة العقيل المديرة التنفيذية لجمعية كون النسائية للرّيادة الشبابيّة حول أهدافِ الجمعية وإنجازاتها ومبادراتها النوعية، مثل برنامج “كون وكتاب” الذي يسعى لتعزيز ثقافة القراءة وصناعة قادة ملهمين. كما ناقشت التحديات التي تواجه الجمعية وسُبل التغلب عليها، مع استعراضٍ لتجربة المستفيدات وتأثير البرامج عليهن في مختلفِ جوانب حياتهن الشخصية والمهنية. من خلال هذا الحوار، نستكشف كيف استطاعت “كون” بناء نموذج ريادي يلبي احتياجات الفتيات في الجوانب النفسيّة والاجتماعيّة والقيميّة، ويعزّز أدوارهن القيادية ضمن بيئة مجتمعية متجددة وواعدة.

نترككم مع الحوار.

كيف تأسست ونشأت جمعيّة؟ 

تأسست جمعية كون النسائية للرّيادة الشبابية عام 1440ه، على يد أستاذات خبيرات في المجال التربوي، وفي التخصص التربوي؛ وامتدادًا لخبرتهم وعطائهم في الندوة العالمية للشباب الإسلامي، برزت وجاءت فكرة جمعية “كون” النسائية.

بعد مرور هذه السنوات، هل وجدّتم الأهداف المرجوةِ التي خططتم لها عند التأسيس؟

للجمعيّة عادة أهداف فرعية وأهداف استراتيجية بعيدة المدى؛ الأهداف الفرعية أو الأهداف قصيرة المدى تأخذ عادةً مؤشراتها أو نجاحها بعد انتهاء البرنامج مباشرة، لكن الأهداف الاستراتيجية بالطبع بعيدة المدى؛ ومِن ثَمَّ فهي تشكّل رؤية أساس الجمعية ورسالتها في صناعة قيادة شبابية بدأت تظهر الأهداف وتتشكل في الشخصيات القيادية في مخرجات برامج الجمعية. في أهدافنا الاستراتيجية نركز على تعزيز الشخصية الإيجابية وصناعة القيادات الشبابية، وتمكين الفتيات من إدارة البرامج المجتمعية. على سبيل المثال برنامج “نقش”، مستفيدات البرنامج الآن قادرات على قيادة فريق عمل وقيادة مبادرات مجتمعية، إضافةً إلى التغير الذي نلمسه في السلوك وفي مفاهيمهم وتغير أيضًا في مفهومهم للقيم وتأثيرها عليهم بشكل خاص أو بشكل أوسع تأثيرهم على الأسرة وتأثيرهم على المجتمع من حولهم؛ ومِن ثَمَّ انعكس على ممارساتهم في المجتمع وفي بيئات العمل لديهم.

كيفَ رأيتِ الإقبال على الجمعية من قِبل الفتيات؟ 

الإقبال -اللهم لك الحمد- جيد لكون برامج نوعية ومميزة وذات طابع مختلف يغطي عدة جوانب في شخصية الفتاة، إذ يركّز على الجوانب كافة، الجانب القيمي والجانب النفسي والاجتماعي، ودون القصور كذلك حتى في الجانب الصحي أو الجانب البدني، إضافة إلى الجانب الترويحي وتغذيته بشكلٍ مباشر، كون برامج الجمعية تغطي احتياجات الجوانب الأساسية لدى الفتاة. وما زال الإقبال جيدًا عندنا على البرامج. ورغم أنه يوجد انفتاح أكثر وتوسع أكبر وانتشار في الجمعيات وفي الأنشطة؛ فإنَّ برامج كون تظل متميزة وتحظى بإقبال على برامجها.

برنامج “كون وكتاب” هو أحدُ برامج جمعية كون، لماذا القراءة تحديدًا في جمعية تستهدف صنع القادة؟  وهل هُناك صِلةٌ بين القائد والقراءة؟

من أهم صفات القائد القراءة، وما في شك أنَّ القراءة من أهم المعايير الأساسية التي تدل على نهضة الأمة، والأمة التي لا تقرأ لا يتوقع منها أن تبني حضارة؛ فالقراءة تغذي الروح والعقل. القراءة ليست هواية لكنَّها ضرورة وأمر لا بُد منه إذ إنها تبني العقل والفكر وتؤثر في قيم الإنسان وسلوكه وتنمي مداركه. ومن هنا فالإنسان يكتمل وعيه. ويركز برنامج كون وكتاب على القراءة المكثفة؛ البرنامج كل شهر لكن فيه مواسم، والموسم الواحد ثلاثة أشهر، يركز على مفهوم واحد وموسم واحد في مجال معين؛ ما يعطي عمقًا أكثر لقراءة الكتاب والإفادة منه؛ ومِن ثَمَّ اللقاء يكون فيه إثراء واستماع لوجهات نظر مختلفة. أيضًا ينمي مهارات النقد البنّاء إذ يوجد نقاش حول الأفكار المطروحة في الكتاب وتغذيتها وإثراءها من جوانب متعددة واختلاف الأشخاص الحاضرين واختلاف وجهات النظر يثري ويوسع المدارك ويفتح لهم آفاقًا أوسع تنمي مداركهم وتنمي أيضًا عندهم مهارات النقد وتحليل المادة المكتوبة، فليست قراءة إنهاء عدد معين من الصفحات وحسب.

أكملَ برنامج كون وكتاب سنتين أي إنَّه مستمر والمستفيدات من البرنامج يزددن ويتجددن، مع وجود مجموعة مستمرة في البرنامج منذ سنتين نمت عندهم مهارات في انتقاء الكتب وفي اختيار الكتب. ربما يكون الكتاب في مجال معين مؤلف بالعربية أو مترجم؛ هذه المهارة تكتسب مع الوقت ومع القراءة ومع تقبُّل الأفكار وتقبل النقد وتقبل وجهات النظر المختلفة. ومِن ثَمّ نركز على القراءة لأنَّ القراءة تنمي مدارك الإنسان بشكل مباشر، والقارئ الجيد لا بُد أنْ يكون عنده جانب يركز على القراءة فيه وتنميته وتطويره.

كيف كان تفاعل المشاركات مع برنامج كون وكتاب؟

التفاعل ملموس وانطباعاتهم بعد كلّ لقاء تُثري مجموعة الواتساب في جوال الجمعية، إذ يكون فيها حماس للموسم القادم أو للكتاب القادم. ومن المجموعات التي تحضر يصير فيه تطرق إلى موضوع معين، كأن تقرأ إحدى المستفيدات كتابًا وتطرحه على المجموعة، هل ممكن هذا الكتاب نقرأه هذا الكتاب أفدت منه في هذا المجال… فقد صار لهنَّ دورٌ أساسي في التشارك وفي التخطيط وفي اختيار الكتب وانتقائها. فلدينا جو من الألفة والحميمية بين المشاركات أنفسهن لأن المجموعة مثل ما ذكرتُ مستمرة فصار فيه قبول بينهم بوجهات النظر والتعبير عن الآراء والأفكار، وصار فيه تغيير حتَّى في السلوكيات وفي المفاهيم وتقبل وجهات النظر المختلفة.

مع تعدد الأنشطة في الرياض وكثرة الجهات والوسائل الشاغلة، كيف تصِلون للفتيات والفئة المستهدفة لكون؟

على كثرة الأنشطة والفعاليات المتنافسة، لكن يظل لكون طريقتها الخاصة في الوصول إلى مستفيدات كون ومن يرغبن بهذا الطابع المختلف والمتميز في البرامج. نحن عادة نستخدم قاعدة بيانات مستفيدات الجمعية وكل من تحضر لقاء تؤثر بشكل أو بآخر على المحيط من حولها للانضمام لبرامج الجمعية، كذلك نستخدم طريقة وسائل التواصل الاجتماعي لتويتر والإنستغرام، وهذه السنة أنشأنا قناة كون لمتابعة جديد برامج الجمعية، وكذلك نركز الآن على الوصول الفئة المستهدفة اللي هم الفئة الجامعة والوصول لهم في مقراتهم، وفِي أماكن دراستهم يسهل علينا تغطية شريحة مجتمعية أكبر من استقطابهم لمقر الجمعية.

 ماهي التحديات التي تواجه جمعيّة كون وكيف تتغلب عليها؟

لا يوجد عمل كامل فالكمال الله وفعلًا سواء كانت جمعية كون أو باقي الجمعيات أو باقي بيئات العمل في تحديات لا بد أنَّها تؤثر على العمل بشكل أو بآخر؛ لكن نحاول ألّا تؤثر التحديات على جودة البرنامج أو في نوعية البرنامج؛ لكن ثمّة نقطة نؤكد عليها فكرة النمط الاجتماعي الآن،طبيعة أوقات الدوام، الازدحام المروري في الرياض، يؤثر بشكل أو بآخر على التفرغ الذهني والتفرغ لحضور البرامج، إضافة إلى أن الفئة المستهدفة عندنا للجمعية إمّا أنَّها تكون طالبة جامعة أو موظفة في بداية سلكها الوظيفي أو أمًّا جديدة أو في بداية حياتها الأسرية؛ فِي هذا الجانب جميع الفئات هذه الثلاثة أو الأربع كلهن يحتجن إلى برامج تروّح عن النفس وتعتبر لهن مثل المتنفس ويكون فيها أيضًا جانبٌ تطويري وجانبٌ قيمي يضيف لهنَّ على الرغم من ارتباطاتهم المهنية أو ارتباطاتهم الاجتماعية، ومِن ثَمَّ نحن صراحة نحاول نركز على اختيار وانتقاء مواعيد البرامج اللي تقدَم والنظر في هذا الموضوع سواء كان في الإجازات أو في المواسم أيضًا. نركز على أن نقدم البرامج عادة في نمط المخيمات التي تكون في إجازة نهاية الأسبوع بحيث أن البرنامج يقدم بشكل متكامل، مخيم مثلًا تقدم فيه المحاور بشكل مترابط بحيث أنَّ المستفيدة عندما تقرر الحضور يكون في وسعها أن تفرغ نفسها لمدة يوم تحضر لقاء متكامل، تخرج منه بفائدة مكثفة، يكون فيها ربط بين المعلومات، يكون فيها تكامل، يتشكل عند المستفيدات جو من الألفة، ويكون فيه تغيير عن نمط البرامج التي تقدم عادةً بنمط الساعة والساعتين. طبعًا ما زالت فيه برامج في هذا الجانب لكن نحن نحاول أن نغطي جوانب بحيث أننا نصل إلى أكبر فئة مستهدفة من الفتيات.

ختامًا: نشكر لكم حرصكم واختياركم وانتقاءكم لجمعية كون ونسأل الله لنا ولكم يا رب دوام التوفيق والسداد ولجمعية كون مزيدًا من التقدم والتمييز… وكون أُفق الرحب، رحب في مجالها في برامجها في مستفيديها، ولكلّ من يحب كون وأعجب بكون شكرًا لكم على حسن الاستضافةجزاكم الله خيرا.

شارك الصفحة
المزيد من الحوارات

حوارٌ مع جمعية كون النسائية قراءة المزيد »

السلطة ومعرفتها: مراجعة لكتاب “الاستشراق” لإدوارد سعيد 

مقدمة: رحلة بين الشرق والغرب

حين تصطدم الأنظار بالشرق، يصبح من الصعب على الغرب أن يراه كما هو. فدائمًا يراه كما يريد أن يراه. هذا هو جوهر كتاب إدوارد سعيد “الاستشراق”، الذي يُعدّ بمثابة دعوة جريئة لتفكيك الصور المشوهة التي رسمها الغرب للشرق على مر العصور. في هذا الكتاب، لا يقتصر سعيد على مجرد تحليل الأكاديميا الاستشراقية، بل يتوغل في عمق العلاقة بين المعرفة والسلطة، كاشفًا كيف أن الاستشراق كان أداة للهيمنة. لقد أصبح الشرق، في نظر الغرب، كائنًا معلقًا في فلكه، تابعًا له في كل شيء: في تمثيلاته، وتقييماته، وصوره الذهنية. هو كتابٌ يُغني العقل ويثير الأسئلة العميقة التي تفتح آفاقًا جديدة لفهم العلاقة بين الشرق والغرب.

الاستشراق: أكثر من مجرد دراسة

قد يُظن للوهلة الأولى أن الاستشراق هو مجرد دراسة أكاديمية عن الشرق، لكن إدوارد سعيد يبين أن الاستشراق كان -ولا يزال- أداة ثقافية قوية تم استخدامها لتمرير سياسات الهيمنة الغربية. فليس الاستشراق مجرد محاولات لفهم الشرق، بل هو نظام معرفي يصوّر الشرق على أنه كائن متخلف، جامد، وغريب. وهذه الصور لم تكن افتراضات فكرية بحتة، بل كانت تبريرًا لاستعمار الأرض والتاريخ، وأداة لفرض الهيمنة السياسية.

لقد كان الاستشراق بالنسبة للغرب وسيلة للتأكيد على تفوقه الثقافي والاقتصادي، فُرسمت صورة عن الشرق باعتباره “الآخر” الذي يحتاج إلى التنوير من قبل الحضارة الغربية. هذا التصور جعل من الهيمنة الاستعمارية مسألة مشروعة، مُعززة بقوة “الاختلاف” الثقافي والديني بين الشرق والغرب.

 الاستشراق كأداة سلطوية

في قلب هذا الكتاب، يكشف سعيد عن العلاقة العميقة بين المعرفة والسلطة. فبينما تتعالى الأبواق الغربية مدّعية أنها توصلت إلى معرفة “صحيحة” عن الشرق، فإن الحقيقة هي أن هذه المعرفة كانت، وما تزال، وسيلة لترسيخ الهيمنة. فالاستشراق لم يكن مجرد علم محايد، بل كان أداة ثقافية مسيطرة، تستند إلى أن الشرق يحتاج إلى “توجيه” الغرب، وأنه يعاني من عجز فكري وحضاري.

لقد توافقت هذه “المعرفة” مع أهداف الاستعمار، مما جعل من المشروع الغربي في الشرق ليس فقط ذا طابع اقتصادي، بل ثقافي أيضًا. فالاستشراق كان يشكل أحد أسس فرض الهيمنة على شعوب الشرق، ويقدمها باعتبارها شعوبًا بلا تاريخ أو هوية حقيقية، في الوقت الذي كانت فيه هذه الشعوب تُمارس سياسات الاحتلال والاستغلال.

تمثيلات الشرق في الأدب والفن

كان الأدب والفن الغربيان من أبرز وسائل نشر التصورات الاستشراقية. فالأدب الغربي -سواء في أعمال فلوبير أو هوغو أو في الروايات الكلاسيكية- كان يقدم الشرق كعالم غارق في الخرافات، مليء بالأسرار التي يحتاج الغرب إلى حلها. ولذا، كان الشرق في هذه الروايات عبارة عن كائن غريب يشكل تهديدًا لمفهوم الحضارة الغربية.

وتُظهر هذه الأعمال الأدبية كيف كان الغرب يُصور الشرق في قالب من الانحلال والوحشية، مما يعزز الصورة النمطية المرسومة عنه كعالم لا يمكنه إدارة نفسه. هذه الصورة، التي تكرست في الأدب الغربي، أسهمت في تكريس الاستعمار وفي نشر فكرة أن الشرق بحاجة إلى التوجيه الغربي المستمر.

الاستشراق والسياسة: هيمنة الفكر والممارسات

لا يقتصر تأثير الاستشراق على الأدب فحسب، بل يتعداه إلى السياسة. كيف يمكن تفسير الانخراط الاستعماري الغربي في الشرق، إن لم يكن من خلال نظرة الاستشراق التي أضفت مشروعية على التسلط الغربي؟ يوضح سعيد أن الاستشراق لم يكن مجرد تصورات ثقافية، بل كان أداة سياسية بامتياز. في الوقت الذي كانت فيه القوى الغربية تستغل ثروات الشرق وتفرض هيمنتها العسكرية، كانت الأكاديميا الغربية تكرس هذه الهيمنة من خلال معارف تدّعي الحياد والموضوعية، بينما هي في الواقع مصممة لترسيخ التفوق الغربي.

وإذا كانت المعرفة الغربية قد قدمت الشرق ككائن متخلف، فقد كانت النتيجة الطبيعية لهذه الصورة أن يتم الاستعمار وفرض السيطرة السياسية والاقتصادية عليه. وفي هذا السياق، يقدم سعيد صورة واضحة عن كيف كان الاستشراق ليس مجرد علم، بل أداة ثقافية مسيطرة تُسهم في توجيه السياسات الاستعمارية.

إعادة بناء الهوية الشرقية

في محاولة لإعادة رسم صورة الشرق، يطرح سعيد فكرة إعادة بناء الهوية الشرقية بعيدًا عن التأثيرات الغربية. فالشرق الذي صوره الاستشراق ليس هو الشرق الحقيقي، بل هو مجرد انعكاس لتصورات الغرب المشوهة. لذا، من المهم أن يعيد الشرق بناء نفسه بعيدًا عن أنماط الفهم الغربية، وأن يستعيد ثقافته وهويته بما يتناسب مع خصوصيته.

ويؤكد سعيد أن الشرق ليس مجرد “آخر”، بل هو كائن حي ذو تاريخ طويل وثقافة غنية. وهكذا يدعو سعيد الشرق إلى العودة إلى ذاته، بعيدًا عن التصورات الغربية. وتكمن أهمية هذا النداء في ضرورة أن يعيد الشرق تعريف نفسه بعيدًا عن الصورة التي رسمها له الغرب، والابتعاد عن محاولة إثبات تفوقه الثقافي.

الاستشراق في العصر الحديث: تكرار للصور النمطية

على الرغم من أن الاستعمار العسكري قد انتهى في معظم أنحاء العالم، إلا أن الاستشراق لم يُمحَ. بل على العكس، استمر في التأثير على العلاقات بين الشرق والغرب في العصر الحديث. ففي الأزمات السياسية والاقتصادية التي شهدتها المنطقة العربية في السنوات الأخيرة، لا يزال الشرق يُصوّر باعتباره تهديدًا أو مشكلة يحتاج الغرب إلى التدخل فيها. ولا تزال الأفكار الاستشراقية حية في الإعلام والسياسة الغربية، مما يؤكد أن الاستشراق لا يزال أداة لتوجيه الرؤى الغربية عن الشرق بما يتناسب مع مصالحها.

الختام: دعوة لتفكيك الصور النمطية

يُعد كتاب الاستشراق أكثر من مجرد دراسة أكاديمية. إنه بمثابة صرخة لفضح العلاقة المعقدة بين السلطة والمعرفة، ودعوة للكشف عن الطبقات العميقة التي تراكمت عبر القرون لتشكل صورة مشوهة عن الشرق. ورغم الانتقادات التي قد تُوجه له، فإن هذا الكتاب يظل حجر الزاوية في نقد العلاقة بين الشرق والغرب. إنه دعوة للشرق ليتعرف على ذاته بعيدًا عن التصورات الغربية، وللغرب ليتوقف عن تصوير “الآخر” وفقًا لصورته النمطية.

يبقى كتاب الاستشراق مرجعًا رئيسيًا لكل من يسعى إلى فهم الديناميكيات الثقافية والسياسية التي تشكل الوعي العام في عالمنا المعاصر. وهو نص يستحق أن يُقرأ بتمعن، لأنه لا يقدم مجرد دراسة أكاديمية، بل يقدم رؤية جديدة لعلاقة الشرق بالغرب، قائمة على التفكيك والمراجعة العميقة لكل الصور التي تم رسمها عبر قرون من الهيمنة المعرفية والسياسية.

شارك الصفحة

السلطة ومعرفتها: مراجعة لكتاب “الاستشراق” لإدوارد سعيد  قراءة المزيد »

أعماق السطحية: مراجعة لكتاب “نظام التفاهة” لآلان دونو

Picture of طارق اليزيدي
طارق اليزيدي

مشرف على مبادرات قرائية

يُعدّ كتاب “نظام التفاهة” للكاتب والمفكر الكندي آلان دونو من الأعمال الفريدة التي تتناول ظاهرة اجتماعية معقدة، تتعلق بكيفية تحول المجتمعات الحديثة إلى نظم تهيمن عليها ثقافة التفاهة. في هذا الكتاب، يوضح دونو أن التفاهة لم تعد مجرد صفة سلبية لأشخاص أو أفعال معينة، بل أصبحت نظامًا متكاملًا يتحكم في مختلف مجالات الحياة، من التعليم والسياسة إلى الاقتصاد والثقافة. إذ تسيطر قيم الامتثال والخضوع على حساب الإبداع والتميز، ويتم تهميش الأفراد الذين يسعون لتغيير هذا الواقع أو التميز فيه.

اعتنى بالكتاب ونقله إلى العربية الدكتورة مشاعل الهاجري مع إثرائها بتعليقات وشرح وافي زاد من فائدة الكتاب المعرفية، وطُبع الكتاب في دار سؤال للنشر وعدد صفحاته 366 صفحة.

يتناول الكاتب تحولات المجتمع بتفصيل دقيق وعميق، ليقدم نقدًا شاملاً للنظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الحديثة، ويبين كيف أن هذه النظم قد أصبحت تدعم التفاهة وتستبعد أي محاولة للخروج عن الخطوط المرسومة لها. يعتمد دونو على منهج علمي وأدبي في آنٍ واحد لتحليل هذه الظاهرة، وهو ما يجعل الكتاب قراءة ضرورية لكل من يسعى لفهم التحولات العميقة التي يشهدها العالم المعاصر.

 

الفكرة المحورية: نظام التفاهة

يرى دونو أن التفاهة قد أصبحت نظامًا، ولم تعد مجرد ظاهرة سلوكية فردية. وفقًا له، النظام المعاصر -وخاصةً في الدول الصناعية المتقدمة- أصبح يعتمد على “تسطيح” كل ما يتعلق بالقيم والمعايير المجتمعية. يتم تمكين الأفراد الذين يتماشون مع التيار السائد ولا يتحدون القواعد، بينما يتم تهميش وإقصاء الأفراد الذين يملكون مواهب أو قدرات استثنائية ويرغبون في تحدي هذا النظام.

هذا النظام قائم على تجنب المخاطر وتفضيل الحلول المريحة والسهلة التي لا تتطلب إبداعًا أو اجتهادًا. ويؤدي ذلك إلى إحلال التفاهة في جميع جوانب الحياة: من السياسية إلى الاقتصادية والتعليمية، وحتى في الحياة اليومية للأفراد. ويعزز النظام الرأسمالي هذه الظاهرة من خلال سعيه الدائم لزيادة الاستهلاك، مما يدفع المجتمعات إلى تفضيل الحلول الجاهزة والقوالب الجاهزة على التفكير النقدي أو الإبداع.

التفاهة في التعليم: إنتاج العمال وليس المفكرين

يشير دونو إلى أن النظام التعليمي الحديث أصبح من أهم المؤسسات التي تخدم نظام التفاهة. التعليم، كما يراه، لم يعد يهدف إلى تحفيز التفكير النقدي أو تطوير الإبداع لدى الأفراد، بل أصبح موجهًا نحو إنتاج عمال أكثر من كونه موجهًا نحو إنتاج مفكرين. الطلاب يتم تدريبهم على قبول ما يُملى عليهم دون التفكير بعمق أو مساءلة الأمور من حولهم.

الهدف الأساسي من التعليم اليوم، وفقًا لدونو، هو إعداد الأفراد للاندماج في سوق العمل والامتثال للقواعد الاقتصادية والسياسية السائدة. يتم تعليم الطلاب المهارات الضرورية للبقاء في النظام وليس المهارات التي تمكنهم من تغييره أو تطويره. وبهذا، يتحول التعليم إلى وسيلة للحفاظ على الوضع الراهن بدلًا من أن يكون أداة لتطوير المجتمع.

كما أن النظام التعليمي يشجع على الامتثال أكثر من تشجيعه على التفكير النقدي. الطلاب يُحَثّون على اتباع المسارات التقليدية وعدم محاولة الخروج عن المألوف أو تقديم أفكار جديدة. وبالتالي، يتم تقويض دور التعليم كأداة لتطوير المجتمع والإبداع الفكري.

 

التفاهة في السياسة: قادة بلا رؤية

يركز دونو بشكل خاص على المجال السياسي، حيث يرى أن التفاهة قد تمكنت من الاستيلاء على السياسة بشكل كبير. القادة السياسيون اليوم، وفقًا لدونو، ليسوا بالضرورة الأكثر ذكاءً أو خبرةً، بل هم الأكثر قدرةً على التماشي مع النظام القائم. هؤلاء القادة لا يسعون إلى تقديم رؤى جديدة أو إحداث تغيير جذري، بل يهتمون بالمحافظة على مواقعهم في السلطة والبقاء في قلب النظام.

السياسيون في هذا النظام يفضلون استخدام لغة مبسطة وسطحية وسهلة الفهم، حتى لو كانت هذه اللغة تفتقر إلى العمق أو الحقيقة. يتم تقديم الأفكار السياسية كمنتجات استهلاكية يمكن تسويقها بسهولة للجماهير، ويتم تفضيل الشعارات البسيطة التي تلقى قبولًا واسعًا دون الحاجة إلى التفكير أو النقاش.

بالتالي، تحولت السياسة إلى مجال يخدم التفاهة، حيث لا يتم اختيار القادة بناءً على الكفاءة أو الإبداع، بل بناءً على قدرتهم على البقاء ضمن الإطار المحدد لهم. السياسيون الذين يجرؤون على تقديم رؤى جديدة أو تحدي النظام القائم يتم تهميشهم أو حتى استبعادهم.

 

التفاهة في الإعلام: تسطيح الوعي

وسائل الإعلام لم تسلم من تأثير نظام التفاهة، بل أصبحت أحد أدواته الرئيسية. الإعلام اليوم، كما يصفه دونو، يعتمد على تسطيح الوعي وتقديم محتوى سطحي وسهل الهضم للجماهير. يتم التركيز على الأخبار السريعة والمعلومات الترفيهية التي تجذب الانتباه لفترات قصيرة دون أن تتطلب تفكيرًا عميقًا أو تحليلًا نقديًا.

يُعَد الإعلام أحد العوامل التي تساهم في ترويج ثقافة الاستهلاك السريع للمعلومات دون التحليل أو التعمق. يتم توجيه الجمهور نحو استهلاك الأخبار بشكل متكرر وسريع، مع التركيز على الإثارة والترفيه بدلاً من تقديم معلومات دقيقة أو متعمقة. وبهذا، يتحول الإعلام إلى أداة لترويج التفاهة بدلًا من أن يكون وسيلة لتنوير المجتمع أو تعزيز الوعي العام.

يتم تسليط الضوء على القصص المثيرة أو الغريبة التي تجذب الانتباه بسهولة، في حين يتم تهميش الأخبار الجادة أو المعقدة التي تتطلب تحليلًا أو تفكيرًا نقديًا. وبالتالي، يتحول الإعلام إلى أداة لتغذية ثقافة التفاهة بدلاً من أن يكون وسيلة لتنوير المجتمعات أو تعزيز النقاش العام حول القضايا الهامة.

 

التفاهة في الاقتصاد: الشركات وقيم الامتثال

الاقتصاد أيضًا ليس بمعزل عن تأثير نظام التفاهة. وفقًا لدونو، الشركات والمؤسسات الاقتصادية اليوم أصبحت تفضل الأفراد الذين يمكن التنبؤ بسلوكهم والذين يتبعون القواعد المحددة دون محاولة تجاوزها أو تحسينها. يتم تشجيع الامتثال والطاعة على حساب الإبداع والتفكير الخلّاق.

في النظام الاقتصادي الحديث، يتم تفضيل الموظفين الذين ينفذون الأوامر دون طرح تساؤلات أو اقتراحات لتحسين النظام. الابتكار والتغيير يتم تهميشهما لأنهما يمثلان تهديدًا للنظام القائم. بل إن النجاح في هذا النظام يعتمد بشكل أساسي على مدى قدرة الفرد على التماشي مع القواعد المعمول بها دون السعي لتحديها أو تحسينها.

يرى دونو أن هذا النوع من الاقتصاد يعزز نظام التفاهة بشكل كبير لأنه يحد من الإبداع والتميز. الموظفون الذين يحاولون تقديم أفكار جديدة أو الذين يرغبون في تغيير طرق العمل التقليدية يواجهون غالبًا بالرفض أو التهميش. وبهذا، يتم تكريس نظام يفضل الاستقرار والجمود على الابتكار والتطور.

 

التفاهة في الثقافة: الترفيه السطحي بدلاً من الفن

الثقافة بدورها لم تسلم من تأثير نظام التفاهة. يشير دونو إلى أن الإنتاج الثقافي في المجتمعات الحديثة أصبح موجهًا نحو الترفيه السريع والسطحي بدلاً من تقديم أعمال فنية ذات قيمة فكرية أو جمالية. الأفلام والمسلسلات والأغاني أصبحت تعتمد بشكل كبير على جذب الجمهور بأبسط الطرق الممكنة، دون إيلاء أهمية للجودة أو المضمون.

الثقافة أصبحت تركز بشكل أساسي على تسويق المنتجات الثقافية كمجرد سلع استهلاكية سريعة الزوال. يتم تقديم الأفلام والمسلسلات الموسيقية والمسرحيات وغيرها من المنتجات الثقافية بطريقة تجعلها سهلة الاستهلاك، دون أن تتطلب تفكيرًا عميقًا أو نقدًا فنيًا. وبهذا، يتحول الفن إلى مجرد وسيلة لجذب الجمهور بدلاً من أن يكون وسيلة لتحفيز التفكير أو التعبير عن الأفكار المعقدة.

كما أن دور المثقفين في المجتمع قد تقلص إلى حد كبير. المثقفون، الذين كان يُفترض أن يكونوا قادة الرأي وصناع الثقافة، تم تهميشهم أو تحييدهم لصالح فنانين أو مشاهير يمكن استهلاك منتجاتهم بسهولة. وبهذا، تتحول الثقافة إلى منتج سطحي، يمكن استهلاكه بسرعة دون أن يترك أثرًا دائمًا.

 

نقد المجتمع: تجديد الروح النقدية

في نهاية الكتاب، يدعو دونو إلى إحياء الروح النقدية في المجتمعات. يعتقد أن الحلول لا تكمن في المؤسسات القائمة، بل يجب أن تبدأ من الأفراد الذين يتحلون بالشجاعة للتفكير خارج الأطر المحددة لهم. النظام الحالي يعتمد على الامتثال، ومن ثم فإن أي محاولة لتحديه يجب أن تبدأ بالتحرر من هذه القيود.

يرى دونو أن الأفراد يجب أن يتحدوا النظام الذي يعزز التفاهة عن طريق تطوير قدراتهم النقدية والإبداعية. يمكن للإنسان أن يرفض الاستسلام لهذا النظام إذا اختار التفكير النقدي والبحث عن حلول جديدة للمشاكل التي تواجهه.

شارك الصفحة

أعماق السطحية: مراجعة لكتاب “نظام التفاهة” لآلان دونو قراءة المزيد »

عودٌ على بدء: مراجعة لكتاب أشياء سبق الحديث عنها

Picture of غلاء سمير أنس
غلاء سمير أنس

مُترجمة كُتب

فحينما يغدو الاختلاف، ليس مجرد بوْن وتباين، وإنما اختلافاً أنطولوجياً يضع مسافة بين الذات وبين نفسها، فإنه يفسح المجال للابتعاد والانفصال، ويفتح هامش التشكك وإعادة النظر، بل والسخرية من الذات… هذا التخطيء للذات قبل تخطيء الآخر، وهذا الإحساس بأن “علينا بشكل دائم أن نكون مستعدين لاكتشاف أننا قد أخطأنا” كما يقول كارل بوبر، هو الذي يُمكننا من أن نخالف أنفسنا، ونكون على استعداد كي نَقبل في أنفسنا آخر، فنُقبل من ثمة على الآخرين.

  عبد السلام بنعبد العالي

يضمُّ كتاب “أشياء سبق الحديث عنها” للكاتب والمترجم المغربي عبد السلام بنعبد العالي مقالات جديرة بالاهتمام، تعكس أفكاراً موجزة ومختصرة أراد الكاتب إثباتها من جديد، وعرض مادتها في كتابٍ منفصل انتقى له عنواناً مناسباً. لدى هذا الفيلسوف وجهة نظر مُهمة ليُقدمها، بادية في معظم مقالاته، ويقع عليها القارئ كما يقع على سؤالٍ جوهري شعر به منذ مدة، ولكن عجز عن منحه لغة تليق به.

يتحدث بنعبد العالي عن التكرار في الهوية، وعن النسخ التي تولِّد النصوص من جديد، وعن الكذب السياسي الذي يقول الحقيقة كاذباً حين ينزعها من سياقها ويُلقي بها بين مجموعة من الأخبار والأحداث المنفصلة والمستقلة، فيُجزِّئها ويُميعها ويفككها وينزع منها توجهها إلى طرح سؤال مُهم أو عرض قضية جديرة، ومن هنا فإنه يشير إلى ضرورة فهم إتلاف المعنى في سرد الحقيقة، أو ما يُدعى “بالكذب السياسي” الذي يغيِّب الواقع ويجعل تطور الأحداث حاضراً راهناً ومستمراً في شكله المُجزأ.

أحببتُ حديث الكاتب عن الوظيفة الرمزية للأبواب في الحفاظ على خصوصية الحميمية في حياتنا، والتي تحولت اليوم إلى وظيفة شكلية “تهرب منها الحميمية” وتفقد باستمرار معناها الخاص، وأعجبتُ بمنظور الكاتب حول رؤيتنا أنفسنا في الآخرين ومن خلالهم، أي المحاولة المستمرة للفرد في التماهي مع الجماعة، كما تحاول الجماعة التماهي مع الصورة الإعلانية لتراثها وهويتها، والتي رغم أنها تصوِّره وحدة متماسكة غير أنها تُنتج منه هويات مختلفة ومتعددة تُشكل النسيج المجتمعي بتعدديتها، ومن هنا يشير الكاتب إلى قوة السيمولاكر في إنتاج المعنى والهويات ضمن عود أبدي يحتفي بعالم منطوٍ على الفعالية بدلاً من النماذج.

انتقد الكاتب كذلك الجوانب الصناعية حتى للمفاهيم، كصناعة العطلة التي سلبت من المرء حقه في الاختلاء بنفسه، وفي امتلاك وقت فراغٍ لا يفعل فيه أي شيء، أو لا يستهلك فيه أية منتجات، وتحدث عن مجتمع الفرجة الذي يظل فيه المرء “في سينما” مُستمرة وموضوعاً للتعليق وتحقيق الرغبات والإنجازات السريعة، وانتقد ردود الفعل على العولمة التي ظلت كردود فعلٍ دون أن تُنتج خطاباً يُعزز اختلافها ويقيم ثقافتها التي تزعم ضياعها، مشيراً إلى الفئة التي تستغل “دوخة” العالم اليوم والقيمة المتزعزعة للأخلاق والقيم لتبرير بشاعة موقفها، ومن هنا فإنه ينتقد دور المثقف الذي “يصفق” لهذه الدوخة، ويرى من الحقيق رؤيته من زاوية تُثبت دوره في خلقها.

وفي حديثٍ جميلٍ ويحمل فلسفة مُهمة، يفرِّق الكاتب بين مفهوم السخرية والتهكم، فيقول بأن التهكم مستند إلى فصل المرء ذاته عن الآخرين والحفاظ عليها بعيداً عن الاختلاط بالآخر، والإيمان ببعض المسلمات التي تحفظ وجوده ومشاعره من المساس، في حين أن السخرية تعني سخرية المرء من ذاته قبل الآخرين، وإيمانه بصورة يشترك فيها مع غيره في الوجود الإنساني، وينفي فيها الصفة اليقينية عن النظريات والأفكار، ومن هنا فإن الساخر هو الذي يرى العالم هويات متعددة ينبغي لها التقارب وإيجاد أرض مشتركة لتحقيق مصالحها التي يمكن دائماً مناقشتها وتحقيق جزءٍ منها، على عكس المتهكم الذي يتمسك بمعتقداته ويظل في ابتعاد مستمر عن الوفاق مع الجهات الأخرى.

وفي حديثه عن الاختلاف، تناول الكاتب تجاوزه الاتصال الزماني والهوية المطابقة إلى التعددية الزمانية، وتحدث عن المنظور الأفلاطوني في اعتبار الوجود متستراً بالرموز المُضللة والعلامات التي تُحيل إلى المخفي، غير أن المنظور النيتشوي والحديث يرى بأن الدلالات لا تُحيل إلَّا إلى ذاتها، لذلك فــ”ليس العمق والحالة هذه إلا نتيجة للوهم الذي يبعثه فينا السطح الذي يمنعنا من أن ننظر إليه كسطح. ولكنه ليس السطح الهش الشفاف، وإنما هو سطح سميك ثري”.

كما أشار بنعبد العالي إلى تحول مهمة الفلسفة من نقد الأيديولوجيا قديماً إلى الإشارة إلى الشرور التي تعرِّي نفسها اليوم، والتي قد تتمثل في وثوقيات تُعنِّف النفس وتغلق عليها الأبواب وتحصرها في نموذج ثابت لا يتأثر بوجود الآخر، وذلك في إشارة منه إلى أن المواقف أحادية البعد والفكر ناجمة عن نزعات نفسية في الأصل لا معرفية، نرى انعكاس ذلك في اعتقادنا بأن الحياة الحديثة قد دفعت المرء إلى كشف ستره وسرِّه وإظهاره على العلن، غير أنه لا يكشف سوى ما يعدُّه هو سراً، لذلك فإن الغموض في ذاته يظل موجوداً لمن يملك الفطنة في التعرف إليه: “وإنسان العصر الحديث من الغموض بحيث لا يستطيع أن ينكشف دوماً لنفسه، وبالأحرى أن يكشف نفسه للآخرين”، وفي هذا الصدد فإنه يشير إلى “فلاسفة التوجس” الذين آمنوا بامتلاك المرء ذي الأيديولوجيا “غرفة مُظلمة” في رأسه يعيش فيها صور الواقع والمفاهيم ولكن بصورة مقلوبة رأساً على عقب.

كما يفصل بنعبد العالي بين “التباين الساذج” والاختلاف من حيث أن الأول يُشير إلى تعددية خارجية يُميز فيها الأفراد أنفسهم عن بعضهم البعض ويعدونها ذريعة للتباعد والاختلاف بذواتهم، والثاني يشير إلى تعقيد الذات التي تحمل الآخر في باطنها وتحاوره وتحاول الابتعاد عن نفسها وإثبات تميزها عبر الخروج بأفكار ومفاهيم ولغة تشترك فيها وجودياً مع من حولها، وفي ذلك فإنه يستند غلى موقف ساخر من النفس والوجود الإنساني، ويجعل من امتلاك مفاهيم الحق والخير والجمال مهمة لا يمكن النجاح فيها إلا عبر الآخر وبوساطته: “إن الاختلاف ينخر الكائن ذاته ليضع الآخر في صميمه”.

لقد عاد الكاتب في أكثر من موضع للحديث عن مفهومه للسخرية كموقف من الحياة، ينطوي على غوص في المفارقات العديدة وإثبات للظاهر بما هو عليه دون العودة إلى باطن مفترض له، ويرفض عنف البديهيات والمنظور الأحادي للذات والهوية، الأمر الذي يذكرنا بتعريف التهكم لدى ريتشارد رورتي في كتابه “المُتهكم الليبرالي”.

ومن اللافت موقفه من “عقدة الناجي” التي تصيب الناجين من الكوارث، فهو يُثبتها على الناجين اليوم من أثر البلاهة على النفس، ويقول بأن المرء اليوم، وعبر الفنون والفكر الحُر، ينجو بنفسه من أن يكون ضحية البلاهة التي تقصد وجوده وفكره، ويعبر عن ذلك في “خجل الإنسان أن يكون إنساناً” أمام هؤلاء الضحايا: “صحيحٌ أننا لسنا مسؤولين عن الضحايا، إلا أننا مسؤولون أمام الضحايا، وهم ليسوا بالضرورة ضحايا مخيمات التعذيب، وإنما ضحايا بلاهات الحياة المُعاصرة”.

وينتقل للحديث عن مفهوم الصفح الذي يتمثل في عملية مستمرة تخوضها الشعوب التي تعرضت للاستعمار، لتتمكن من تجاوز الماضي والتطلع لمستقبلها، في مقال “تدبير النسيان”، الذي تعتمده الدول المستعمِرة في محاولة منها لتحويل إجرامها إلى أسطورة أو ذكرى تبتعد بالتدريج عن الواقع، دون أن تعرض نفسها للمساءلة أو المحاكمة. كما تناول مواضيع عديدة أخرى، كخجل الكاتب من الكتابة في واقع مريرٍ يجد فيه الصمت متجاوزاً للأخلاق والأحكام والأهوال الجارية جميعاً، والتعليم الذي تحول من ممارسة نفسية وتهذيبية وتحصيلية إلى موضوع خارجي يمكن “الولوج” إليه عند الحاجة وتوظيفه، ويتناول مفهوم “الصداقة” التي تجمع بين المواطنين، والمتمثلة في حوار دائم يجمع تعدديتهم ويشكِّل منها فعالية وحدوية مستمرة تحاول التماهي مع الأهداف العامة.

لا شكَّ أن الكتاب ثريٌّ بالكثير من وجهات النظر والآراء والمقولات المُهمة، لذلك فإنه يُقرأ على مهلٍ لاستيعاب منظوره الفريد.

شارك الصفحة

عودٌ على بدء: مراجعة لكتاب أشياء سبق الحديث عنها قراءة المزيد »

تسوندوكو: فن شراء الكتب وعدم قراءتها

pexels-fernando-gonzalez-2626178-4227666

من الظواهر المثيرة للاهتمام التي تؤثر علينا نحن القراء “تسوندوكو” ( باليابانية: 積ん読): فن شراء الكتب وعدم قراءتها. نناقش في هذه المقالة مفهوم تسوندوكو، وما يمكن فعله كي لا تقع ضحية لهذه الظاهرة.

ما المقصود بتسوندوكو؟

تعريف هذا المفهوم بسيط للغاية: عادة شراء الكتب وعدم قراءتها. وهو مصطلح ياباني يعود إلى القرن السابع عشر، ويتكوّن من جزئين: “تسون” يعني تكديس الأشياء، “دوكو” يعني القراءة.

كيف تحولت هذه الكلمة اليابانية التي تدل على شراء الكتب وعدم قراءتها إلى ظاهرة عالمية؟ المعنى الأصلي لتسوندوكو أعمق قليلًا مما نعلمه اليوم. استُخدم المصطلح في اليابان لعدة قرون وله جذور عميقة في الثقافة اليابانية، فقد كان يُعتقد أن الكتب ممتلكات ثمينة للغاية، فكانت تُجمع وتوَرَّث من جيل لآخر.

كانت الكتب سلعًا آنذاك، ومن الطبيعي أن يقتنيها الناس ويحتفظوا بها عندما يقدرون على شرائها، وإن لم تكن لهم نية في قراءتها. لم يكن شراء الكتب دون قراءتها يُرى عادةً سلبية بالضرورة، بل كان استثمارًا حكيمًا.

يجب التمييز بوضوح بين تسوندوكو والبيبلومانيا/هوس اقتناء الكتب لفهم حقيقة كل منهما. قد يبدو المصطلحان مماثلين تمامًا للوهلة الأولى، لكن إن دققنا أكثر سيتضح الفرق بينهما. البيبلومانيا حالة تنطوي على جمع الكتب (أحيانًا مع نزعة للوسواس القهري) إلى حد يشكل خطرًا على الصحة أو يؤثر سلبًا على حياة الشخص وعلاقاته.

هنا يكمن الفرق المهم: المصاب بالبيبلومانيا لا يهتم بقراءة الكتب، هو فقط يسعد بمجرد امتلاكها ويشعر بالارتياح أو المتعة بوجودها حوله. أما المصاب بالتسوندوكو فيشعر بالاستياء من امتلاك الكتب وعدم توفر وقت لقراءتها.

إذًا، المصاب بالبيبلومانيا يرغب في تملك الكتب فحسب، بينما الذي يعاني من متلازمة تسوندوكو لديه رغبة قوية في شراء الكتب، لكن أيضًا يشعر بالحزن لعدم قدرته على قراءتها كلها.

هل تسوندوكو عادة حسَنة؟

ما المشكلة في شراء كتب أكثر مما أستطيع قراءته؟ الأمر يعتمد على تأثير ذلك على حياتك وعاداتك القرائية. شراء الكتب وجمعها في حد ذاته ليس عادة سلبية، لكن مشكلة تسوندوكو تحدث في بعض الحالات.

يجدر الانتباه إلى أن الزمن تغير منذ صياغة مصطلح تسوندوكو في الثقافة اليابانية. لم تعد الكتب في أيامنا هذه سلعًا (ما لم تكن جامعًا جادًا وتبحث باستمرار عن الكتب الثمينة)، وقيمتها الحقيقية لا تنبع من كونها أشياء مادية، بل إن قيمتها تكمن في محتواها والمعلومات التي تستفيدها من قراءتها والتجربة التي تعيشها معها.

وبالتالي يعد تسودونكو مشكلةً إن وجدت أن المال الذي تنفقه على الكتب أكثر من الوقت الذي تقضيه في قراءتها. كقاعدة عامة: ما لم تكن جامعًا يحب مجرد امتلاك الكتب، فإن المقصد من شراء الكتب هو الاستفادة من محتواها والتجربة التي توفرها. إن شعرت أنك مقصّر في القراءة وقائمتك القرائية تطول شيئًا فشيئًا، مما يُشعرك بالإحباط، فإنّ تسوندوكو مشكلة بالنسبة لك حينئذ وتحتاج إلى تعلم كيفية التغلب عليها.

قد تؤثر متلازمة تسوندوكو سلبًا على تجربتك القرائية ونظرتك للقراءة كنشاط. إن كنت تشعر دائمًا بعدم الرضا عن مقدار قراءتك وتربط كثيرًا بين هذا النشاط والشعور بالإحباط، فمن المحتمل أن ينشأ لديك موقف سلبي تجاه القراءة.

قد تشعر في مرحلة ما بالضغط من عدد الكتب التي عندك عندما تدرك أنك متأخر جدًا في القراءة لدرجة أنك قد تستغرق أعوامًا حتى تنهيها جميعها.

كيف تتغلب على متلازمة تسوندوكو؟

رغم السلبيات المرتبطة بمتلازمة تسوندوكو، إلا أنه يمكن التغلب عليها، بل واستخدامها لصالحك.  توجد عدة طرق للتعامل مع الأمر بناءً على هدفك النهائي كقارئ.

فيما يلي بعض الاستراتيجيات الشائعة للتغلب على تسوندوكو بمجرد ظهورها.

  1. حدد هل هي مشكلة حتى تعالجها أم لا

كما ذكرت آنفًا، ليس بالضرورة أن تكون تسوندوكو مشكلة حتى تحتاج إلى حل. في الحياة أمور كثيرة قد يحدث أسوأ من إحاطة نفسك بالكتب، وكونك متحمسًا تجاه الكتب والقراءة وشراء روايات جديدة باستمرار حتى تستمع بها لا يستدعي علاجًا.   

إليك بعض الحالات التي قد تشير إلى أن لديك مشكلة حقًا ويجب أن تنظر فيها:

  • عندما تنفق على الكتب أكثر من مقدرتك.
  • عندما تشعر بالضغط والإرهاق باستمرار بسبب امتلاك كتب كثيرة لم تقرأها.
  • عندما تتأثر أنشطتك اليومية بسبب الشراء المستمر للكتب.
  • عندما تجد نفسك في حالة فوضى مستمرة بسبب أن الكتب الجديدة أكثر من اللازم فلا تستطيع أن تنظمها.

ما لم تصدُق عليك بعض هذه الحالات فلا داعي للقلق، أنت شخص عادي يحب الكتب لكن لا يجد وقتًا للقراءة. أما إن شعرت أن الأمر أصبح مشكلة، فلا بد من السعي لحلها.

  1. ضع حدًا للشراء

بكل وضوح: أسرع وأضمن طريقة لتقليل الضغط أو الانزعاج الناتج عن تسوندوكو هي أن تراجع عاداتك في الشراء. ومن هنا يوجد احتمالان مختلفان يعتمدان على ما يسبب لك الضيق: هل تقلق أكثر بسبب المال الذي تنفقه، أم بسبب المساحة التي تشغلها الكتب في منزلك؟

إن كنت قلقًا بشأن المال فحدد ميزانية، واجعلها قاعدة ألا تنفق على الكتب أكثر من القدر المحدد شهريًا. عيّن الحد والقدر الذي تستطيعه، وتذكر أنه ليس بالضرورة أن تمتنع عن شراء الكتب تمامًا، المهم أن تضع حدًا يناسبك.

وإن كانت المساحة هي المشكلة فينبغي أن تحد من عدد الكتب التي تشتريها، أو تجرب الصيغ البديلة (الكتب الإلكترونية، الكتب الصوتية).

  1. ارفق بنفسك

يكمن السر في التعامل مع تسوندوكو في تغيير نظرتك وتقبّل الأمر. نعم، ربما اشتريت كتبًا كثيرة ولا تستطيع قراءتها، لكن هذه ليست كارثة.

ينبغي أن تركز على الجانب الإيجابي، وهو أن لديك وفرة من الكتب لتقرأها! إن علمت نفسك ووجدت طريقة للامتناع عن شراء الكتب حتى تقرأ ما لديك، فسيكون كل شيء على ما يرام.

أما القسوة على نفسك فلن تفيدك. كلما زاد إحباطك قلّ ما تقرؤه، وسيزداد إحباطك أكثر وستسعى للتخفيف عن نفسك بشراء المزيد من الكتب. تجنب هذه الدوامة بأي ثمن كان.

  1. اعرف متى تتوقف

تعلمنا أنه لا بد من إنهاء أي كتاب بدأنا فيه. لكن طريقة التفكير هذه ليست صائبة بالضرورة، فأحيانًا يكون ترك كتاب لا يستحق القراءة أفضل كثيرًا من مواصلة قراءة شيء لا يعجبنا. المفترض أن تُشعرنا القراءة بالمتعة وتضيف لنا قيمة، وإن لم تفعل فلا فائدة من إجبار أنفسنا على قراءة شيء لا يستحق وقتنا.

  1. بِع أو تبرع بالكتب الزائدة

كذلك أحيانًا يكون من الأفضل أن تبيع أو تتبرع بالكتب التي تشغل مساحة كبيرة للغاية من المنزل. بدلًا من أن تعاقب نفسك بسبب الكتب المتراكمة وتظل تضع خططًا لقراءتها كلها مع أن وقتك لا يتسع لها، حاول على الأقل أن تسترد جزءً من استثمارك أو أن تترك أثرًا بالتبرع بها.

  1. اقرأ أكثر

أعلم أن الكلام أسهل من الفعل، لكن يجب أن تعلم أيضًا أن المشكلة الحقيقية ليست في ضيق الوقت. إن كانت طريقة تفكيرك منضبطة مع الاستفادة من الأدوات المساعدة على اكتساب عادات القراءة الإيجابية، ستندهش من القدر الذي تستطيع قراءته إن كانت لديك عزيمة.

أخيرًا، القراءة نشاط مرن للغاية من حيث المكان والوقت الذي يمكن أداؤها فيه: فيمكن أن تقرأ وأنت تتناول قهوتك الصباحية أو في طريقك إلى العمل أو وقت استراحة الغداء أو أثناء السفر أو حتى أثناء ممارسة الرياضة أو قبل النوم. أهم شيء أن يكون لديك الدافع الكافي والأدوات اللازمة لتكوين عادات قرائية إيجابية.

المصدر

شارك الصفحة
المزيد من المقالات
آملين أن تجدوا فيها ما يحفز فضولكم لاقتنائه، وقرائته مع تطبيق نديم!
لماذا لا يقرأ الطلاب الجامعيون؟ وماذا يسعنا أن نفعله حيال ذلك؟
يجب التمييز بوضوح بين تسوندوكو والبيبلومانيا/هوس اقتناء الكتب لفهم حقيقة كل منهما.

تسوندوكو: فن شراء الكتب وعدم قراءتها قراءة المزيد »

على المسرح: مراجعة لكتاب تقديم الذات في الحياة اليومية

Picture of غلاء سمير أنس
غلاء سمير أنس

مُترجمة كُتب

“إذ يعلم الفرد أن جمهوره قادرٌ على تكوين انطباعات سيئة عنه، قد يشعر بالخجل من فعلٍ صادقٍ حسن النية لمجرد أن سياق أدائه يترك انطباعات زائفة سيئة. وعند الشعور بهذا الخجل غير المُبرر، قد يشعر أن من الممكن رؤية مشاعره، وإذ يشعر بأنه مرئي على هذا النحو، قد يشعر أن مظهره يُثبت هذه الاستنتاجات الخاطئة حياله. وقد يضيف بعدئذٍ إلى هشاشة موقعه الانخراط في تلك المناورات الدفاعية التي كان ليستخدمها لو كان مذنباً حقاً. وبهذه الطريقة، من الممكن لنا جميعاً أن نصبح عند أنفسنا، ولوهلة عابرة، أسوأ شخص يمكن أن نتخيل أن الآخرين يمكن أن يتخيلوننا عليه. وبقدر ما يحافظ الفرد على عرضٍ أمام الآخرين لا يؤمن به هو نفسه، فإن بمقدوره أن يختبر عالماً خاصاً من الاغتراب عن الذات ونوعاً خاصاً من حذر الآخرين”

 إرفنغ غوفمان

قد يكون “تقديم الذات في الحياة اليومية” من أفضل الكتب التي ترصد الحياة الاجتماعية للبشر، وتعقيدها أمام الحياة الفردية التي يمكن أن يعيشها المرء مستغرقاً في نفسه، ففي هذا الكتاب، يشرح غوفمان الأداء المسرحي الذي نظهر به أمام بعضنا، والانطباعات التي نريد تعزيزها في نفوس الآخرين عنا، والكيفية التي يستطيع بها كلٌ منا رسم صورته الاجتماعية التي قد تكون متناقضة تماماً مع صورته كفرد عادي.

ولتوضيح الكيفية التي يلعب بها المؤدون أدوارهم في مسرح الحياة، يبدأ الكاتب في الحديث عن الانطباع الذي يريد كلٌّ منا تركه على الآخرين بحكم الدور الذي يؤطر نفسه ودوره في داخله، ورغم أنه قد يبدو متهكماً حيال دوره أو يستغرقه دوره ويستنزفه، فإنه يعتمد في كلتا الحالتين على تعريف لوضعه وإعدادٍ له يشمل البيئة المحيطة، ومظهرٍ مناسب له وأدوات ينقل عبرها الانطباع الذي يريده، وهذا كله يتطلب منه طاقة وجهداً وعناية بالتفاصيل وانتباهاً فريداً، الأمر الذي يشغله عن شخصيته الحقيقية ويخلق بينه وبينها مسافة تظل في ابتعادٍ مستمر:

“كثيراً ما يجد الأفراد أنفسهم أمام معضلة التعبير مقابل الفعل. فأولئك الذين لديهم الوقت والموهبة لأداء مهمة من المهمات على نحوٍ حسن قد لا يكون لديهم، بسبب ذلك، الوقت أو الموهبة لتبيان أنهم يؤدون أداءً حسناً”

وفي أدائه لدوره، فإن المرء لا بد أن يستند إلى “كواليس” أو خلفية وجودية له يمارس فيها دوره الطبيعي أو الأكثر حقيقة، أي الحيز الذي يمكن أن تتمثل فيه شخصيته الحقيقية وسماته وخصائصه، وهو الحيز الذي يشاركه مع غيره من المؤدين ويحتفظون فيه بأسرار الدور وكواليسه وطرق إخراجه والمبادئ الضرورية لإنجاحه وسلامته. وبقدر المثالية التي يضفيها الأفراد على أدوارهم وأدائهم، فإنها تظل هشة أمام الزلات والهفوات والأخطاء، الأمر الذي يتطلب منهم حرصاً دقيقاً لمنعها، لا سيَّما عندما يكون الجمهور مترصداً لهذه الأخطاء، يعظِّمها ويبرزها وينتقد الأفراد فيها، ومن هنا، تكون المكانة الاجتماعية تمثيلًا يؤدى بحرص وليس شيئاً يُمتلك.

وعندما يُعنى المرء بأدائه في الحياة، فإنه يرسم “واجهة شخصية” له تعبر عن وسطه وموقعه، فيعمد إلى التحقيق الدرامي لدوره ومن ثم إضفاء الطابع المثالي على دوره في المجتمع الذي يريد أن يكون جزءاً منه، فيلجأ إلى الحذر الشديد والتحكم التعبيري بنفسه ورصد حركاته وأقواله وانفعالاته ضمن صورته الجديدة التي يريد تثبيتها، غير أنه، ورغم ذلك، قد يقع في زلات وهفوات وإساءة تمثيل درامي تكشف عن بعض زيفه أو تصل منطقة الواجهة الشخصية لديه بمنطقة الخلفية التي يعيش فيها كفرد عادي.

وفي رسم المرء لصورته الاجتماعية وعنايته بدوره المسرحي، فإنه ينضم إلى فريق أو أكثر من فرق الحياة، والذي تسود فيه ملامح التعاضد بين أعضائه والاتفاق المشترك على حفظ أسرار الإخراج والأدوار، والإبقاء على الكواليس بعيدة عن أعين الجمهور، فتنشأ بين أفراده علاقات وطيدة تدعم الدور في النهاية وتعززه. قد يكون فريقاً مهنياً أو طبقياً أو فنياً وخلافه، وعندها سيتوجب عليه اتباع قانون الفريق في الحفاظ على صورته العامة وهيبته وسمعته، وهو في فريقه يتنقل بين المناطق (الواجهة والخلفية) فيتبدل سلوكه تماماً تبعاً للمنطقة ومعاييرها، كما تُبدل مضيفات الطيران سلوكهن أمام الركاب ومن خلفهم، حيث لكل منطقة قوانينها ومعاييرها الواجب اتباعها، ولكن قد يواجه المرء منطقة ثالثة متمثلة في مقابلته جمهوراً جديداً ومختلفاً أثناء مقابلته جمهوراً معيناً ومحدداً، وعندها سيتوجب عليه الفصل بينهما لتمثيل دوره على أكمل وجه أمام كل منهما.

وقد يلعب الأفراد أدواراً مختلفة في حياتهم، تخدم الفريق تارة والجمهور تارة أخرى، وتكون جميعاً مستندة إلى معرفة الفرد بأسرار الدور وطبيعته وإعداده والطريقة التي تضمن مثاليته، ففي حين يترصد فردٌ من الجمهور للأخطاء، يختار آخر إفشاء أسرار الفريق للجمهور، وآخر يستخدم حنكته لإصلاح الأخطاء والتبرير لها، وآخر يكون مختصاً بإعداد الدور وضمان الانطباع السليم عنه، وآخر يشاهد العرض وينخرط فيه واعياً بدوره لإثبات مثالية أداء الفريق، وآخر يلعب دور السمسار في التوفيق بين فريقين، وهناك من يكتفي بدور المشاهد الذي لا يُعتد برأيه ولا يؤخذ بمنظوره.

وبين أعضاء الفريق، يكون هناك اتصال خفي وضروري يضمن نقل المعلومات والإشارات في حضرة الجمهور، منعاً لاطلاع الأخير على ما يجري بعيداً عن أنظاره، كما يحدث في انتقاص الأفراد لقدر الجمهور في غيابه، وتواطؤ الأعضاء في عدم إفشاء أسرار الدور، وإعادة اصطفافهم ضمن فرق عديدة مختلفة عند مقابلتهم مختلف الطبقات والمجموعات الاجتماعية، كما يشمل ذلك حديث الأفراد عن شروط الإخراج ومبادئه.

إلا أن بعض الأخطاء تحدث بالفعل، لا سيَّما عندما يطلع أحد من الجمهور على الكواليس بفعل الصدفة أو بعد الترصد الحريص، ما يتطلب من الفريق ضرورة الإيمان بالولاء الدراماتورجي للدور وتحقيق الانضباط بينهم والاحتراس لمنع تكرار أية أخطاء سابقة، الأمر الذي يُدعى بضرورة إدارة الانطباع. أما الجمهور فيكون واعياً لوقوع هذه الأخطاء، فقد يتسم باللباقة في المسامحة والغفران والتغاضي، وقد يتبع إجراءات وقائية عديدة تمنع إيقاع المؤدين في الحرج في حضرته. ما يفسر الاضطراب الشعوري الذي يلازم الفرد في حياته الاجتماعية، مفكراً في سلامة دوره وانطباعات الآخرين، فيظل في موقف دفاعي مستمر لا يفتأ اللجوء إليه.

غير أن لحظات الاعتراف أو الصراحة تظل حاضرة عندما ينهار هذا البناء الهش، ويتمكن كلا الفريقين من الاطلاع “على عورات” الآخر، وعندئذٍ “تتكشف فجأة وبشدَّة البنية الدراماتورجية للتفاعل الاجتماعي برمَّتها، ويختفي مؤقتاً الخط الفاصل بين الفريقين. وسواءً كانت هذه النظرة القريبة إلى الأشياء تجلب العار أو تثير الضحك، فمن المرجح أن يعود الفريقان بسرعة إلى شخصيتيهما المُحددتين”.

ينطوي التفاعل الاجتماعي في حد ذاته على اضطرابات على مستوى الشخصية والتفاعل والبنية الاجتماعية، أي أن الإحراج وملامح الإذلال التي يشعر بها المرء تكون جزءاً أصيلاً منه. ومن هنا فإن السمة الأخلاقية للدور لا تكون حقيقية بل تُعد جزءاً من الأخير وتمثيلاً له، الأمر الذي يدعوه الكاتب بتجارة الأخلاق: “نحنُ كمؤدِّين تجار أخلاق. ويومنا مكرَّس للتماس الحميم مع البضائع التي نعرضها وعقولنا مفعمة بتفهمها العميق”. لذلك نظل منشغلين بهذه “البضائع” التي نعرضها وبدرجة الإقناع التي يمكننا الوصول إليها مع المشترين لها.

يشير الكاتب في النهاية إلى أن هذه الأدوار والأداءات تكون مؤقتة في الغالب، وضرورية للحفاظ على الأوضاع الاجتماعية للمرء في البنية الاجتماعية التي يعيش ضمنها، ويؤكد على أن هذه خصائص المجتمع المدني الذي يفصل بين المجالين العام والخاص فصلاً حاداً، الأمر المختلف في بقية المجتمعات، لاختلاف حدة هذا الفصل وطبيعته.

يُقدم الكاتب أطروحته مشيراً إلى أهمية المقاربة الدراماتورجية في دراسة المؤسسات الاجتماعية، وإلى أن لعبة الفرد التي يلعبها كل منا في وجوده الحقيقي والخاص تكون في العادة أكثر سهولة وأخلاقية ولباقة وصدقاً من لعبة الأداء المسرحي التي نهتم بموجبها بصورتنا في أعين الآخرين، وانطباعاتهم عنا وعن تفضيلاتنا، والتي تنطوي على تجارة الأخلاق والتصنع المستمر، وفي هذا الصدد، فهو لا يشبه الحياة بالدراما المسرحية كما هو المثل الشعبي، بل يخبرنا ببساطة أن التقنيات التي يستند إلهيا الأداء المسرحي مستمدة في الأصل من الواقع، فنحن جميعاً نلجأ إليها لتثبيت أوضاعنا الاجتماعية في منطقة ما وفريق ما، تماماً كما يعمد الممثل المسرحي إلى تثبيت وضعه أمامنا ضمن القصة التي يظهر لنا ببراعة أنه يعيشها.

شارك الصفحة

على المسرح: مراجعة لكتاب تقديم الذات في الحياة اليومية قراءة المزيد »

لا شيء معي إلا كلمات: مراجعة كتاب الكلمات وتأثيرها على العقل

Picture of طارق اليزيدي
طارق اليزيدي

مشرف على مبادرات قرائية

يُعد كتاب “الكلمات وتأثيرها على العقل” للدكتور أندرو نيوبيرغ ومارك روبرت والدمان مرجعًا متعمقًا يستكشف العلاقة بين اللغة وكيفية تأثير الكلمات على العقل البشري. نقلته إلى العربية الأستاذة رفيف غدار وطُبع في الدار العربية للعلوم ناشرون.

يقدم الكتاب فهماً علمياً وأدبياً حول كيفية استخدام الكلمات ليس فقط كوسيلة للتواصل، بل كأداة قوية تؤثر على هيكلية الدماغ وعملياته العصبية. ويقدم كذلك رؤية متكاملة بين علم الأعصاب وعلم النفس واللغويات. يعتمد الكاتبان في تفسيراتهما على دراسات علمية وتجارب عملية، مما يضفي مصداقية على ما يقوله الكتاب حول قوة الكلمات في تشكيل إدراكنا وسلوكياتنا.

الأساس العلمي لتأثير الكلمات على العقل

يستند الكتاب إلى فرضية أن الكلمات ليست مجرد رموز لنقل المعلومات، بل هي محفزات عصبية قوية تؤثر على التركيبة الكيميائية للدماغ. يوضح الكاتبان، من خلال تجارب علمية ودراسات تصوير الأعصاب، كيف أن الكلمات التي نستخدمها ونسمعها تؤثر على نشاط مناطق معينة في الدماغ. فعلى سبيل المثال، الكلمات الإيجابية تعزز من إفراز هرمونات السعادة مثل الدوبامين، بينما يمكن للكلمات السلبية أن تثير مناطق الخوف في الدماغ مثل اللوزة الدماغية، مما يؤدي إلى زيادة إفراز هرمونات التوتر مثل الكورتيزول.

تشير الدراسات التي أوردها الكتاب إلى أن استخدام الكلمات الإيجابية يساهم في تحفيز النشاط العصبي في مناطق الدماغ المرتبطة بالرفاهية والتفاؤل. ومن المعروف أن استخدام لغة إيجابية يعزز من مستويات الثقة بالنفس ويزيد من التفاعلات الاجتماعية الإيجابية. يوضح الكتاب كيف أن هذه الكلمات تؤثر مباشرة على المناطق القشرية في الدماغ مثل القشرة الأمامية، التي تُعنى بالتخطيط واتخاذ القرارات، ويعزز هذا التأثير من قدرة الإنسان على التفكير بشكل منطقي واتخاذ قرارات مدروسة.

على الجانب الآخر، تُحدث الكلمات السلبية تأثيرًا مغايرًا تمامًا. حيث يتسبب استخدامها المتكرر في تحفيز المناطق الدماغية المرتبطة بالخوف والتوتر. تستجيب اللوزة الدماغية لهذه الكلمات بطريقة مشابهة لاستجابتها للتهديدات الجسدية الحقيقية، مما يؤدي إلى زيادة مستويات التوتر والإجهاد. ويشير الكاتبان إلى أن التأثير لا يتوقف على اللحظة الحالية فحسب، بل يمكن أن يكون للكلمات السلبية آثار طويلة المدى تؤثر على الصحة العقلية والجسدية للفرد، ويمكن أن تؤدي إلى تطور اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب، حيث تضعف الكلمات السلبية الروابط العصبية المسؤولة عن التفاعل الاجتماعي والتعاطف.

استند نيوبيرغ ووالدمان إلى تجارب متعددة باستخدام تقنيات مثل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) ودراسات الموجات الدماغية EEG لقياس تأثير الكلمات على مناطق مختلفة من الدماغ. تشير هذه التجارب إلى أن الدماغ يستجيب للكلمات كما لو كانت أحداثًا مادية. على سبيل المثال، إذا سمع الفرد كلمة تحمل معنى سلبيًا، فإن نشاط الدماغ يكون مشابهاً لذلك الذي يظهر عند تعرض الشخص لخطر حقيقي، وقد اكتشفا أن التعرض المتكرر للغة سلبية أو عدائية يؤثر على بنية الدماغ الفعلية، حيث يؤدي إلى تغييرات طويلة الأمد في المناطق المسؤولة عن الذاكرة والعاطفة.

أبعادٌ أخرى للتأثير

واحدة من النقاط المهمة التي تناولها الكتاب هي تأثير الكلمات على الإدراك الاجتماعي. يوضح الكاتبان كيف أن الكلمات التي نستخدمها للتفاعل مع الآخرين تؤثر على طريقة تفكيرنا فيهم وفي أنفسنا، فحين يستخدم الشخص كلمات مشجعة وإيجابية مع الآخرين، فإن هذا لا يؤثر فقط على مشاعرهم بل ينعكس أيضًا على نظرته لنفسه وقدراته. على العكس، فإن استخدام لغة سلبية أو ناقدة يؤدي إلى تفاقم العزلة الاجتماعية وتدمير العلاقات الشخصية.

في سياق أدبي، يعرض الكتاب كيفية تأثير الكلمات على العاطفة والإبداع. يذهب الكاتبان إلى ما هو أبعد من الجانب العلمي لتفسير الأثر الشعري والروائي للكلمات. الكلمة الواحدة قد تحمل معانٍ متعددة حسب السياق، وتخلق عالمًا من الإيحاءات التي تتفاعل مع مشاعر الفرد وخياله. ومن هنا، يمكن أن تلعب الكلمات دورًا في تشكيل التجارب الشخصية والفنية.

يؤكد الكتاب أن استخدام الكلمات الإيجابية والهادئة يمكن أن يكون له تأثير علاجي. في الأدب والشعر، غالبًا ما تُستخدم الكلمات لنقل مشاعر عميقة وتجارب إنسانية معقدة. يشير الكاتبان إلى أن قراءة نصوص أدبية مفعمة بالمعاني الإيجابية يمكن أن تعزز من عملية الشفاء العاطفي وتخفيف التوتر. الأدب يمكن أن يُستعمل كوسيلة لإعادة بناء الذات وتقوية الشعور بالهوية.

الأدب هو أحد أكثر الأشكال تأثيرًا للكلمات، حيث يعكس تفاعل الخيال البشري مع اللغة. يوضح الكاتبان أن الكلمات الأدبية قادرة على استحضار صور وأحاسيس في العقل بطريقة قد تكون أعمق من الكلمات العادية، فالقراءة تعزز من تدفق الدوبامين في الدماغ، مما يسهم في تحسين المزاج والإبداع. كلما تعمق القارئ في نص أدبي مليء بالخيال، كلما أصبح ذهنه أكثر انفتاحًا على أفكار جديدة ووجهات نظر مختلفة.

الذات وكلماتها

يُعنى الكتاب أيضًا بتقديم نصائح عملية حول كيفية استخدام الكلمات بطريقة تعزز الصحة النفسية والعقلية، فيكشف المؤلفان عن عدة أساليب يمكن للأفراد اتباعها لتقليل تأثير الكلمات السلبية وزيادة التأثير الإيجابي.

يشير الكاتبان إلى أهمية الانتباه إلى الكلمات التي يستخدمها الفرد في حديثه مع نفسه. الكلمات التي نوجهها لأنفسنا يمكن أن تكون أقوى من تلك التي نتلقاها من الآخرين. ومن هنا، يأتي مفهوم “إعادة تشكيل اللغة الذاتية”، أي تحويل الحديث الداخلي السلبي إلى حديث إيجابي أو على الأقل محايد. على سبيل المثال، بدلاً من قول “أنا فاشل”، يمكن للشخص أن يقول “لقد تعلمت من هذا الخطأ”. هذا التغيير البسيط يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في الصحة العقلية للفرد.

الكتاب يركز أيضًا على كيفية استخدام الكلمات كأداة تحفيزية. يعتمد الكثير من القادة والمدربين على لغة إيجابية ومشجعة لبناء فرق ناجحة وتحفيز الآخرين على تحقيق أهدافهم. يقدم الكتاب أمثلة حول كيفية استخدام العبارات الملهمة في التأثير على الأداء الشخصي والجماعي. يمكن للغة التحفيزية أن ترفع من الروح المعنوية وتزيد من الإنتاجية، سواء في العمل أو الحياة الشخصية.

من خلال استعراض تأثير الكلمات على المجتمع، يشير الكاتبان إلى أن الكلمات لا تؤثر فقط على الأفراد، بل يمكن أن يكون لها تأثيرات جماعية. في السياسة، الإعلام، والدين، تُستخدم الكلمات كأدوات للتأثير على الجمهور وتشكيل الرأي العام. يستعرض الكتاب أمثلة من التاريخ توضح كيف تمكنت بعض الشخصيات من استخدام اللغة بفعالية للتأثير على ملايين الأشخاص، سواء بشكل إيجابي أو سلبي. يشدد الكتاب على أن الفهم العميق لقوة الكلمات يمكن أن يساعد الأفراد على التفكير النقدي وتجنب التأثيرات السلبية للكلمات الخطابية.

الخلاصة:

يقدم كتاب “الكلمات وتأثيرها على العقل” للدكتور أندرو نيوبيرغ ومارك روبرت والدمان نظرة شاملة ومتكاملة حول تأثير اللغة والكلمات على العقل البشري. يجمع الكتاب بين الأدلة العلمية والتفسيرات الأدبية ليُظهر كيف يمكن للكلمات أن تؤثر بشكل مباشر على دماغنا وعواطفنا وسلوكياتنا. سواء كانت الكلمات إيجابية أو سلبية، فإنها تلعب دورًا محوريًا في تشكيل تجاربنا الحياتية، ليس فقط على المستوى الفردي بل على المستوى الجماعي أيضًا. يعزز الكتاب من أهمية الوعي باللغات التي نستخدمها ويدعونا إلى التفكير في كيفية استخدام الكلمات بشكل إيجابي وبناء لتحسين حياتنا وحياة الآخرين.

شارك الصفحة

لا شيء معي إلا كلمات: مراجعة كتاب الكلمات وتأثيرها على العقل قراءة المزيد »