Author name: nadiim

خدعة الشغف: مراجعة لكتاب الوظيفة المُرضية

Picture of كتابة: سيكار رايتس
كتابة: سيكار رايتس

ترجمة: يارا عمار

“الوظيفة المُرضية: استرداد حياةٍ سلبها العمل”، كتابٌ يسلط الضوء على أسطورة أنّ قيمتنا مرتبطة بحياتنا المهنية. رغم تركيز الكتاب على ثقافة العمل في الولايات المتحدة، فإني موقنة بأن هذه الظاهرة شائعة في جميع أنحاء العالم، وأنّ رسالة الكتاب عالمية. يروي سيمون ستولزوف في كل فصل قصصًا من قطاعات مختلفة، مما يجعل الكتاب مناسبًا للقراء من مختلف الخلفيات، ويشجع على التأمل في علاقة الفرد بالعمل. يوصي المؤلف باستخدام الكتاب كأداة للتأمل، حتى تدرك أن هويتك تتجاوز عملك الذي تكسب به قوت يومك.

أرى أن الكتاب سيلقى قبولًا لدى أولئك الذين ينعمون بالامتياز والأمن المالي الذي يسمح لهم باختيار وظائفهم وتحديد معنى الرضا بالنسبة لهم، أما من يعيش على الكفاف فقد يصعب عليهم تطبيق أفكار الكتاب. يتناول ستولزوف هذه القضايا النظامية ويختتم ببعض التوصيات: على الحكومات أن تفصل بين البقاء والعمل، وعلى الشركات أن تهتم بأمر موظفيها بصدق، وعلى الأفراد أن يحددوا معنى الرضا بأنفسهم.

الملخص

كل إنسان مشغول في ظل هذا العالم المعولم. جميعنا محاصرون في نظام رأسمالي يتجاوز الاقتصاد، بل هو اعتقاد اجتماعي أيضًا. هذا الاعتقاد يخبرنا أنّ قيمتنا مرتبطة بقدر ما ننتج، فصارت الإنتاجية تُرى فضيلة أخلاقية، وليست مجرد مقياس.

لماذا نعمل كثيرًا؟

  • العوامل الاقتصادية: الأجور الراكدة تجبر كثيرًا من الناس على العمل ساعات أطول من أجل توفير الاحتياجات الأساسية فحسب.
  • العوامل النظامية: يفتقر الكثير إلى قوة المساومة الاجتماعية للمطالبة بتحسين ظروف العمل.
  • العوامل الأيديولوجية: كانت الرأسمالية متأصلة بعمق في ثقافتنا، إلا أننا شهدنا تحولًا ثقافيًا كبيرًا في العقود الأخيرة، حتى صار يُتوقع الآن أنّ العمل وسيلة لتحقيق الذات والشعور بالمعنى. وبهذا الاعتقاد الجديد أصبح العمل انعكاسًا لشغفنا وهويتنا.

توقع أن العمل سيكون مُرضيًا دائمًا قد يفضي إلى المعاناة

أثبتت الدراسات أن “الشغف المفرط” بالعمل يؤدي غالبًا إلى ارتفاع معدلات الإرهاق والضغوط المرتبطة بالعمل. أضف إلى ذلك أن أنماط الحياة المتمركزة حول العمل في دول مثل اليابان تساهم بشكل كبير في انخفاض معدلات الخصوبة. كما أن التوقعات المبالغ فيها عن النجاح المهني مرتبطة بارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق. ومما ينذر بالخطر أن العدد السنوي للوفيات الناتجة عن المشكلات المرتبطة بالعمل الزائد أكبر من عدد الوفيات الناتجة عن الملاريا.

“سيظل العمل هو نفسه العمل. بعض الناس يعملون فيما يحبونه، وبعضهم يعمل ليتسنّى لهم ممارسة ما يحبونه في أوقات فراغهم، وكلا الغرضين شريف.”

أنيس مججاني

وبعيدًا عن الأبحاث: نحن نعلم بديهيًا أن التوقعات العالية للغاية تؤدي غالبًا إلى خيبة الأمل. عندما نتوقع أن العمل هو سبيل تحقيق الذات، فسنرى كل ما هو دون ذلك فشلًا. وظائفنا ليست بيدنا دائمًا، وربط قيمتنا الذاتية بحياتنا المهنية نهج محفوف بالمخاطر.

ربط الحياة المهنية بالهوية

تشير الأبحاث النفسية إلى أننا نُحسن التعامل مع الصدمات عندما نطور جوانب مختلفة من أنفسنا. إن تركنا جانبًا واحدًا من هويتنا يهيمن على شعورنا بالذات، فستقل قدرتنا على التأقلم مع التغيير. على سبيل المثال، الأشخاص ذوو الاهتمامات المتنوعة أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب أو الأمراض الجسدية بعد المرور بحدث مرهق.

عندما ترتبط هويتك بشيء واحد، مثل وظيفتك أو ثروتك أو نجاحك كأب، فإن أي مشكلة في هذا الجانب يمكن أن تضر باحترامك لذاتك بشدة. فقدان هويتك المهنية قد يكون صدمةً كبرى، خاصة إن لم تبذل وقتًا لتطوير جوانب أخرى ذات معنى في حياتك.

نحن أكثر من مجرد وظائفنا، نحن أشقّاء وأصدقاء وهواة وجيران. وتحتاج هوياتنا، مثل النباتات، إلى وقت ورعاية حتى تنمو، وإن لم نرعَها قد تذبل. غالبًا ما يكون أصحاب الهوايات والاهتمامات المتنوعة خارج العمل أكثر إنتاجيةً في وظائفهم.

إعادة النظر في وظائف الأحلام

  • نحن نعزز مفهوم وظيفة الأحلام ونجعله الهدف النهائي في الحياة منذ اللحظة التي نسأل فيها الطفل: ماذا تريد أن “تكون” عندما تكبر؟
  • النصيحة الشائعة بأن تتبع شغفك قد تكون مضلّلة أو مؤذية حتى. بالنسبة لأولئك الذين يحبون عملهم: توقع أن هذه الوظيفة ستظل وظيفة الأحلام دائمًا يجعلهم عرضة لخيبة.
  • الوظيفة علاقة اقتصادية في المقام الأول.

عملك لا يساوي قيمتك

تقول عالمة النفس جانا كورتز إنه ينبغي أن نستكشف هُويات مختلفة ونستثمر بجد في أنشطة خارج العمل حتى نبني شعورًا أقوى بالذات. بعبارة أبسط: حتى نفهم مَن نحن خارج إطار وظائفنا، ينبغي أن نقوم بأنشطة غير مرتبطة بالعمل.

الهوايات التي تركز على هدف، مثل التدريب لسباق الماراثون أو تحديد هدف قرائي للعام، قد تحفزنا للقيام بأنشطة خارج العمل، لكنها ما زالت تنطوي على شعور بالإنجاز، وهو ما يجعلها تبدو شبيهة بالعمل. هذا لا يعني أنّ هذه الهوايات ضارة، لكنها قد تُنسينا متعة اللعب التي عرفناها في الصغر.

يعد اللعب علاجًا طبيعيًا للهوس بالعمل، فهو يركز على الفضول والدهشة بدلًا من المنفعة أو التحسن، ويساعدنا على عيش اللحظة، ويذكّرنا بأننا أكثر من مجرد موظفين.

المكانة لا تعادل النجاح

عندما نقول إن شخصًا ما ناجح فنحن نقصد غالبًا أنه يكسب مالًا كثيرًا، لا أنه سعيد ومُعافى. نحن نستخدم وسائل التواصل الاجتماعي الآن منابرَ لإظهار إنجازاتنا. قد تلهمنا الجوائز والتقديرات لتحقيق أهدافنا، إلا أننا نفقد استقلاليتنا باعتماد تعريفات غيرنا للنجاح. فبدلًا من أن ننشئ فكرتنا الخاصة للنجاح، نقبل فكرة موضوعة مسبقًا.

إن اختيار مهنة بناءً على الرغبات الشخصية فحسب، دون النظر إلى متطلبات السوق، يُحتمل أن يؤدي إلى نفقات تعليمية باهظة ثم قد لا تحظى بفرصة عمل جيدة. الفنانون -على سبيل المثال- قد يجدون صعوبة في التركيز على فنهم بسبب القلق المستمر إزاء دفع الإيجار. ومن الجهة الأخرى، اختيار مهنة بناءً على متطلبات السوق فحسب، دون النظر إلى الشغف الشخصي، قد يؤدي إلى سلوك طريق لم يرغب فيه المرء أبدًا. حتى وإن كنت تحب ما تفعله، فإن الضغط من أجل التقدم في حياتك المهنية قد يطغى على المتعة التي جذبتك إليها في المقام الأول.

الحل هو أن تضع تعريفًا شخصيًا للنجاح يوازن بين قيمك ومتطلبات السوق. كما قال عالم اللاهوت فريدريك بوخنر: ابحث عن “النقطة التي تتلاقى فيها متعتك العميقة وأشد احتياجات العالم”.

مشكلة العمل الزائد لا تخضع لسيطرتنا وحدنا

العمل الزائد مشكلة نظامية تتأثر بالعوامل الاقتصادية والسياسية والثقافية، مما يصعّب معالجتها فرديًا.

كما أن الحلول النظامية لها حدودها. على سبيل المثال، سياسات العطلات السخية والمزايا الصحية للموظفين لا تحدث فرقًا كبيرًا إن استمر المديرون في فرض أعباء عمل ثقيلة على الموظفين.

وعلى المستوى السياسي، الحماية الحكومية لا تؤثر إلا عندما تطبَّق بصرامة.

تغيير ثقافة العمل يتطلب أكثر من مجرد إعلان الشركات عن أيام للصحة النفسية أو ممارسة الموظفين هواياتهم. كثير منا يحتاج إلى إعادة التفكير بشكل جذري في دور العمل في حياتنا. على المؤسسات أن تغيّر عملياتها، وعلى الموظفين أن يتخلصوا من فكرة أن قيمتهم مرتبطة بإنتاجيتهم فحسب.

المصدر

شارك الصفحة

خدعة الشغف: مراجعة لكتاب الوظيفة المُرضية قراءة المزيد »

هل الأب أمٌ ثانية، أم هل القرد في عين أبيه غزالة؟

pexels-mikhail-nilov-7929356

قبل أن أُرزق بمولودٍ ذكر؛ استحال عليّ فهم العلاقة بين الابن وأبيه، وذلك لأن أبي توفّي عنّا ولم أبلغ الخامسة من عمري. ولا أجد له في ذاكرتي سوى مقاطع متفرّقة لا تشفع بتكوين صورةٍ متكاملة عن طبيعة العلاقة بين الآباء والأبناء، ولا أجد في نفسي مشاعر حقيقيّة حيال هذه العلاقة، وبالتالي لم أستطع التفريق بين هذه العلاقة وعلاقة الإنسان بأمه حتى وقت قريب. وطالما تساءلت:

  • ما طبيعة العلاقة بين الابن وأبيه إن لم تكن عاطفةً محضة، وأمنيات كبيرة، ودعوات مستمرة، وغزيرة؟
  • وهل يجب أن يُحب الأب ابنه حبًّا رقيقًا كما تحبُّه أمه؟
  • وهل القرد في عين أبيه غزالًا كما هو حاله في عيون الأمهات؟

في الأدب الحديث بقطبيه الشرقيّ والغربي، جاءت محاولات عدّة في زجّ الأب داخل حلبةٍ من المقارنات مع الأم، وهذا لا يتم إلا بافتراض تقاربٍ مفتعل بين دوريهما. فمثلا جاء في الأدب الغربي في محاولات كثيرة؛ الأب الذي يقوم بدور الأم بعد أن تُفقد الأم أو تقرر التخلي عن ابنها أو بنتها. الأب الحنون الذي يعطي بلا مقدمات ويقدّم الحنان على التوجيه، والعاطفة على العقل، ويكبر ويتّسع حضنه أكثر مما يُتكأ على كتفه وظهره. حاول بعضهم لفت النظر لهذا النوع من الآباء الذين حتّمت عليهم الظروف لعب دور الأبوّة والأمومة معًا، وصارت مقارنة عاطفة الأب بعاطفة الأم مقبولة من هذا الباب، لكني أجدها محاولات بائسة ولا تمثل واقع الرجل الحقيقي الذي نعرفه في الشرق وفي الغرب.

وجاء في الأدب الحديث محاولات كثيرة لمقاربة هذه العلاقة، وفهم دور الأب بعيدًا عن الأم، وحينا بالمقارنة معها. والذي يهمنا في هذا السياق والأشهر في هذا الصدد رواية البؤساء لفيكتور هوغو، والذي حاول فيها تصوير علاقة الأب بـابنته حتى وإن كانت علاقةً بالتبنّي. “فالجان”بطل قصّتنا؛ يختار طواعيةً منه تبنّي الفتاة “كوزيت”، وهو باختياره تبنّي هذه الطفلة الوحيدة والمظلومة يشبه كل الآباء في كل زمان ومكان. الأب يختار حب الذريّة لا يُوهبها كما في حالة الأم. فالقصّة تلخّص عاطفة الأب تجاه بنيه بشكلها الطبيعي. أن يكبر الحب وينمو مع الأيام، ولكنها لا ترقى لأن تصوّر الأب كأم ثانية بمعنى الحاضنة والحنونة والعاطفيّة.

وفي المقابل، قصة ذكرها المفكر عبد الوهاب المسيري وكانت حجرَ أساس في هدايته للإيمان بوجود الله بعد أن كان في شكٍّ من ذلك في أول حياته. يذكر أنه لما بلغ مبلغ الرجال وقرر الزواج، وقد أحب زميلته في الجامعة وعزم على الدخول بها بعد أن تمدد الحب وكبُر بين الإثنين، فكان أن تُوّج هذا الحب بالزواج. ومضت الحياة كما يتوقعها متلذذا بالحب ومغمورًا به إلى أن جاءت اللحظة التي تبدّل فيها كل شيء؛ لحظة الولادة. ذُهل صاحبنا من عاطفة الأم المفاجئة التي نشأت بلا مقدّمات مع ولادة المولود الجديد، وأن الفتاة صارت تحب هذا المخلوق الجديد والضعيف وكثير البكاء أكثر منه. وهو الذي بذل وأعطى وضحّى حتى استحق حبّها وحنانها ورعايتها، أما هذا المخلوق الصغير فماذا فعل حتى تحبّه كل هذا الحب، وتُؤثره على كل أحد. لم يستوعب هذه العلاقة الجديدة والتي هي فطريّة وبلا شروط. ما أن تلد المرأة حتى تحبّ مولودها وتتفانى في هذه المحبة. بعكس الرجل الذي ينمو حب أولاده فيه مع الوقت، لا يأتي دفعةً واحدة. من هذه الحادثة علِم يقينًا أن الذي وهبهم هذا الطفل لم يتركه عبثًا وفجّر قلب أمه بالعاطفة والحب حتى ترعاه حق الرعاية، ومن هنا علِم أن الإنسان لم يُخلق عبثًا وأن الطبيعة لا تعمل من تلقاء نفسها، بل بـ تدبير الله وحكمته.

ووجدت في نفسي بعد أن صرتُ أبًا أن الأب لا يمكن أن يكون أمًّا ثانية، وأنه رغم قربه ووالديّته؛ عقل مدبّر ومتّزن أكثر مما هو قلبٌ مخلصٌ ومحبّ. فالابن ليس في عين أبيه غزالًا، لأن الأبَ لا يغض الطرف عن مساوئ الأبناء كما تفعل الأم وتلهج لربّها لهم بالدعاء.

وهذا هو الخيط الرفيع بين الآباء والأمهات بالنظر إلى الأبناء. الأب كالعصا التي تنذر بالعقاب ليستقيم سيرك وتنضبط برؤيته أنت وغيرك، بينما الأم كالحياة التي تُوهب بلا مقدّمات. هي هبة ربّانية خالصة؛ وتظل كما هي حتى آخر يوم من العمر.

الأب هو المُؤدّب والمُؤدب لابد له من عصا، والعصا هنا رمزيّتها أبعد من النزعة للعقاب، بل قد تجيء بمعنى السند الذي يُتّكأ عليه، والمعيل الذي يُهَشّ بها عليهم. فهكذا وصف نبي الله موسى عليه السلام عصاه: (قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ (18)). والهشُّ: “أن يضع الرجل المحجن في الغصن، ثم يحركه حتى يسقط ورقه وثمره، ولا يكسر العود”. وهنا يتجلّى دور الأب الحقيقي، الذي يأتي بمعنى المقوّم للخطأ، والسند الذي يُتكأ عليه، والمعيل الذي يُلتفت إليه لما تتكوّن الرغبات.

والأب حضن دافئ مالم تخرج عن طاعته أو تخالف التوقعات، فهنا تضطرب في قلبه العاطفة وربّما خاب أمله وانحنى ظهره وآثر الصمت على الكلام، ونقص في قلبه الحب والاهتمام، بينما الأم تظل حضنًا دافئًا لك حتى وإن كنتَ طاغيةً مجرمًا شريرًا.

والأب بحسب تضحياته وكثرة مسؤوليّاته يظن ظن المتيقّن أن الأبناء سيفعلون الشيء ذاته، حين يطول به العمر ويحتاج فيه لهم. فهو ينظر إليهم نظرته للعصا، تلك التي سيتكئ عليها بينما كان يهشّ بها على نفسه والعيال. فالعصا هنا تجيء بمعنى أن يكون الأب هو السند الذي يعوّل عليه الأبناء، ثم تلعب الدور ذاته حين يتقدم بالأب العمر، فيكون الابناء هم العصا التي يتكئ عليها في كبره والتي تهشّ عليه من ورق الشجر وثمره.

وكما يقول جاسم الصحيّح:

روحُ الأُبُوَّةِ تحمينا من الكِبَرِ   ما مِنْ أبٍ فائضٍ عن حاجةِ البشرِ

ما مِن أبٍ فائضٍ عن حجمِ لهفتِنا   للحُبِّ.. للفطرةِ الأسمى من الفِطَرِ

آباؤُنا! يا لَأَفعالٍ مُضارِعةٍ   مرفوعةٍ بالضَّنا والكدِّ والسهرِ

هُمْ يحملونَ الليالي عن كواهلِنا   فيكبرونَ، ونبقى نحنُ في الصِّغَرِ

والخلاصة أن كلاهما يحبّ ضناه ويسعى بجَهدهِ ووقتهِ ومالِه لمضاعفةِ سعادتهم وتقليلِ آلامهم على طريقته وما جُبل عليه منذ اليوم الأول من مجيئهم إلى الدنيا، ولكن كلٌ بما جُبل عليه.

شارك الصفحة
المزيد من المقالات
هذا هو الخيط الرفيع بين الآباء والأمهات بالنظر إلى الأبناء

لكن لفت انتباهي من بينها عادة بعينها، وهي أنهم "يقرأون... لكن ليس من أجل

معرفة القيمة الحقيقية لإعادة القراءة تأتي من بحث محاسنها ومثالبها

هل الأب أمٌ ثانية، أم هل القرد في عين أبيه غزالة؟ قراءة المزيد »

هل استعدت أي ذكريات طيبة في الآونة الأخيرة؟

pexels-hson-5216874

وقعت قبل يومين على مقالة تتحدث عن “تسع عادات يومية للأثرياء” والتي تميزهم عن ذوي الإمكانيات المتواضعة. أغلب العناصر المدرجة في المقالة واضحة، لكن لفت انتباهي من بينها عادة بعينها، وهي أنهم “يقرأون… لكن ليس من أجل المتعة”. لا يضيع الأثرياء ساعات طويلة بين دفتي رواية، بل يُفترض أنهم يكرسون وقت قراءتهم للكتب غير الروائية، مثل التي تتناول استراتيجيات تحسين الذات أو المعلومات العملية المتعلقة بوظائفهم. يرتبط بهذه المقالة أيضًا مقالة أخرى عن الإدارة المالية تناقش “نمط تفكير معين يميل الجميع [الأثرياء] إلى تجنبه”.

تلك العادة الذهنية السلبية -وفقًا للمقالة- هي الحنين إلى الماضي. ببساطة: لا يشعر الأثرياء بالحنين إلى الماضي، بل إن “عقليتهم موجهة نحو المستقبل” ولا تقدّر في الماضي سوى الدروس التي يُستفاد منها في اتخاذ قرارات الأعمال المستقبلية. وبما أني شخص ذو شهية نهمة للروايات الخيالية وميل إلى الحنين، فمن الطبيعي الآن أن أتساءل عن العامل المشترك بين هاتين العادتين السلبيتين (وما إذا كان عليّ أن أغير نهجي غير العملي). كشفت بعض البحوث عن وجود قدر كبير من القواسم المشتركة بين القراءة الترفيهية والحنين إلى الماضي. فبالإضافة إلى أن كليهما أنشطة ذهنية تقدَّر في المقام الأول للمتعة التي تجلبها -وهو سبب غير نفعي على الإطلاق- فقراءة الروايات للاستمتاع واسترجاع ذكريات الماضي يشتركان في بعض القواسم الدقيقة التي تجعلهما أنشطة عملية أكثر مما يبدو للوهلة الأولى.

من الخصائص المشتركة والمهمة للغاية بين قراءة الروايات والشعور بالحنين: الشبكة العصبية التي يوظفها كل منهما. عندما ينهمك شخص في مهمة تتطلب تركيز شديدًا -كصفقة تجارية مثلًا- تنشط “الشبكة التنفيذية المركزية” في دماغه. وعندما لا يوجَّه الانتباه نحو مهمة محددة، تنشط “شبكة الوضع الافتراضي”. وهذه الشبكة -يطلق عليها أيضًا وضع “شرود الذهن”- هي التي تنشط أثناء التحديق خارج النافذة أو أثناء القيادة لمسافات طويلة على طريق سريع ممتد. وتنشط أيضًا عند القراءة الترفيهية واسترجاع ذكريات الماضي، فكلا النشاطين يتضمن إنشاء تمثيلات ذهنية للمشاهد المحكية: المشاهد الافتراضية في الحالة الأولى، والذاكرة الشخصية في الثانية. قد يبدو ربط هذه المشاهد الذهنية بوضع شرود الذهن داعمًا للطبيعة غير النفعية المتصوَّرة عن القراءة الترفيهية والشعور بالحنين، وصحيح أن الوضع الافتراضي أحيانًا يصرف انتباهنا عن المهام التي تتطلب تركيزًا تامًا، إلا أنه لا يلزم أن يكون كل خروج عن الوضع التنفيذي تافهًا أو غير عملي.

 الأمر كله متعلق بما يشرد فيه الذهن عندما يفعَّل الوضع الافتراضي. من النتائج العملية لشرود الذهن المرتبط بالقراءة الترفيهية والشعور بالحنين: زيادة الإبداع. أظهرت دراسة أجريت في جامعة تورونتو أن قراءة عمل خيالي قللت مستوى “الإغلاق المعرفي” أو الرغبة في “التخلص من الغموض والحصول على إجابات محددة”، مما زاد من مرونة الأفراد المشاركين في التعامل مع حل المشكلات. وتوصلت دراسة أخرى أجريت في جامعة ساوثهامبتون عن الشعور بالحنين إلى نتائج مشابهة أيضًا، حيث وُجد أن المشاركين الذين شعروا بالحنين كانوا أكثر إبداعيةنتيجة “الانفتاح على التجربة” أو “التحول من حالة تجنب المخاطرة إلى الرغبة في خوض تجارب جديدة” المرتبطة بالشعور بالحنين. وهذا الانفتاح على الأفكار والتجارب المرتبطة بالقراءة والشعور بالحنين يعزز الأساليب الإبداعية في اتخاذ القرارات وحل المشكلات.

توجد نتيجة أخرى عملية وغير متوقعة للقراءة الترفيهية واسترجاع الذكريات، وهي تتعلق بالتفاعل الاجتماعي. عادة ما يفسَّر الانغماس في قراءة الكتب أو عيش تجارب الماضي ذهنيًا على أنه سلوك غير اجتماعي، لكن قد يكون العكس هو الصحيح. فمحاكاة العالم الاجتماعي التي يجربها المرء عندما ينغمس في عمل خيالي يمكن أن تحسّن مهاراته الاجتماعية، حيث تتاح له فرصة تجربة مجموعة من التفاعلات الاجتماعية بشكل خيالي. وهذه “المعرفة الاجتماعية” المكتسبة من التفاعلات الخيالية يمكن نقلها إلى العالم الواقعي وتطبيقها خارج دفتي الكتاب، وبالتالي سيُحسن القارئ التصرف في مختلف المواقف الاجتماعية. ومن المثير للدهشة أن الحنين إلى الماضي كذلك له بُعد اجتماعي. نظرًا لأن ذكريات الحنين تتضمن غالبًا أشخاصًا آخرين -مثل العائلة والأصدقاء- فاسترجاع التجارب المشتركة معهم يمكن أن يعزز الشعور بالترابط الاجتماعي، ويحسّن “ثقة المرء في قدرته على بدء التفاعلات والعلاقات، ومشاركة أفكاره، وتقديم الدعم العاطفي للآخرين”. وبالتالي، فالقراءة الترفيهية والشعور بالحنين -على عكس الصورة النمطية- وسيلة لتقريبنا من الناس، لا إبعادنا عنهم.

أيضًا من فوائد القراءة الترفيهية والشعور بالحنين ما يتعلق بتطوير المهارات الاجتماعية: التعاطف. فالانغماس في قراءة الروايات -خاصة الروايات الأدبية- يحسن قدرة القارئ على فهم ما يفكر فيه الآخرون وما يشعرون به، مما يؤدي إلى زيادة التعاطف والسخاء. وكذلك الحنين إلى الماضي -وهو عاطفة اجتماعية تبني اتصالًا رمزيًا مع أحبّائنا- يعزز الإحساس بالترابط الاجتماعي، فيزداد التعاطف والرغبة في مساعدة الآخرين. يساعد التعاطف مع الآخرين على فهم طريقة تفكيرهم ورؤيتهم للعالم. وهذا الفهم وإن كان قيمة جوهرية من وجهة نظر إنسانية بحتة، إلا أن له فائدة عملية وهي توقع استجابات الآخرين لمبادرات المرء في الساحة الاجتماعية.

إنني أشك أن الأثرياء -كقاعدة عامة- يتعمدون تجنب القراءة الترفيهية واسترجاع الذكريات بحجة الإضرار بأعمالهم. إن كان من الطامحين إلى الثراء مَن يميل إلى تجنب هذه المسليات الذهنية لأنها غير عملية ويراها مضيعة للوقت، أقول له: لا داعي للقلق، القراءة الترفيهية والشعور بالحنين بالتأكيد لن يؤثروا على فرص المرء في الثراء، بل قد يساعدان بطريقتهما الخفية!

المصدر

شارك الصفحة
المزيد من المقالات
هذا هو الخيط الرفيع بين الآباء والأمهات بالنظر إلى الأبناء

لكن لفت انتباهي من بينها عادة بعينها، وهي أنهم "يقرأون... لكن ليس من أجل

معرفة القيمة الحقيقية لإعادة القراءة تأتي من بحث محاسنها ومثالبها

هل استعدت أي ذكريات طيبة في الآونة الأخيرة؟ قراءة المزيد »

لماذا نعيد قراءة الكتب؟

pexels-stockphotoartist-1082953

إعادة القراءة متعة يشوبها الشعور بالذنب بالنسبة لكثير من الناس، كما تصفها باتريشيا ماير سباكس في كتابها حول إعادة القراءة بـ “الانغماس في متعة مُذنبة”. كيف يترك قارئ متفانٍ قائمته القرائية الزاخرة بالقصص الجديدة التي تنتظر من يستكشفها، ويضيّع وقته مع كتاب يعرفه بالفعل؟ وفي الوقت ذاته، يشيد الأكاديميون على مر التاريخ بإعادة القراءة باعتبارها الطريقة الوحيدة لفهم النص فهمًا حقيقيًا. ولو قابل قارئ جاد شخصًا يقول إنه “قرأ هذا الكتاب عشرات المرات”، فقد يشعر بشيء من النقص.   

إلا أنّ معرفة القيمة الحقيقية لإعادة القراءة تأتي من بحث محاسنها ومثالبها، وبالتالي ربما تخف حدة المشاعر غير المريحة المصاحبة لكلتا الحالتين.

محاسن إعادة القراءة

لماذا نعيد القراءة؟ تتعدد الإجابات كما تتعدد أسباب قراءة الكتاب للمرة الأولى، والمتعة على رأسها. ومع ذلك، فإعادة القراءة تعطي القارئ شعورًا بالراحة النفسية بفضل استقرار القصة المقروءة وطبيعتها الثابتة، أو توقظ فيه مشاعر الحنين إلى ذكريات محبوبة. وقد تمثل إعادة القراءة تجربةً اجتماعية أيضًا، وذلك عندما يكون هدفها مشاركة شخص يقرأ الكتاب لأول مرة.  

فهم التعقيدات

غالبًا ما يناقش الأكاديميون فوائد إعادة القراءة من جهة كونها وسيلة لتحسين فهم النصوص المعقدة وفهم الذات.

يتّفق معلّمو الأطفال في سن القراءة المبكرة مع معلّمي اللغات الأجنبية على أن إعادة القراءة تحسّن الاستيعاب، ولا يقتصر ذلك على التعرف على الكلمات الأساسية، بل يشمل فهم الأحداث وإدراك التفاصيل الدقيقة وتطوير المهارات التحليلية أيضًا. كذلك لا غنى عن إعادة القراءة بالنسبة للبالغين، خاصة في البيئات الأكاديمية، من أجل فهم النص بما يكفي لبناء حجج نقدية قوية. وقد وصل الأمر إلى درجة تحديد قيمة العمل الأدبي بناءً على قابلية إعادة قراءته.

يقول فلاديمير نابوكوف في كتابه محاضرات في الأدب:

“عندما نقرأ كتابًا للمرة الأولى، فإن الجهد المبذول في تحريك أعيننا من بداية السطر إلى نهايته، سطرًا بعد سطر، وصفحة بعد صفحة، هذا العمل الجسدي المعقد الذي نقوم به تجاه الكتاب، إلى جانب عملية فهم ما يتحدث عنه الكتاب، كل هذا يحول بيننا وبين تقدير قيمته الفنية”.

إن إعادة القراءة تُكسب القارئ فهمًا للنص لا يتحقق بمجرد القراءة الأولى. ومن دونها ربما يكون من المحال تقدير المواهب الدقيقة للكاتب، أو فهم الأفكار والموضوعات المعقدة للنص.

 

فهم الذات

تعد إعادة القراءة شكلًا من أشكال التأمل الذاتي. تقول سباكس: “إعادة القراءة الهادفة في حد ذاتها تُنتج نوعًا من الوعي الذاتي”. وبما أن الكتاب لا يتغير أبدًا، فقد يمثل معيارًا يُقاس عليه مدى نمو القارئ، كما توضح: “إن ثبات الكتب المُعاد قراءتها يبني شعورًا قويًا بالذات… فهو يكشف عن تطور الذات أو استمراريتها”. وبالتالي، قد تمثل إعادة القراءة وسيلةً لإعادة النظر في الذات والتغيرات التي طرأت عليها منذ القراءة الأولى.

مثالب إعادة القراءة

ومع ذلك توجد مساوئ محتملة لإعادة القراءة، فهي تستهلك الوقت، وتصرف القراء عن قوائمهم القرائية الطويلة، وقد تكون تجربة مُحبطة إن لم يظل الكتاب محبوبًا للقارئ كما كان في ذاكرته منذ القراءة الأولى. قد ينزعج المرء أيضًا من إدراك التغيرات التي طرأت عليه، كما قد تضيع بعض التفاصيل الدقيقة، وتحسين الفهم ليس مضمونًا بالضرورة.

ظاهرة المكسب والخسارة

يطرح ديفيد غاليف في كتابه “أفكار ثانية” ظاهرة المكسب والخسارة في إعادة القراءة: حقيقة أن بعض التجارب لا يمكن أن تُعاش إلا في القراءة الأولى، وتُفقد في القراءات التالية. يقول “النظرة السائدة لإعادة القراءة أنها عملية مكمّلة نتعلم منها أكثر وأكثر حتى نستوعب كل كلمة في الكتاب. إلا أن مثل هذه المراجعة المستمرة قد تُضعف حساسيات معينة” ومن بينها تأثير الحبكة، كالتشويق والعفوية. فالمشاعر التي تنتاب القارئ، كالمتعة والإثارة والفضول، تدفعه إلى الإسراع في القراءة، مما يجعله يغفل عن التفاصيل الدقيقة التي تظهر في القراءات التالية، لكن هذه المشاعر عناصر مهمة أيضًا قد تخفت في القراءات التالية.  

زيادة الألفة زيادة الاستيعاب

إضافة إلى ما سبق، ما لم تكن إعادة القراءة مركزة ومقصودة لاكتساب أفكار جديدة، فقد لا تؤدي إلى تحسين الفهم. نشرت مطبعة بيلكناب التابعة لجامعة هارفارد عام 2014 مقالة تنتقد إعادة القراءة كاستراتيجية دراسية لأنها “تنطوي غالبًا على نوع من الخداع الذاتي غير المقصود، إذ أن زيادة الألفة مع النص تبدو وكأنها إتقان للمادة”. وهذا ينطبق كذلك على إعادة قراءة الأدب، فلا يلزم أن يكون فهم مَن قرأ كتابًا عشرات المرات أدق ممن قرأه مرةً أو اثنتين فقط، لكن كان يسعى إلى استيعاب النص وتعميق رؤيته مع كل قراءة.

لماذا نعيد القراءة؟

لماذا نكترث إذًا بإعادة القراءة إن كان لها مثل هذه المثالب؟ يجدر الانتباه إلى أن ظاهرة المكسب والخسارة التي اقترحها غاليف تختلف من كتاب لآخر ومن قارئ لآخر. فالروايات الغامضة مثلًا تفقد عنصر التشويق، والقصص القصيرة ذات النهاية المفاجئة تفقد عنصر المفاجأة، لكن إعادة القراءة تجعل القارئ في حالة ترقب. إلا أن ذلك لا ينطبق على الجميع بالضرورة كما يشير غاليف، فالقارئ المناسب قد يستمتع أكثر بقراءة القصة وهو يعرف نهايتها. وقد يصعب فهم أعمال ويليام فولكنر وإن كان في القراءة الثانية أو الثالثة (أو الرابعة حتى)، لكن هذه الصعوبة جزء من المتعة التي يعيشها القارئ المناسب.

لإعادة القراءة قيمة جوهرية، لكن هذه القيمة ذاتية. إن أعدت القراءة من أجل تحسين فهمك للجوانب الفنية الدقيقة والمعقدة، فاعزم على أن تخرج من النص بأكثر من مجرد الألفة. وإن كنت تعيد القراءة من أجل المتعة، فركز على الجوانب التي تستمع بها، وانتبه إلى أن بعض العناصر قد لا تجد لها نفس التأثير في القراءة التالية.

لا ينبغي أن يشعر أي قارئ بأنه غير مُنجز لأنه آثر إعادة قراءة كتاب مفضل على الالتزام بقائمته القرائية، أو لأنه لا يعيد القراءة إلا نادرًا، فلكل من الحالتين متعة خاصة.

المصدر 

 

شارك الصفحة
المزيد من المقالات
هذا هو الخيط الرفيع بين الآباء والأمهات بالنظر إلى الأبناء

لكن لفت انتباهي من بينها عادة بعينها، وهي أنهم "يقرأون... لكن ليس من أجل

معرفة القيمة الحقيقية لإعادة القراءة تأتي من بحث محاسنها ومثالبها

لماذا نعيد قراءة الكتب؟ قراءة المزيد »

سؤالات الإبداع: مراجعة لكتاب الدماغ الخلّاق

Picture of طارق اليزيدي
طارق اليزيدي

مشرف على مبادرات قرائية

يتحدث كتاب “الدماغ الخلّاق” لعالمة الأعصاب نانسي أندرياسن (Nancy Andreasen) الذي نُشر في عام 2005 عن موضوع الإبداع من زاوية علمية تتجاوز التفسيرات التقليدية التي تحصر الإبداع الفني أو الابتكار العلمي في مجرد “موهبة فطرية” أو “إلهام مبهم.”

الكتاب يقع في 254 صفحة، ترجمه إلى العربية حميد يونس ونشرته جامعة الكوفة في قسم الدراسات الفكرية عام 2019م

ينطلق العمل من تعريف الإبداع بوصفه عملية عقلية معقّدة تنتج أفكاراً جديدة وأصيلة ذات قيمة، سواء في المجالات الفنية أو العلمية أو الثقافية عموماً. ما يميز هذا الطرح هو أنه لا يكتفي بالمظاهر الخارجية للابتكار، بل يسعى إلى فهم الأسس العصبية الكامنة وراء القدرة على تجاوز المألوف وإعادة صياغة المعارف والأدوات بطرق مبتكرة.

يتمحور الإطار النظري لأندرياسن حول فرضية أن الدماغ البشري يمتلك بنية ووظائف مرنة تمكّنه من إيجاد روابط غير متوقعة بين أفكار ومعلومات متباعدة، وتوليد حلول جديدة لمعضلات معقّدة. وترى المؤلفة أنّ القدرة الإبداعية ليست حكراً على الأفراد “العباقرة” وحسب، بل إنها كامنة في معظم العقول، وإنْ بدرجات متفاوتة، ويمكن تعزيزها بالمحفزات الصحيحة.

ما يثير الاهتمام في هذا الكتاب هو طموحه لتوحيد نتائج أبحاث متفرقة: دراسات تصوير الدماغ الوظيفي، وتحاليل المقارنة بين سِيَر مبدعين مرموقين، وأبحاث في علم النفس المعرفي وعلم الأعصاب الوجداني. هذه المقاربة التكاملية تمهّد السبيل لفهم أكثر علمية لما يحدث حين “تتوهّج” الفكرة الخلّاقة في الذهن، وحين تنبثق لحظة “الإلهام” التي طالما حيرت الباحثين. يتيح هذا المدخل النظري للقارئ رؤية جديدة للإبداع، بوصفه نتاجاً لعلاقة بنيوية بين نشاط القشرة المخية، والظروف البيئة، والعوامل النفسية، ما يجعل العملية الإبداعية ظاهرة يمكن وضعها تحت مجهر علم الأعصاب بشكل منهجي.

الأسس العصبية وبيولوجيا التفكير المبتكر

يركّز الكتاب على رسم خريطة عصبية للإبداع، في محاولة للكشف عن المسارات الدماغية التي تؤدي إلى إنتاج الأفكار المبتكرة. توصّلت أندرياسن، عبر استعراضها للدراسات التي استخدمت تقنيات التصوير العصبي، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) والتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET)، إلى أن الإبداع ليس وظيفة منطقة واحدة منعزلة، بل نشاط متداخل لشبكات عصبية متعددة الاختصاصات. تتضمن هذه الشبكات مناطق مسؤولة عن التركيز والانتباه، وأخرى معنيّة بعملية استدعاء الذاكرة بعيدة المدى، بالإضافة إلى مناطق تهتم بالتمثيل البصري والتخيل الرمزي.

يظهر من هذه الدراسات أن المخ البشري يوظّف بمرونة عدّة أنماط من التفكير: النمط التقاربي الذي يسعى لإيجاد الحل “الصحيح” لمسألة ما، والنمط التباعدي الذي يجمع بين عناصر متباعدة لا يجمعها رابط واضح. هذا النمط الثاني هو ما يميز التفكير المبتكر، إذ يتيح للدماغ اختبار فرضيات جديدة، والتجرؤ على السير في مسارات ذهنية غير مألوفة. وتلفت المؤلفة الانتباه إلى أنّ المناطق المسؤولة عن معالجة الدلالات المجازية، وإقامة تشبيهات غير اعتيادية، تلعب دوراً أساسياً في تعزيز القدرة على الابتكار.

من جهة أخرى، يؤكد الكتاب على مفهوم “المرونة العصبية” (Neuroplasticity)، أي قابلية الدماغ لإعادة تشكيل الروابط بين الخلايا العصبية استجابة للخبرات الجديدة. هذه الخاصية تمنح الدماغ الحرية لإعادة تنظيم معارفه، واختبار علاقات سببية وموضوعية مختلفة، ما يسمح بتوليد حلول غير مسبوقة. بناء عليه، يمكن فهم الإبداع بوصفه ديناميكية عصبية مستمرة، تهدف إلى تطوير نماذج عقلية جديدة بدل الاقتصار على الأنماط المستهلكة.

الذكاء، الخيال والظروف النفسية المساعدة

لا يتجاهل الكتاب أهمية الذكاء في عملية الإبداع، لكنه يفصل بين الذكاء بوصفه قدرة تحليلية وحلّالية، وبين الخيال الذي يمكّن العقل من تجاوز الواقع المباشر. تُظهر الدراسات التي تستعرضها أندرياسن أن مستوى الذكاء فوق المتوسط قد يكون شرطاً ضرورياً، لكنه ليس كافياً وحده لإنتاج الأفكار الخلّاقة. فالذكاء التحليلي يساعد على تنظيم المعلومات، غير أن الإبداع يتطلّب إطلاق العنان للتخيل، والانفتاح على احتمالات جديدة.

تشدّد المؤلفة أيضاً على أهمية الظروف النفسية والعاطفية في دعم التفكير المبتكر. فالإبداع يحتاج إلى قدر من الحرية الداخلية، وإلى بيئة ذهنية تخلو من القيود الصارمة أو الخوف المفرط من الفشل. يعمل الانفتاح الوجداني، وحب الاستطلاع، والشغف المعرفي على تغذية الرغبة في الاستكشاف العقلي، وتحويل التحديات إلى فرص لاختبار خيارات جديدة. هكذا يتضح أن العملية الخلّاقة تنبثق عند توازن دقيق بين التحليل المنضبط والخيال الحر.

ترتبط القدرة على التفكير الابتكاري كذلك بسمات شخصية معيّنة، مثل المرونة أمام التغيير، وتقبّل الغموض، والاستعداد للتعلم المستمر. هذه السمات توفر بيئة داخلية خصبة للتجريب، وتمكّن الفرد من تحدي القوالب النمطية والخروج من شرنقة المألوف. بذلك، يجتمع الذكاء والخيال والحالة النفسية الداعمة لتشكيل أساس صلب ينطلق منه الدماغ نحو عوالم جديدة من الأفكار.

البيئة والتنشئة ودورهما في دعم التفكير الخلّاق

يؤكد الكتاب على أن الإبداع ليس نتاجاً لمعطى بيولوجي ثابت فحسب، بل إن السياق الاجتماعي والثقافي يلعب دوراً محورياً في تنمية القدرات الذهنية الخلّاقة. فقد يبرز الدماغ المبتكر عند الأفراد الذين يحظون ببيئة تحفّز التساؤل، وتسمح بتجاوز الحدود المعرفية السائدة. تُظهر أندرياسن كيف أنّ التنشئة التي تشجع الأطفال على طرح الأسئلة، واستكشاف الأفكار المختلفة، وتنمية مواهبهم وتقدير محاولاتهم، تسهم في تأسيس قاعدة متينة للإبداع المستقبلي.

تظهر أهمية التدريب والممارسة في هذا السياق. فحين يتعرض الفرد لتجارب متنوّعة، ويلتقي بأشخاص من خلفيات معرفية مختلفة، ويطّلع على أعمال فنية وعلمية مبتكرة، يصبح الدماغ أكثر استعداداً لإقامة روابط ذهنية جديدة. علاوة على ذلك، تلعب المؤسسات التعليمية والمنظومات الاجتماعية دوراً في توفير “مساحة ذهنية آمنة” للتجريب. مجتمعات تقدّر الاختلاف وتكافئ التفكير النقدي تعزّز بروز العبقريات.

من جهة أخرى، يشير الكتاب إلى أهمية الفترات الزمنية والظروف التاريخية. فالثورات العلمية والفنية الكبرى غالباً ما بزغت في لحظات ازدهار فكري ساهمت فيها جامعات، ومراكز علمية، وحركات ثقافية نشطة. هذا البعد الحضاري يؤكد أن الإبداع ظاهرة جماعية بقدر ما هو موهبة فردية، وأن البيئة الملائمة قد تحفّز عقولاً عديدة للوصول إلى ابتكارات فذّة.

الموهبة، العبقرية والاضطرابات العقلية المحتملة

يتطرّق الكتاب إلى مسألة طالما أثارت الجدل: العلاقة بين العبقرية والاضطرابات النفسية. يعرض المؤلفون في الدراسات التي تستعين بها أندرياسن أدلة على أن نسبة ملحوظة من الشخصيات المبدعة عبر التاريخ عانت من حالات مثل الاكتئاب أو الاضطراب ثنائي القطب. يفسّر البعض هذه العلاقة بأن الحساسية العالية لدى المبدعين، ونزوعهم لاستكشاف أعماق المشاعر، قد تجعلهم أكثر عرضة للمعاناة النفسية.

مع ذلك، تحرص المؤلفة على عدم اختزال العبقرية في الإضطراب العقلي. الإبداع ليس نتيجة اختلال وظيفي فقط، بل قد يكون للألم النفسي دور في حفز عملية البحث عن حلول جديدة ومبتكرة. لا توجد علاقة خطية تحتم ارتباط الموهبة بالمرض، إلا أنّ بعض العقول المبدعة تعمل في ظروف وجدانية مضطربة تعيد تشكيل النظرة للعالم.

تعالج أندرياسن هذه النقطة بحذر، مشيرة إلى ضرورة فهم هذه العلاقة في سياقها، وعدم اتخاذها كقاعدة عامة. فقد يبدع المرء دون أن يعاني من أي اضطراب، والعكس صحيح. الأهم هنا هو إدراك أن النفس البشرية، بما فيها من تعقيد وانفعالات مختلطة، قد تهيّئ أحياناً مساحات جديدة للخيال، وتدفع نحو إعادة تشكيل الواقع، وفي ذلك مؤشر على درجة من التداخل بين الجانب الانفعالي والعصبي في إنتاج الأفكار الخلّاقة.

الإبداع في الفنون والعلوم: توافقات واختلافات

يستعرض الكتاب أمثلة تاريخية لفهم كيفية تجلي الإبداع في مجالات مختلفة. ففي الفنون، يميل المبدع إلى تحرير الخيال من قيود المنطق المباشر، والسماح للأفكار والمشاعر بالتعبير في صور غير مألوفة. أما في العلوم، فيتجلى الإبداع في صياغة نظريات جديدة، واختبار فرضيات غير مطروقة، وإعادة تفسير المعطيات بطرق مبتكرة. لكن المفارقة تكمن في أن التفكير العلمي المبدع أيضاً يحتاج إلى جانب تخيّلي، يتيح له تجاوز المعطيات الخام وتكوين نماذج تصورية تساعد على فهم الظواهر.

هكذا يتضح أن الإبداع ليس حكراً على حقل معرفي دون آخر، بل هو خاصية عامة للعقل البشري. والاختلاف قد يكمن في طبيعة المقاييس التي يقيّم بها كل مجال مدى أصالة الإنتاج. ففي الفن، قد يكفي التعبير الجديد والإحساس الجمالي غير المسبوق. أما في العلم، فيحتاج الإبداع إلى برهنة تجريبية ومنطقية لتأكيد صلاحية الفكرة.

من خلال هذه المقارنة، يوضح الكتاب أن الإبداع عملية تعددية الأدوات والوسائل. سواء أكان المرء عالماً فيزيائياً أم روائياً أم موسيقياً، فهو يوظف آليات عصبية متشابكة تتيح له تشكيل رؤية جديدة للعالم. هذا التنوع هو ما يجعل الإبداع متجذراً في طبيعة العقل البشري، وقابلاً للظهور في ساحات فكرية وجمالية متعددة.

دور الذاكرة واللغة والتصوير الدماغي في كشف أسرار الإبداع

تمنحنا دراسة الذاكرة واللغة رؤية أعمق لآلية تشكّل الأفكار المبتكرة. فالذاكرة ليست مخزناً سلبياً للمعلومات، بل منظومة ديناميكية لإعادة تشكيل المعارف وإعادة دمجها في سياقات جديدة. الإبداع يتطلّب استدعاء معلومات مختلفة، وقدرة الدماغ على “تفقيس” روابط مفاجئة بين عناصر غير مترابطة ظاهرياً. هنا يتجلى دور الذاكرة بعيدة المدى في تقديم مخزون ثري من الأفكار، ودور “ذاكرة العمل” في دمجها لحظياً لإنتاج تصوّرات طازجة.

اللغة أيضاً تسهم في تشخيص الإبداع، إذ تسمح ببناء رموز تمثيلية للأفكار، وصياغة استعارات ومقارنات تفتح آفاقاً غير مسبوقة في فهم المفاهيم. فالقدرة على اللعب بالكلمات والصور الذهنية تيسّر تكوين تركيبات عقلية جديدة. يتجلّى هذا بوضوح عند الشعراء أو المفكرين الذين يستخدمون لغة مجازية لإعادة صياغة الواقع، وعند العلماء الذين يصيغون نظرياتهم في نماذج لغوية تساعد على استيعاب ظواهر معقّدة.

أما التصوير الدماغي فقد ساهم في تقديم أدلّة تجريبية ملموسة على وجود أنماط نشاط مميزة ترافق اللحظات الإبداعية. عندما يشعر المرء بما يُعرف بـ”ومضة البصيرة” (Insight)، يرصد الباحثون تبدّلات في نشاط مناطق معيّنة من الفصوص الصدغية والجبهية. تلك المعطيات التجريبية تدعم التفسيرات النظرية، وتتيح لنا رؤية “حيّة” لعمل الدماغ وهو يعيد ترتيب الأفكار ويرسم مسارات جديدة في شبكة معقّدة من الخلايا العصبية.

نحو فهم أعمق للإبداع وتطبيقات مستقبلية

يصل الكتاب في ختامه إلى نتيجة محورية: الإبداع ظاهرة متعددة الأوجه، تتداخل فيها العوامل البيولوجية والمعرفية والوجدانية والثقافية، وتتجلّى في مجالات متنوعة. هذا الفهم المعمّق يفتح الباب أمام تطبيقات عملية عديدة. فمن خلال فهم آليات الإبداع، يمكن للتربية أن تعمل على تنمية القدرة على التفكير النقدي والتصوري لدى الأطفال. ويمكن للمؤسسات التعليمية والبحثية توفير بيئة تحفّز الجرأة الفكرية، وتحتضن الأفكار غير النمطية، وتشجع على تبادل الخبرات المتنوعة.

كما قد يساعد هذا الفهم مؤسسات الابتكار التكنولوجي والصناعي على صياغة بيئات عمل مرنة، وفرق متعددة التخصصات، تشجع العاملين على استثمار تنوّع أفكارهم. في السياق نفسه، يمكن استخدام نتائج الأبحاث العصبية للتعامل مع المشكلات النفسية التي قد تواجه المبدعين، من خلال فهم أفضل للعوامل التي تؤثر على تذبذب المزاج والحالة العاطفية، وتقديم دعم يساعد على تحويل التوتر والقلق إلى طاقة ابتكارية إيجابية.

يخلص القارئ، بعد الاطلاع على هذا الاستعراض، إلى أنّ “الدماغ الخلّاق” لا يقدّم إجابات نهائية لكل الأسئلة، لكنه يضع أساساً علمياً متيناً لفهم أعمق للإبداع. إنّ إدراكنا بأن الأفكار الجديدة ليست مجرد خواطر عابرة، بل نتاج عمليات عصبية منظمة ومرنة، يجعلنا أكثر قدرة على توجيه قدراتنا نحو تطوير معارفنا وحل مشكلاتنا. بهذا، لا يظل الإبداع لغزاً مغلقاً، بل يتحول إلى حقل معرفي قابـل للدراسة والتحليل، وأداة أساسية لدفع عجلة الحضارة إلى الأمام.

شارك الصفحة

سؤالات الإبداع: مراجعة لكتاب الدماغ الخلّاق قراءة المزيد »

في مسرح الحياة: مراجعة لكتاب فوائت الحياة: في مدح حياة لم نعشها

Picture of غلاء سمير أنس
غلاء سمير أنس

مُترجمة كُتب

كتاب فوائت الحياة: في مدح حياة لم نعشها من الكتب التي تجرأتْ على التحليل النفسي للعوالم التي نعيشها بالتوازي مع حياتنا الواقعية، وبيَّنت ذلك في فصول عديدة يحمل كلٌّ منها مستوى مختلفاً من التحليل ويربطه مع سمة نفسية أو خصيصة أو أسلوب فنِّي أو أدبي، ما جعل الكتاب دراسة موجزة ومُهمة للعلاقة الوطيدة بين الفن والروح الإنسانية التي تصيبها الواقعية بالعقم.

يعيش كلٌّ منا في عالمه وواقعه راغباً في أشياء كثيرة، وشاعراً بحاجات عديدة، فإن لم تتحقق هذه في حياته وشعر بأن الأوان قد فات على المحاولة من جديد، شعر بالإحباط، لا سيما إن كان يتذرَّع به من أجل مواجهة مواقف تتطلب منه تغيير ذاته أو فكره لتحقيق ما يريد، عندئذٍ يكون الإحباط والغوص فيه ذريعة لذيذة يقبلها، بل يختارها، ليظل في موقع الضحية. ولكن هذا الموقف النفسي الرافض للتغيير والتأقلم يُنتج رغبة في الانتقام من العالم الذي لم يكن سهلاً، ولم يمنحنا ما نريد بدون مطالبته إيانا بتغيير بعض جوانب تفكيرنا، ويتمثل هذا الانتقام في كراهية الذات والآخر، ومطالبة الآخرين بالمستحيل، وفرض الرغبات عليهم من دون اعتبارٍ لما يريدونه وما يفضِّلونه، ويطرح الكاتب مثالاً على ذلك مسرحية الملك لير، حينما طالب لير ابنته الصغرى بأن تعلن له عن حبها، فرفضت الأخيرة لأنها رأت في ذلك نفاقاً لا يُشبهها، فكانت المسرحية تعبيراً عن محاولاته الانتقام منها.

نفهم من ذلك أن الإحباط ليس موقفاً سلبياً، بل مُنتجاً للعديد من الاضطرابات والمشاكل النفسية، كالوهم والخداع، بمعنى أن الشاعر بالإحباط نادراً ما يدري سبب إحباطه، فالإحباط ينتاب المرء مع غشاوة توضع على عينيه، فلا يعود يفهم سبب تعاسته وتصرفاته القهرية المؤذية، وعندما لا يعرف الإنسان نفسه جيداً، أي يجهل مصادر إحباطه وحقيقة حاجاته ورغباته وموقفه من الحياة، فإنه يُرضي نفسه بإشباعات تعويضية ووسائل تُخدِّر ألمه: الإحباط غير المُدرك، أو غير المُمثل، لا يُمكن إشباعه أو حتى الاعتراف به.

عندما لا يُدرك المرء في علاقة الحب سبب استنزاف مشاعره وقواه النفسية وشغفه ولهفته على ما يُحب من أنشطة ومهام، ويغفل عن مصدر ذلك في شريكه المنتقد له باستمرار، والذي يجعله في موقف دفاعي دائم عن نفسه كي لا يبدو غبياً أو أحمق أو سخيفاً لانهمامه بمهام يُحبها، فإنه يدمن محاولات إرضاء شريكه ويخلق الخوف في نفسه مما يُحب من أعمال، ويلزمه سلوك قهري بالتشكيك فيما يُحب ويفعل وفي مستوى قدراته وحقيقة مشاعره، فيظهر ذلك في سلوكات تعويضية يحاول عبرها التخفيف من ألمه، كالإدمان على العمل حتى الإرهاق، أو الرعاية المفرطة لشريكه، أو لوم الحياة على خياراتها المنقوصة دائماً، أو التقلب بين الخيارات النفسية الفقيرة لديه، فتارة يمتنع وتارة يحاول من جديد وتارة يتجاهل وتارة يكتئب وينكمش على نفسه. 

يجب أن يعترف المرء لنفسه بسبب إحباطه لكي يتمكن من إشباع رغباته بالطريقة الملائمة. فتجاهل الإحباط ومصدره والإدمان على الوسائل التعويضية التي لا تُجدي نفعاً لا يُمكن أن يطول، بل هو قصير المدى ومنتجٌ لاضطرابات نفسية ستحل محله فيزداد البؤس تعقيداً. إن الصورة المشوهة لدينا عن الإحباط الذي ينتابنا تترافق مع الصورة المشوهة عن الإشباع الذي نريده، فإن لم ندرك سبب الإحباط ومصدره، كيف سندرك العلاج الأمثل له، أي الإشباع؟

يطرح الكاتب مثال علاقات الحب لتبيان أن الحبَّ نتعرف إليه على شكل مُحتاجٍ ومانح، بدءاً من العلاقة بين الأم والطفل، والاعتراف بأن طبيعة الحب منطوية بالضرورة على انعدام مساواة بين الطرفين يوفِّر عليهما الكثير من التشوه في الصور، إن الإنسان مُحتاج إلى الآخر بالضرورة، وكلٌّ منا أدنى أو أعلى من الآخر في جوانب عديدة، ولكن تجربة الإحباط المشوهة تجعل المرء خائفاً من مواجهة خيارات الحياة الواقعية، والتي لا تكون مثالية، فيهرب إلى عالم الخيال والأمثلة الذهنية التي يتصور فيها إشباعه على هيئة إنسان يفهمه ويلبي ما يحتاجه، ربما من دون أن يطلب منه ذلك، ولكن هذا الإشباع لا يكون حقيقياً، بل مفرطاً في المثالية إلى درجة يكون فيها مجرد مراضاة نفسية مؤقتة، في مقابل الإشباع الواقعي ذي الاحتمالات العديدة. وإن المرء إذ يجد حبيباً في حياته الواقعية فإنه يكتشف عبره إحباطه الذي لازمه وظل خفياً عنه، وذلك إثر الإشباع الذي يمنحه إياه الحبيب، وهنا تكون تجربة اختيار الإشباع الواقعي رديفة الشعور المكثف بالإحباط لدى المرء، إثر اكتشافه إياه، وكأن المرء يتعرف إلى ما ينقصه عبر الآخر وبوساطته: مهما كنت تريد وترغب وتتمنى مقابلة الشخص الذي تحلم به، لن تبدأ الشعور بافتقاده إلا عندما تقابله“.

جدير بالذكر أن الكاتب يعود للتأكيد على أن الحلول الوهمية التي منَّينا بها أنفسنا من قبل ردَّاً على إحباطاتنا قد تظل ترافقنا طيلة حياتنا، ونلجأ إليها مراراً حتى لو كنا مدركين لطبيعتها وطبيعة حاجاتنا وضرورة الإشباع الواقعي لها، فالمعرفة لا تنفي الشعور في هذه الحالة، وعادة ما نهرب إلى الخيال من المشاعر التي تنتابنا تجاه الآخرين، عندئذٍ، قد يتحول هذا الإحباط إلى انتقامٍ، ويرتبط مصير المرء بما سيسفر عنه إحباطه.

إن تجربة الرغبة التي يخوضها المرء مُلزمة لنا بأن نكتشف الواقع من حولنا وإمكاناته وما يُمكن أن يقدمه لنا على هيئة إشباع مقبول، وعندما ندرك أن الإشباع الواقعي مهما كان مُرضياً لا يرقى إلى الإشباع الذهني والخيالي لدينا، فإننا نقع فيما يُدعى الإخفاق المتوقع للإشباع، ما قد يُسفر عن محاولة الإنسان تغيير ظروفه وشروط حياته لتحقيق إشباع أفضل، وهذا فعل إيجابي على النقيض من الانتقام من العالم. قد يبدو أن المرء ينتقل من إحباط عدم تلبية حاجته إلى إحباط تلبية حاجته بطريقة غير مثالية ومختلفة عما تصورها، ما يُبرر شعورنا بالغضب والتعاسة والحيرة، ولكن لا حلَّ لهذه المعضلة إلا عبرها، أي عبر إدراك حقيقتها وألا مفر منها، وليس في مقدورنا سوى تخفيف ألمها إلى الدرجة الأدنى.

إن المعرفة الزائفة التي يدَّعيها المرء عما يريد وعن حاجاته ورغباته تعميه عن معرفة ماهية إحباطه وكيفية إشباعه، بل ستعوقه دائماً في محاولات تصحيح ما يراه خاطئاً في نفسه والعالم، لذلك قد يرتدُّ إلى الانتقام والاستمتاع بالإحباط، وهذا مفهوم لأننا مجبولون على كره مواطن الضعف فينا والاعتراف بحاجاتنا، لذلك نلجأ إلى المداراة والتعويضات المؤقتة، غير أن علينا المحافظة على الرابط بيننا وبين الواقع عبر قبول ما يُتيحه لنا، ومحاولة تحسينه إن كان في مقدورنا ذلك. علينا أن نفهم بأن حاجاتنا غير واقعية، ولكن السبيل الوحيد إلى إشباعها يتمُّ بطريقة واقعية.

ولأننا نرفض ألم المعرفة بذواتنا وحقيقتنا فإننا نكره التحليل النفسي الذي يعرِّينا، غير أن معرفة الذات شرط مُهم لتحقيق الاتزان النفسي، سيتعين علينا الاختيار بين متعة المعرفة ومتعة السذاجة، أو ألم المعرفة وألم الإحباط، وبالطبع فإن عدم إدراك المرء نفسه متوازٍ مع فقر تواصله العاطفي مع نفسه والآخرين، إن الجاهل بنفسه لا يمكنه أن يتحدث بسهولة عن عواطفه، ولكن علينا الانتباه إلى أن ادعاء الإدراك عبر خلع المعاني التي نريد على الفعل أو السلوك رديفُ الجهل وعدم الإدراك، يجب أن يدرك الإنسان نفسه من حيث غموضه لا من حيث بساطة معرفته، لا يجب أن تكون رحلة اكتشاف الذات سهلة وإلا كانت مزيفة.

ولكن في حياة عدم الإدراك قد يكون الخيار مقصوداً لما وصفه لاكان شغفنا بالجهل أو فتغنشتاين بأننا مفتونونبإدراك الأمور، فلأننا نعرف أن في مقدورنا أن ندرك أو لا ندرك، وقد جربنا واختبرنا كلا الأمرين وكلا الحياتين، فإننا نختار حياة عدم الإدراك للآفاق الواسعة المنطوية عليها، وللعنف اللذيذ الذي تفرضه علينا، ومن هنا يكون التحليل النفسي مُحرراً لنا من حاجة أن نُدرِك وأن نُدرَك، أي يُخلص المرء من محاولة الإدراك وإقناعه بحياة الجهل لا لأنه يصعب عليه فهم الشيء بل لأن ليس هناك أي شيء لأن يفهمه، فالتحليل يُذكرنا بمحدودية إمكاناتنا وقدراتنا، أجل، يجب أن نفهم أنفسنا وندرك حاجاتنا كي لا ندع الإحباط يدمرنا، ولكن يجب أن ندرك في الآن ذاته أن هذه العملية طويلة وشاقة وغير مضمونة، وأننا محدودون بإمكاناتنا في اكتشاف ذواتنا، إننا كائنات معقدة لا يمكن لها أن تفهم ما يجري فيها، يقول الكاتب: أفضل قراءة لعمل فرويد هي بوصفه مرثاة طويلة لقابلية حياتنا للفهم. إننا نفهم حياتنا حتى تكون لدينا حُرية ألا نضطر لفهمها“.

وفي ذلك إشارة إلى ضرورة أن نقبل وجود الآخر من دون أن نحاول تأويله وفهمه وخلع معانينا عليه، إن امتلاك الآخر رديف الجهل بطبيعة الإنسانية ويجعلنا أكثر بعداً عن توقع السلوكيات الحتمية، كالتمرد والخيانة، علينا التصالح مع حقيقة حاجتنا إلى الآخرين والقبول بهم كمشروعات إنسانية مُستقلة عن محاولتنا تأويلهم، ومن هذا التصالح نفهم أن معرفة الآخر غير مهمة بقدر قبوله والإقرار بوجوده وحُريته في الخيار: إن معرفة الآخرين، في مصطلح التحليل النفسي، يُمكن أن يكون دفاعاً، أو الدفاع، ضد إقرار وجودهم الفعلي، وما نريد وجودهم من أجله“. ومع ذلك يجب أن يكون لدينا الحد الأدنى من هذه المعرفة، أو أن نقبل “بوهم المعرفة” شرط أن ندرك دائماً بأنها معرفة عرضية وزائفة ومتقلبة، فهذه المعرفة الجزئية تُمكننا من الإقرار بوجود الآخرين، وهي تدحض الرغبة أو تنفيها أو تُمنطقها، غير أنها لا تكون عملية إن تعلقت بالآخر أو الذات، ولا بأس في ذلك، فهذا جزء من ألم الواقع الذي يجدر بنا احتماله.

يقول الكاتب بأن إفلاتنا بالحياة المتخيلة التي نحملها في أذهاننا وتمسكنا بها لا يعني تمردنا على سلطة الواقع والاتجاه نحو الحرية بقدر ما يعني استبدال سُلطة بأخرى، إن المرء لا يحلُم إلا تحت شروط مُعينة، قد يرفض شروط الواقع ولكن هذا لا يعني أنه حُر، بل إنه حتماً خالقٌ لشروط أخرى يرتضيها بنفسه ويحتكم إليها، لذلك لا تكون الحياة الذهنية الموازية للواقعية حياة حُرة، بل حياة بقيود أخرى، والنجاح بهذا المعنى يعني إفلاتنا بهذه الحياة بلا عواقب.

ولكن الفرار من الحياة الواقعية إلى المتخيلة ينطوي على إقرار منا بمعرفة ما كانت لتؤول إليه الأمور لو عشنا فقط الحياة الواقعية، وادعاء بأننا نعرف المستقبل، ولكن معرفتنا بأن هذا الموقف المعرفي مُزيف تماماً لا يعني الرضى بالحياة التي نرفضها في الواقع، بل التفكير في بدائل أخرى ترضينا ويشملها الواقع، لا سيما أننا نرفض أموراً ندعي أننا نعرفها أكثر مما نعرف ما عشناه في الحقيقة، ومعرفة ما ترفضه لا يعني معرفتك بما تريد. إن ما ينتابنا حول المستقبل هو مجرد إحساس نثق به لشدة ما نعانيه في الواقع، ولكن لا يجب أن نترك الألم يدفعنا إلى التمسك بالوهم، بل يجب أن نسخِّره للتخفيف منه. إن الرغبة فيما نريد واليقين بذلك وادعاء معرفة ما نريد تشوه إدراكنا للتجربة التي نعيشها وتلك التي نريد عيشها على حد سواء:

 فلماذا يبدو أننا نعرف عن التجارب التي لم نعشها أكثر مما نعرف عن التجارب التي نعيشها؟ لأن هذا وحده هو ما يجعل الهروب ممكناً، ولأن الحرمان هو ما يجعلنا نتخيل الموقف. وما يُطلق عليه فرويدتجريب الفعل في الذهنهو عبارة عنماذا لوالتي تولد من الرغبة في الإشباع. إن ما يغوينا هو المنطق الذي يولِّده الخوف. والعلم بكل شيء ذريعة وعذر. ففي هذا السيناريو، نهرب قبل أن نعرف ما الذي نهرب منه. ويمكن أن نقول إن الهدف هو عدم معرفة ما يهرب المرء منه، فشرط الخروج يسبق التجربة“.

قد يكون لعدم إدراكنا التجارب التي نعيشها أثرٌ في إفساح المجال للتأويل الي نُحبه، أي ممارسة الفن واستخدامه كوسيلة للهروب، إننا نهرب من الحياة عبر الفن وشجاعة التأويل والتأليف، وإن لم نرضَ بوهم المعرفة لنحقق الهروب ظللنا أسرى الماضي ومحاولة تغييره، في مقابل المستقبل الذي يمكننا خلقه من جديد: أولئك الذين لا يمكنهم التظاهر بمعرفة كل شيء عن الماضي محكوم عليهم بتكراره“. 

إن المعاناة الناجمة عن الفرق بين إشباعاتنا الذهنية المثالية ونظيرتها الواقعية المنقوصة ملازمة لنا لا محالة، وتتمثل في الصراع بين الأنا والأنا المتعالية، لذلك يكون البطل التراجيدي هو المُتخلي عن رغبته فيما يريد لرغبته في معرفة ذاته وإمكانات واقعه، ومن هنا يُطرح السؤال: هل تكون غاية التحليل النفسي انتقامنا من أنفسنا عبر المعرفة؟

إننا عبر الحياة المزدوجة التي نعيشها نشترك مع المجانين في تجربتهم، ولكننا أقرب إلى مُمثلي المسرح الذين يقدمون أدواراً لا تشبه حقيقتهم، ونحن كذلك نعيش في الحياة وكأنها مسرح عظيم، نقدم فيها أدواراً واقعية لا تتشابه وحقيقتها التي نفضل أن نعيشها، وكأن رغبتنا في عيش حياة أخرى هي رغبة مسرحية، ولكن في أي دورٍ نكون أكثر حقيقة؟ لا يُمكن لأحدٍ أن يُجيب. إننا في المسرح نحتفي بتمثيل الجنون كما نحتفي في الواقع بتمثيل الأدوار، وهذا ما خصَّص له غوفمان كتاباً سماه تمثيل الذات في الحياة اليومية“.

إن مراحل نضوج المرء هي مراحل من الخيبات المتتالية، ويجب عليه أن يقبل هذه الحقيقة، فالبديل لذلك تشوه في تصور الحياة والنفس، وهذا نقيض يقابل نقيض المثالية الذهنية، أما الواقع فهو في المنتصف، ينطوي على ألمٍ محتمل ولذة منقوصة، بالطبع قد يحتوي على إشباع مثالي، ولكن يجب ألا نتوقع منه ذلك. تكمن الشجاعة في الاعتراف بأننا لن يوماً إلى فهم أنفسنا ولا رغباتنا، وبأن المثالية المتخيلة عارضٌ يُنبهنا إلى ضرورة تغيير الواقع لا ضرورة ملاحقتها.

شارك الصفحة

في مسرح الحياة: مراجعة لكتاب فوائت الحياة: في مدح حياة لم نعشها قراءة المزيد »

تلاشي القراءة العميقة: مراجعة لكتاب أيها القارئ عُد إلى وطنك

Picture of طارق اليزيدي
طارق اليزيدي

مشرف على مبادرات قرائية

يأخذنا كتاب “أيها القارئ: عُد إلى وطنك” في رحلة استقصائية استثنائية، تجمع بين التحليل العلمي الدقيق والتأمل الإنساني العميق. الكتاب يقع في 391 صفحة وترجمه إلى العربية شوق العنزي وهو من إصدارت دار أدب للنشر والتوزيع عام 2021م.

صدر هذا العمل عن عالمة الأعصاب الإدراكية والباحثة في مجال القراءة واللغة ماريان وولف، التي عُرفت بأبحاثها حول كيفية تشكّل الدوائر العصبية للقراءة في الدماغ الإنساني، فضلاً عن كتاباتها السابقة مثلبروست والحبار” (Proust and the Squid) التي استكشفت فيها أصول القراءة وتطورها.

في هذا الكتاب، تضع وولف بين أيدينا خلاصة تجربتها الأكاديمية والبحثية، مستندة إلى سنوات طويلة من دراسة التأثيرات المعرفية والثقافية لتكنولوجيا المعلومات على النشاط الذهني الإنساني.

منذ الرسالة الأولى، يكشف الكتاب عن رسالته الجوهرية: الحث على التفكير النقدي في أثر التحول الرقمي على قدراتنا الذهنية والقرائية. تُقرّ المؤلفة بأن القراءة ليست مجرد مهارة تقنية لفك الرموز اللغوية، بل هي عملية معقدة ومتعددة الأبعاد تتشكل فيها علاقات عصبية تتجاوز مجرد التعرف على الكلمات والجمل، لتصل إلى فهم المعاني المعقدة، والتحليل النقدي، والتأمل الأخلاقي، وبناء القدرة على التعاطف الإنساني. في عالم تطغى فيه الشاشات والرسائل النصية والإشعارات القصيرة على الوعي الجمعي، تطرح وولف تساؤلاً مصيرياً: هل ما زالت عقولنا قادرة على الحفاظ على نمط “القراءة العميقة” الذي شكّل لقرون أسس المعرفة والابتكار والفهم الثقافي؟

هذا الانشغال بشؤون القراءة لا ينبع من حنين رومانسي إلى عالم ما قبل الرقمنة، بل من وعي علمي بأن أشكال التعلم والتفكير والتفاعل الاجتماعي تتغيّر بتحوّل وسائط الاتصال. فالكتاب يتجاوز مجرد مرافعة لصالح الكتاب الورقي التقليدي، ليقدم رؤية علمية لحقيقة التغيّرات الهيكلية التي تحدث في الدماغ عندما نتعرض لزخم معلوماتي لا يتيح لنا التنفس القرائي العميق. وتستند وولف في ذلك إلى عدد كبير من الدراسات التجريبية والنفسية والعصبية، لتبيان كيف يعاد تشكيل الوصلات الدماغية تحت وطأة الاستخدام المكثف للتكنولوجيا. ليس الغرض من الطرح تحريض القارئ على نبذ التكنولوجيا، بل التأكيد على ضرورة الموازنة بين الأدوات الرقمية والعودة إلى “وطن” القراءة العميقة، ذلك الوطن الذي يتيح لنا استكشاف المعاني وتجسيد الأفكار والتأمل في التجارب الإنسانية.

يعطي الكتاب بعده الإنساني وزناً كبيراً لدور القراءة في تشكل الهوية الثقافية والفكرية. فتاريخياً، لم تكن القراءة مجرّد وسيلة لنقل المعرفة، بل كانت فضاءً للتأمل في النصوص الأدبية والفلسفية، وميداناً لاحتضان أفكار جديدة، وتطوير حس نقدي مستقل. تذكّرنا وولف بأن القراءة غرست عبر القرون جذوراً عميقة في بنية المجتمع، وأسهمت في صقل الذاكرة الجماعية، وتحرير الفرد من قيود العاجل والمبتذل. وفي عالم من الإلهاءات البصرية والتدفق الفوري للمعلومات، يخشى الكتاب فقدان هذه الجذور. من هنا تأتي أهمية هذا العمل الذي يمزج بين العلم والسلوك الاجتماعي، في محاولة لصياغة رؤية متكاملة حول مستقبل القراءة.

الأبعاد العصبية والمعرفية للقراءة:

تستهلّ وولف كتابها في الرسائل الاولى بتمهيد علمي حول البنية العصبية للدماغ الإنساني عند القراءة. هنا تكمن إحدى أهم أطروحاتها: لم يُولد الدماغ البشري “مهيأً بيولوجياً” للقراءة، إذ لم تظهر الكتابة على مسرح الحضارة الإنسانية إلا منذ بضعة آلاف من السنين، وهي فترة قصيرة جداً مقارنة بعمر التطور البشري. على عكس مهارات كالنطق وفهم اللغة الشفهية، التي ترتكز على دوائر عصبية عريقة، تتكون القدرة على القراءة عبر إعادة توظيف دوائر عصبية مُعدّة أصلاً للتعرف البصري، والربط بين الرموز والصوت والمعنى. من هذا المنطلق، تؤكد المؤلفة أن القراءة ليست عملية غريزية، بل مهارة مكتسبة تتشكل عبر التعلم التدريجي، وتكتسب عمقها من خلال التمرين والممارسة والتفاعل مع نصوص متنوعة.

إن عملية “القراءة العميقة” التي تُشير إليها وولف ليست مجرد التعرف على الكلمات وفهم معناها السطحي، بل هي نمط تفكير يتضمن التحليل، والاستنتاج، والتركيب، والتأمل. عندما نقرأ نصاً أدبياً معقداً أو مقالة فلسفية، فإن الدماغ ينشط سلاسل عصبية متعددة، تربط بين الذاكرة العاملة، والمعرفة السابقة، والخيال، والوجدان. إن هذه العملية المعقدة تتيح لنا إعادة تشكيل الأفكار، واستخلاص دلالات جديدة، وتحدي القناعات المسبقة. بعبارة أخرى، القراءة العميقة ليست استهلاكاً سلبياً للمعلومات، بل فعالية ذهنية خلاقة تتجاوز الورق والحبر لتصبح جزءاً من هوية القارئ الفكرية.

وعند الانتقال إلى مناقشة التطورات التكنولوجية، تبرز خطورة الانزلاق نحو القراءة السطحية. في ظل الشاشات المتعددة، والروابط التشعبية، والتدفق المتواصل للمحتوى الرقمي، تتكيف عقولنا تدريجياً مع نمط جديد من القراءة يقوم على التنقل السريع بين معلومات مشتتة، وهضم كميات كبيرة من المعطيات دون تمحيص. هذا النمط الجديد يُغيّر تكوين وصلات الدماغ، ويضعف القدرة على التركيز الطويل، ويقلل من استيعاب المعاني المركّبة. تشير وولف إلى أن هذه الظاهرة ليست نظرية فحسب، بل أصبحت ملموسة في الأجيال الصاعدة التي تجد صعوبة في الانغماس الكامل في نص طويل أو معقد.

تستخدم المؤلفة مجموعة من الأدلة العلمية والاختبارات المعرفية التي أُجريت على طلاب الجامعات والمتعلمين الرقميين. تكشف هذه الاختبارات عن تراجع القدرة على فهم النصوص المعقدة، وصعوبة في ربط المعاني المجردة، واضمحلال في الحس النقدي لدى القارئ المُنهك من “التقليب” الرقمي. من خلال هذه المعطيات، تتبلور حجة وولف في أن القراءة ليست مهارة ثابتة، بل هي خاضعة لتأثير الوسيط التقني وللسياق الثقافي. وهذه الفكرة تمهّد الطريق نحو مناقشة أعمق حول معنى “القراءة المعاصرة” وعلاقتها بالهوية البشرية.

تحديات الرقمنة وتأثيرها على القدرة القرائية:

ينتقل الكتاب في مرحلة لاحقة إلى تحليل التأثيرات السلبية الناجمة عن الاعتماد المتزايد على الوسائط الرقمية، مع التحوّل من صفحات الكتب إلى شاشات الحواسيب والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية. تنطلق وولف من مفهوم “اقتصاد الانتباه”، لتوضيح كيفية تسليع الانتباه الإنساني وتحويله إلى مورد نادر يتصارع عليه المسوّقون ومصممو التطبيقات، ممن يهدفون إلى إبقاء المستخدم في حالة يقظة سطحية مستمرة، دون منحه فرصة للغوص في العمق. هذا النظام الاقتصادي-التكنولوجي يخلق بيئة معلوماتية مبنية على التقلب السريع للمحتوى، وانتقال مُربِك بين النصوص والصور ومقاطع الفيديو، مما يقوّض ركائز التركيز والتمعّن.

تشير الدراسات التي توردها وولف إلى أن الإدمان على الشاشات الإلكترونية يخلق أنماطاً جديدة من العادات المعرفية. فبدلاً من التمهل أمام فقرة معقدة، أو إعادة قراءة جملة لفهم معناها، بات القارئ الرقمي يميل إلى التقدّم بسرعة، مستسلماً لإغراء الانتقال إلى صفحة أخرى أو نافذة أخرى أو رسالة جديدة. هذا السلوك يحد من قدرة الدماغ على بناء الوصلات المعرفية المتينة التي تميّز القارئ العميق. وبالتالي، تتراجع قدرة الإنسان على تقييم المعلومات نقدياً، وعلى تمييز الحقيقة من الزيف، وعلى بناء تصوّر شمولي للمواضيع.

ولعل أخطر ما في الأمر هو أن هذا التحول لا يؤثر على مجرد عادات القراءة، بل يمتد إلى بنية الدماغ نفسها. الدماغ، بحسب ما توضحه وولف، مرن جداً، إذ يُعيد تشكيل دوائره العصبية باستمرار تبعاً لأنماط السلوك. ومع الزمن، يحلّ نمط القراءة السطحية محل البنى العصبية التي دعمها التدريب على القراءة المتأنية. بذلك، نصبح أقل قدرة على فهم النصوص الأدبية العميقة، وأقل ميلاً لقراءة الأعمال الفكرية المعقدة التي تتطلب تركيزاً عالياً. يفقد القارئ المتأثر بالرقمنة بعض مهارات التحليل والاستدلال، كما قد يتضاءل حسّه الأخلاقي والجمالي المنبثق من فهم السياقات الثقافية والتاريخية التي تغذي النص.

إن هذا الواقع يحمل تبعات اجتماعية وتعليمية وثقافية. في عالم عربي يعاني أصلاً من تحديات متعلقة بانتشار القراءة العميقة وضعف مستوى الإقبال على الدراسات النقدية، قد يؤدي تفاقم مشكلة القراءة السطحية إلى المزيد من الابتعاد عن التراث الفكري والإنساني. فالتكنولوجيا، رغم أنها تفتح آفاقاً رحبة للوصول إلى المعلومات، قد تُفاقم مشكلة سطحية الفهم إذا لم نكن حذرين. وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن الحلول التي يمكن اتخاذها للحفاظ على المهارات القرائية العميقة، وعن الدور الذي يجب أن يلعبه الأهل والمعلمون وصنّاع السياسات الثقافية في هذا الصدد.

استراتيجيات استعادة القراءة العميقة:

يأتي الجزء الأهم من الكتاب عندما تتوجه وولف نحو طرح الاستراتيجيات العملية والنفسية والمعرفية لاستعادة مهارات القراءة العميقة، لا سيما في ظلّ البيئة الرقمية. تدعو المؤلفة إلى مفهوم الازدواجية القرائية” (the biliterate reading brain)، أي القدرة على التنقل بمرونة بين نمط القراءة الرقمي السريع ونمط القراءة العميقة المتمهلة، بحيث يستطيع القارئ الاستفادة من المنصات الرقمية في الوصول السريع إلى المعلومات، وفي الوقت نفسه، تخصيص مساحات زمنية ونفسية للقراءة التأملية.

تقترح وولف بناء “ملاجئ قرائية” صغيرة في الحياة اليومية، مثل تخصيص وقت للقراءة الورقية بعيداً عن الأجهزة الإلكترونية، واختيار نصوص أدبية أو فكرية معقدة تحفّز الذهن على التحليل والتأمل. كما تؤكد أن العودة إلى الكتب الورقية ليست مجرد حنين إلى الماضي، بل ضرورة لإعادة تدريب الدماغ على التركيز على النص دون إلهاء، واستعادة لذة التفاعل البطيء مع المعاني. وتنبثق من هذه الفكرة منهجيات تعليمية جديدة يمكن أن يتبناها المربّون، مثل تشجيع الطلاب على القراءة التحليلية للنصوص الأدبية، وتعويدهم على إعادة القراءة وتلخيص الأفكار في دفاتر خاصة، بدلاً من الاعتماد فقط على الشاشات.

علاوة على ذلك، تحثّنا على توظيف التكنولوجيا نفسها لخدمة القراءة العميقة. ففي عصر يمكن فيه تخصيص تطبيقات ومنصات رقمية تتسم بالهدوء والتركيز، يمكن للمستخدم بناء مكتبات رقمية عالية الجودة، تختار النصوص وتعرضها بخط واضح ودون إعلانات تشوّش الانتباه. كما يمكن للتقنيات الرقمية أن تساعد على توفير معاجم وتفاسير فورية تُعين القارئ على فهم المعنى من دون الحاجة لمغادرة النص. المسألة تكمن في كيفية تسخير التكنولوجيا لتعميق عملية الفهم، بدل استغلالها في تعزيز ظاهرة “التقلّب السطحي”.

كما يشير الكتاب إلى أهمية تجديد العقد الاجتماعي للقراءة، بحيث يصبح المجتمع، بمؤسساته الثقافية والتعليمية والإعلامية، شريكاً في إعادة الاعتبار للقراءة العميقة. وهنا يأتي دور صناع القرار، من المسؤولين التربويين إلى الناشرين، في توفير بيئة تشجع على اقتناء الكتب الجادة، وإطلاق مبادرات وأنشطة تثقيفية، وتحفيز التعلّم النقدي في المدارس. إن هذه الجهود المشتركة تمثل نوعاً من “التحصين الثقافي” ضد الهيمنة المطلقة للنصوص الخفيفة والمشتتة. يشير هذا المنظور إلى أن استعادة العمق القرائي ليس مهمة فردية فحسب، بل ضرورة حضارية تقتضي تظافر الجهود على المستوى الجماعي.

البعد الإنساني والثقافي للقراءة:

لا تكتفي وولف بتحليل الآليات العصبية والمعرفية، بل تتجاوزها إلى تأملات أوسع حول البعد الإنساني للقراءة. إن القراءة، في نظرها، ليست نشاطاً ذهنياً منعزلاً، بل تجربة تواصلية عميقة مع عقول الآخرين، سواء كانوا مؤلفين يعيشون في حيز جغرافي وزماني آخر، أو شخصيات روائية تخيّلية تعبّر عن مشاعر إنسانية جامعة. هذه الخاصية الفريدة للقراءة، المتمثلة في قدرتها على نقلنا عبر الزمان والمكان والثقافات، تُكسبها قيمة حضارية عميقة.

تربط المؤلفة بين مهارات القراءة العميقة وبين تنمية قدرات التعاطف الإنساني. عندما نقرأ رواية تصور معاناة شخصيات مختلفة الخلفيات والثقافات، فإننا نتعلم كيف نفهم مشاعر الآخرين، ونضع أنفسنا مكانهم، ونستوعب التعقيد الإنساني. هذا “التقمّص الوجداني”، الذي تحفّزه القراءة المتأنية، قد يتلاشى في بيئة قرائية سطحية، حيث يفقد النص الأدبي عمقه وتتحول الشخصيات إلى مجرد هياكل لغوية بلا روح. إن تراجع هذا المستوى من التفاعل الإنساني مع النصوص قد يُضعف قدرتنا على بناء مجتمعات متعاطفة ومتسامحة.

كما ترى وولف أيضاً أن القراءة العميقة تلعب دوراً جوهرياً في تكوين الهوية الثقافية، إذ إن أدب أي أمة ليس مجرد ركام من الحروف والكلمات، بل هو ذاكرة جمعية تنصهر فيها الخبرات التاريخية والفلسفية والأخلاقية. إذا ما حُرِم مجتمع من الانكباب على قراءة نصوصه التأسيسية وفهمها وتأملها، فإن الروابط الثقافية قد تتفكك، وتصبح الهوية ضبابية. ومن هنا، لا يقتصر أثر القراءة السطحية على الأفراد وحدهم، بل يمتد إلى النسيج الاجتماعي برمته.

إن هذا الجانب الإنساني يبرز أهمية القراءة في ظل التحديات العالمية المعاصرة، كالاختلافات الثقافية، وتصاعد نزعات التعصّب، وتفشي الأخبار المضلّلة. حين يجري تدريب القارئ على التمهّل في قراءة النصوص، والغوص في معانيها، وبحث جذورها الثقافية، تُمنح له الفرصة ليكون مواطناً عالمياً مستنيراً. وبهذا يتحول الكتاب من مجرد وسيلة لنقل المعرفة إلى وسيلة لإعادة تشكيل الوعي الإنساني، وتعزيز القيم الأخلاقية التي تصون الإنسانية من الانزلاق في صراعات وسطحية فكرية.

الخلاصة وأهمية الكتاب للقارئ العربي:

في الختام، يمثل كتاب “أيها القارئ، عُد إلى وطنك” دعوة حقيقية لإعادة النظر في علاقتنا بالقراءة في العصر الرقمي. إنه عمل يجمع بين الدقة العلمية والعمق الفكري، ويقدم تحليلاً شاملاً للتغيّرات العصبية والاجتماعية والثقافية التي تُصاحب انغماسنا المتزايد في العوالم الرقمية. لا يكتفي الكتاب برصد المشكلة، بل يضعنا أمام مقترحات عملية لاستعادة التوازن بين القراءة السطحية والقراءة العميقة، ويدفعنا للتأمل في جوهر القراءة باعتبارها عملية إنسانية فريدة، تشكّل بصمتنا الثقافية وتصقل وعينا النقدي.

بالنسبة للقارئ العربي، يحظى هذا الكتاب بأهمية إضافية. ففي ظل تحديات تواجه الثقافة العربية، من ضعف انتشار القراءة في بعض البلدان العربية، إلى الانشغال بوسائل التواصل الاجتماعي، وقلة الاهتمام بنصوص أدبية كلاسيكية وفلسفية عميقة، قد يكون هذا العمل مرجعاً لتحفيز القارئ على استعادة علاقته الجادة بالكتاب. كما أنه يشجع المربين والمعلمين وصنّاع القرار الثقافي على ابتكار أساليب تعليمية جديدة تحثّ الطلاب والناشئة على الغوص في النصوص، وإعادة اكتشاف لذة التفكير النقدي والبحث المعرفي.

وفي عصر تتنازع فيه القيم والمعلومات، ويصعب فيه أحياناً التمييز بين الغثّ والسمين، تأتي أطروحات وولف بمثابة منارة فكرية تذكّرنا بأن قدرتنا على التفكير النقدي ليست مضمونة، وأنها قد تتلاشى إن لم نحافظ عليها. إن الخطر الأكبر لا يكمن في انتشار التكنولوجيا بحد ذاتها، بل في عدم توظيفها بشكل مستنير. وحدها القراءة العميقة تتيح لنا فهم المعاني المركبة، واستيعاب السياقات المتشابكة، والتأمل في قضايا الوجود والهوية والعدالة.

ختاماً، يشكّل “أيها القارئ، عُد إلى وطنك” أكثر من مجرد كتاب نظري، بل هو نداء عالمي لإحياء القيم القرائية التي دعمت الحضارات الإنسانية عبر القرون. في وقت تتصاعد فيه حمى الاستهلاك السريع للمعلومات، ويسود فيه الإيجاز المخلّ، يقترح الكتاب مساراً بديلاً: طريق العودة إلى “وطن القراءة”، ذلك الفضاء الذهني الذي يمنحنا الحرية في اختيار الأفكار، والتأمل في الوجود، وبناء ثقافة إنسانية أكثر رحابة وانفتاحاً. إنّه عمل يحتفي بقدرة الكلمة على صياغة الهوية والفكر، ويحمّلنا مسؤولية إعادة هندسة علاقتنا بالنصوص لصون إرثنا المعرفي. بذلك، يستحق هذا الكتاب قراءة متأنية وعميقة، لا سيما في عالم يزداد فيه الضجيج وتتلاشى فيه لحظات السكون الفكري.

شارك الصفحة

تلاشي القراءة العميقة: مراجعة لكتاب أيها القارئ عُد إلى وطنك قراءة المزيد »

في مديح البطء: متى كانت آخر مرة رأيت فيها شخصًا يحدّق عبر النافذة في قطار؟

يلاحظ الكاتب الكندي كارل أونوريه في كتابه في مديح البطء: حراك عالمي يتحدى عبادة السرعة وجود خلل كبير في أسلوب الحياة الحديث، حين يجد أن الجميع مستغرق في توفير كل لحظة ممكنة من الزمان، وفي ملاحقة الوقت الذي لا يمكن إدراكه في أكثر الحالات، ولئن كان للسرعة منافع واستخدامات مفيدة جدًا لا يمكن التنكّر لها، إلا أنها تحوّلت مع الوقت إلى هوس وإدمان يكتسح كل المجالات، حتى المجالات التي تتطلب بطبيعتها البطء والاسترخاء، مثل القراءة على سبيل المثال، فكم امتلأت المكتبات بالكتب التي كُتبت من أجل تعليم الناس مهارات القراءة السريعة والقفز فوق السطور والكلمات، تعلم لغة جديدة في أسبوعين، أو تعلم البرمجة في خمسة أيام وهلمّ جرا، فيقرر هو بدوره كتابة كتاب يتحدّى فيه عالم يمجّد السرعة، يُعدد المجالات التي تقوّض فيها السرعة جمال اللحظة، وتقلّص الرغبة الملّحة في الإسراع بهجة تجارب الحياة.

صدر الكتاب في نسخته الأصلية عام 2004، بينما نشر مشروع كلمة ترجمته العربية عام 2017م بترجمة ماهر الجنيدي في أكثر من 300 صفحة.

يوضّح أونوريه أنه لا يرغب من خلال كتابه أن يستبدل بعبادة البطء عبادة السرعة، فلسفة البطء كما يتبنّاها لا تعني أسلوب حياة أشبه بالسلحفاة، وإنما يتلخّص في مفهوم التوازن: أسرع عندما يكون من المنطقي أن تسرع، وأبطئ عندما يكون هناك داع للبطء، ولكل شخص له إيقاعه الخاصّ في الإسراع والتباطؤ.

أن تعيش على عجل، يعني أن تكون الحياة أكثر سطحية، أن تقيم اتصالات ضعيفة مع العالم والآخرين، السرعة لا تمنحك الوقت الكافي لتقدير ما يجب تقديره، والتفكير فيما يجب التفكير فيه. وأن تعيش بتوازن بين العجلة والبطء، يعني أن تستغرق في اللحظة عوضًا عن تخطّيها وتجاوزها بمشاعر سريعة مؤقتة، يعني ألا تكون في سباق ضدّ الوقت.

يصوّر الكاتب الشخص السريع بأنه شخص مشغول دائمًا، مندفع متعجّل، ضجر وسطحي، يفضّل الكم على الكيف. وأهم عرض سبّبته عادة السرعة لأشخاصها هو الغضب، الغضب في الطريق، العضب عند التسوّق، الغضب عند الانتظار في أي مكان، فهو شخص متعجل وغاضب. ومن جهة أخرى يصوّر الشخص البطيء بأنه الشخص المتأنِ، الصبور، الهادئ والمنفتح، يرجّح الكيف على الكم، ويفضّل في العادة ممارسات تعزّز من فكرة البطء، مثل القراءة والتأمّل، الرسم والحياكة، البستنة والمشي، اليوغا، ويكونون أكثر هدوءً وراحة، لأنه من خلال تلك النشاطات التي يمارسونها، يتم تبطيء الزمن والانفلات من قبضة السرعة.

للعقل مقدرات عجيبة حين يسرع ويكون في حالة نشاط قصوى، ولكنه يمكنه أن يفعل أكثر في حالة الإبطاء من وقت لآخر، فلتخفيض نشاط الذهن عدّة مزايا منها صحة أفضل، هدوء داخلي، وتركيز معزز، وتفكير أكثر إبداعًا، فبعض الأفكار التي غيّرت العالم جاءت في وقت كان الذهن في حالة من التأمّل والتفكير. يشدد كارل أن أذكى الأشخاص وأبدعهم، يعرفون كيف يتركون لعقولهم من وقت لآخر مساحة للتأمّل والخمول والسرحان، ويعرفون متى يجب عليهم التركيز أكثر، أي متى يفكرون بسرعة ومتى يفكرون ببطء.

في الكتاب يقدّم كارل أونوريه أمثلة وشواهد متنوعة على مزايا تبنّي النهج البطيء، وتأثيره الإيجابي والمباشر على الصحة النفسية:

  • التغذية: ينصح أونوريه بتغيير عاداتنا السريعة في تناول الطعام والاستمتاع بتجربة الطعام بشكل أكثر وعيًا. يشجع على تناول الطعام ببطء، والتذوق والتمتع بالنكهات والروائح. قد يكون الطبخ وسيلة مفيدة للاسترخاء والهدوء العقلي، والبطء في تناول الطعام ضروري لخفض الوزن، لأنه يعطي المعدة الوقت اللازم لتشرح للدماغ بأنها ممتلئة، فإذا تناولنا الطعام أسرع مما يجب، ستصل الإشارة بعد تناول كميات أكبر من حاجتنا.
  • العمل: يشدد أونوريه على ضرورة إدخال البطء في بيئة العمل، يرى أن العمل السريع المستمر يؤدي إلى الإرهاق وتراجع الإنتاجية. بدلاً من ذلك، يشجع على تحقيق التوازن بين العمل والراحة وتخصيص الوقت للاسترخاء والتفكير الإبداعي.
  • التعليم: النهج السريع في التعليم يجعلنا نفقد التركيز والتمعن في المعرفة. يدعو الكاتب إلى التباطؤ والتأمل في عملية التعلم، وذلك بتخصيص وقت كافٍ للانغماس في المواضيع وفهمها بعمق، لأنه كلما تعددت المهام في وقت واحد، كان التركيز في الأمرين أقل.
  • التكنولوجيا: يدعو أونوريه إلى استخدام التكنولوجيا بشكل متوازن وواعٍ. يشجع على قطع الاتصال المستمر بالأجهزة الإلكترونية وتخصيص وقت للابتعاد عنها، وذلك لتحقيق التوازن والتركيز على الحياة الحقيقية والتفاعل الاجتماعي، تساعدنا التكنلوجيا في كسب مزيد من الوقت، ولكنها في الوقت نفسه تزوّدنا بمجموعة جديدة من الواجبات والرغبات والاحتياجات غير الضرورية.

إجمالًا يهدف كتاب “مديح البطء” إلى تعزيز الوعي بأهمية البطء والتوازن في جميع جوانب حياتنا، وكيف يمكن لهذه التوجه أن يساعدنا على أن نكون أكثر حضورًا في حياتنا، وأكثر وعيًا بالتجارب التي نمر بها.

وأنا أيضًا، قررت قراءة الكتاب ببطء، والاستمتاع بأفكاره، محاولة أن أطرح جانبًا نزعة السرعة لدي، لأن “الحياة أقصر من أن نضيّعها بالإسراع”.

شارك الصفحة

في مديح البطء: متى كانت آخر مرة رأيت فيها شخصًا يحدّق عبر النافذة في قطار؟ قراءة المزيد »

مستنار.. رحلة البداية والإنجاز

pexels-fotios-photos-2923463

تسعى نديم إلى اكتشاف مساحات جديدة لتقديم برامجها، والوصول لشرائح متنوعة من أصحاب الاهتمامات المعرفية والثقافية، وتلبية احتياجهم بما يلائم إمكاناتهم.

من هنا أطلقنا مجتمع (مستنار) والذي يقدم للمشتركين فيه مادة ثقافية نوعية في حقلين مهمين هما علم النفس وعلم الاجتماع، ويهدف إلى تكوين مجتمع من القراء المميزين غير المختصين والذين لهم اهتمام بالكتب النفسية، والاجتماعية، من مرونة فكرية وانفتاح عقلي، ورؤية نقدية. وقد حظينا بقراء من تخصصات مختلفة يقدم كل منهم رؤيته الخاصة من تجربته الحياتية، ومجال دراسته وقراءاته السابقة.

أقيم من المجتمع موسمان حتى الآن، بلغ المشتركين فيه 147، كانوا ثلة من القراء المميزين من تخصصات متباينة شملت العلوم الشرعية، والتربوية، والرياضيات، والعلوم النفسية، والاجتماعية، والتخصصات الصحية والطبية، وعلوم اللغة والتخصصات التقنية، مما ساهم في إثراء المحتوى وأضاف تنوعا في الرؤى والأفكار.

وكذلك تنوع الفئات العمرية والاجتماعية للمشتركين بين آباء، وأمهات، وطلاب، وموظفين، وباحثين.

قراءات ثرية

حرصنا على تقديم تجربة قرائية متنوعة، بحيث يخرج المشترك وقد ناقش ثلاث كتب في كل موسم في مجالات متعددة تمس بشكل مباشر اهتمامه وحياته اليومية، وناقش خلفيتها النظرية، وبعض القضايا المتصلة بالعلم الذي تنتمي إليه.

جاء الكتاب الأول “نهاية النسيان” من تأليف: كيت إيكورن، في الجانب الاجتماعي حيث يناقش آثار اختفاء النسيان كظاهرة اجتماعية في عصر التواصل المفتوح.

بينما كان الكتاب الثاني “إخفاق التواصل” للمؤلف: يوهان هاري، يتحدث عن تجربة شخصية واستقصائية ناقدة للمؤلف حول الاكتئاب وحقيقة أسبابه المهملة.

واختتم الموسم بكتاب “صعوبة التخلص من العادات” تأليف: راسل بولدراك، الذي يقدم طرحاً مختلفاً عن كتب العادات التقليدية، يشرح الكتاب عمل العادة وصعوبة تغييرها من منظور بيولوجي عصبي.

أما في الموسم الثاني فقد افتتحناه بكتاب “فلسفة الوحدة” للمؤلف لارس سيفيدسون والذي يتناول فكرة الوحدة والمفاهيم المتصلة بها بأسلوب فلسفي بسيط ومشوق.

وفي الشهر الثاني كنا على موعد مع كتاب “عندما يقول الجسد لا” ومؤلفه هو الطبيب الكندي جابور ماتيه الذي يتناول تأثيرات الضغوط النفسية على الصحة الجسدية بأسلوب قصصي.

وختم الموسم بكتاب “علم النفس ديناً.. مذهب عبادة الذات” حيث يتناول نقد لعلم النفس الذاتي من وجهة نظر دينية مسيحية.

وبلغ مجموع صفحات هذه الكتب = 1533 صفحة.

أمسيات مفتوحة

تضمن المجتمع عددا من الأمسيات التي كانت تهدف لتقديم مادة تثري تجربة القارئ في المجالات النفسية والاجتماعية، في جو من الأريحية والقرب.

كبداية لمستنار كان اللقاء المفتوح الأول لإثراء تجربة القارئ بتجربة شخصية قرائية أخرى فكان لقاء: “تجربة في القراءة النفسية” مع الدكتور محمد عودة.

وللإجابة عن سؤال ملح بحكم النشر الموسع في علم النفس والتداخل بينه وبين العلوم الأخرى قدم مستنار

لقرائه لقاء: “كيف نقرأ علم النفس؟”  وحديث علمي قريب حول القراءة في هذا المجال، وما ينبغي مراعاته فيه.

وكختام للموسم الأول أتى لقاء: “العلاج بالقراءة” ليقدم بعض الأفكار حول القراءة كعلاج حقيقي وناجع للتعامل مع المشكلات الحياتية.

وافتتح الموسم الثاني بلقاء: “قراءة في سيرة عقل غير هادئ” مع الأستاذة تهاني العتيبي لتحليل وقراءة تجربة المؤلفة مريضة ثنائي القطب من وجهة نظر تخصصية.

وتلا ذلك لقاء: “العلاج بالكتابة” والذي كان من اقتراح المشتركين في الموسم الأول قدمته الأستاذة: أشواق الشمري لمناقشة الكتابة كوسيلة للعلاج النفسي والنمو الشخصي.

بالإضافة إلى اللقاء الأخير الذي كان حول علم النفس والأدب، وإطلالة على العلاقة بينهما.

انطباعات وآراء

في نهاية المجتمع حرصنا لأخذ انطباعات المشتركين والإنصات لآرائهم التي تسهم في تطوير المحتوى في المواسم اللاحقة والارتقاء بالتجربة، وكانت هذه بعض آراء المشتركين التي وصلتنا:

– “اللقاءات ممتازة وإدارة الحوار كانت مميزة اختيار الكتب موفق المواضيع مهمة ومترابطة ومتسلسلة بشكل او بآخر”.

– “جدول القراءة كان مرن وأعجبني وجود يومين للاستدراك والراحة، لم يكن جدول القراءة مضغوط، حتى المنشغل بأعمال أخرى يستطع أن ينتهي من الكتاب بالراحة”.

– “المجموعة حفزتني على القراءة عند الملل، اللقاءات كانت ثرية أضافت لي الكثير لفهم علم النفس، شكراً لكل القائمين على هذا النادي سأوصي دائماً بالانضمام له لتأكدي من الفائدة التي سيحصل عليها القارئ عندما يجد مجموعة قرائية تشاركه الاهتمامات والمواضيع التي يحب القراءة فيها في علم النفس والاجتماع ونقاشها مع المختصين”.

وكان لبعض الضيوف ومقدمي اللقاءات نصيب في بث انطباعاتهم حول البرنامج، إذ قالت د.سمية النجاشي: “تشرفت بمناقشة كتاب (صعوبة التخلص من العادات) للمؤلف: راسل بولدراك، في الموسم الأول لمجموعة مستنار، ووصفي للأمسية بالنزهة الفكرية لا يجاور الصواب في أي طرف، فمتعة القراءة حين تتوَّج بمناقشة النص مع فريق مطلع، وعقول متسائلة تجعل الكتاب المقروء أبقى أثرا في الذاكرة، وأمضى نورا في الإدراك والسلوك”.

وتقول د. غادة الخضير: “لقاء كان مثل نافذة مشرعة على أفكار وآراء الحضور التي منحت الحوار ثراء ساهم في طرح إجابات لسؤال اللقاء، طرح الموضوع واختيار محاوره الرئيسة؛ يعكس حرص مستنار على خوض الجديد فيما يتعلق بالقراءات التي تتبنى علم النفس ضمن اهتماماتها، وحرصها على وجود نخبة من الحضور الفاعل يؤكد حرصها أيضاً لتبنى عقول يمكنها من خلال مناقشاتها أن تقدم منحى مختلف للتفكير في الأمور”.

ويعبر د. عزام السحيباني عن تجربته بقوله: “التجربة ثرية جداً بالنسبة لي ومناقشة مواضيع فلسفية واجتماعية تهم الجميع أمر مطلوب لزيادة مساحة الثقافة والنقاش الأدبي الخالي من الإساءة الشخصية. وهذا ما تفتقده بعض منصات التواصل الاجتماعي الأخرى”.

وتذكر أ‌.  تهاني العتيبي بهجة المشاركة بـ:

سعدت بالمشاركة معكم في هذه التجربة والنقاش العلمي الثري،كان لي الشرف بـ مشاركتكم ببرنامج مستنار المميز بـ مواضيعه وضيوفه. أتمنى التوفيق للمشاركين وللبرنامج في نسخته القادمة”.

يواصل نادي مستنار فعالياته في موسمه الثالث، والتي تضم لقاءات وجلسات لمناقشات الكتب، ويمكنك الاشتراك في النادي من هنا.

شارك الصفحة

مستنار.. رحلة البداية والإنجاز قراءة المزيد »

مفضلات فريق نديم لعام ٢٠٢٤م

نشرنا العام الماضي مفضلات فريق نديم القرائية لسنة ٢٠٢٣م، حيث قدم الفريق من خلالها باقة من الاقتراحات المتنوعة لكتب مميزة ولافتة.

نكرر هذا العام نشرنا لمفضلات الفريق لعام ٢٠٢٤، آملين أن تجدوا فيها ما يحفز فضولكم لاقتنائه، وقرائته مع تطبيق نديم!

 

مارد الأحذية، لفيل نايت.

أجمل سيرة ذاتية قرأتها هذا العام، مؤلف الكتاب هو مؤسس شركة نايك، استمتعت بالكتاب ولامسني كثيرًا.

عبيد الظاهري، المشرف على شركة نديم.

لغات الحب الخمسة التي يستخدمها الأطفال، لجاري تشامبان، وروس كامبل.

أكثر الكتب التي قرأتها هذا العام تتعلق بالجانب التربوي، لكن هذا الكتاب أعطاني نظرة مختلفة للتواصل مع الأطفال بذكاء، وفهمهم بعمق.

مريم المحناء، فريق التصميم.

فيض الخاطر، لأحمد أمين.

أحببته بسبب ثرائه وتنوع موضوعاته، وأسلوبه عذب وسلس غير متكلف.

يارا عمار، فريق التحرير.

مفهوم النسوية: داراسة نقدية في ضوء الإسلام، لأمل الخريّف.

تميز الكتاب بإستعراض وبيان مفهوم النسوية، ومن أين جاء وبدأ، وتسليط الضوء على بعض جوانبه وآثاره الهدّامة في الواقع، والمُخالِفة لما جاءت به الشريعة الإسلامية من إكرام وتنزيه وصيانة للمرأة، ودورها الفعّال في المجتمع من خلال الأمومة والأسرة، وسعي النسوية لهدم ذلك كله وتفكيكه.

سهام الحربي، الفريق التطوعي.

تقي الدين المقريزي: وجدان التاريخ المصري، لناصر الرباط.

بقدر ما يُعمل الكاتب أدواته، ويسبر أغوار الحكايات المتصلة بحياة الشخصية، ويستنطق ما كتبه صاحب السيرة سواء عن ذاته أو من اتصلت أسبابه بهم، تخرج لنا سيرة استثنائية، كأنما أملاها صاحبها، فهذا صنيع م. ناصر الرباط في سيرة المقريزي.

وقد اخترته كمقدمة لجرد درر المقريزي.

آلاء الخطيب، فريق المشاريع.

الجواهر: من أخبار النساء في القرآن، لفايز الزهراني.

تقول صديقتي: “هذا الكتاب يستحق أن يُقرأ كل عام”، وهو كذلك.

الكتاب مليء بالمفاهيم التي تفتح آفاقًا رحبة للمرأة المسلمة في عبوديتها لله، والوعي بدورها، ومواضع شرفها، وعزها.

مستلهمة من قدوات نسائية اختارها العليم الحكيم وخلّد ذكرها إلى قيام الساعة.

سارة بن سويدان، الفريق التطوعي.

عين تراقب العصفور، لملاك الجهني.

تصف الدكتورة ملاك ألم الفقد فتقول: “يترك الفقد وشومه الداكنة فيمن يعبرهم، وكما أن الوشم يحرق الموشوم لحظة وشمه، ثم لا يلبث ألمه أن يزول، فينسى صاحبه أنه قد وشم، حتى يبصر وشمه ماثلا أمام عينيه، كذلك يفعل الفقد في صاحبه، يلذعه بحرارته، ثم يتلاشى شعوره بالألم تدريجيا، حتى ليكاد ينسى مصابه، فإذا بأول موقف يصادفه يذكره -بوحشية لا مثيل لها- أنه موشوم بالفقد”.

وقد ترك فيني الكتاب أثرًا كبيرًا وخاصة عندما تضع نفسك أمام مشاعر جديدة، وخاصة مشاعر فقد الزوجة لزوجها، حينها يجب عليك أن تتذكر معية الله، وعينه الحارسة، والإيمان به يأتي ليجدد الأمل فينا فندرك أن للعصفور عينًا تراقبه.

يوسف بنتن، فريق المشاريع.

مفاتيح إقامة الصلاة، لخالد اللاحم.

كتابٌ يُقرأ على مهل، لا تصلح قراءته في جلسة، ولا يوم، ولا أسبوع.

أفضل طريقة للاستفادة قراءة مقدار قليل، ثم التطبيق إن كان هناك ما يطبق عمليا، أو استشعار الجزئية المقروؤة.

قراءة كل جزء أو كل فصل مرة ومرتين وثلاث وأربع، حتى تجد الأثر في قلبك وفي صلواتك.

فهيمة حسين، الفريق التطوعي.

السعي للعدالة، لخالد فهمي.

القراءة لخالد فهمي تدريب بحثي على مراجعة الأطروحات السابقة وفحصها، وبناء الحجج، وتوظيف النظريات.

يكفي أن تكون باحثًا في أي مجال ليكون الكتاب مهمًا لك، مهما كان تخصصك قريبًا أو بعيدًا من حقل الكتاب.

حسان الغامدي، فريق التحرير.

القواعد الذهبية، لنابليون هيل.

هو آخر ما قرأته هذا العام، والكتاب يعد أصل كل كتب تنمية الذات، كتاب مفيد وواضح.

لوله الغامدي، فريق التصميم.

كتابة البحث العلمي، لعبد الله الرشيد.

دليل علمي مبسط لكتابة البحث العلمي لكل باحث جديد، مع عصارة من خبرة المؤلف الغنيّة، استمتعت بقراءته أثناء كتابة بحث الماجستير، غيّر نظرتي عن كتابة البحوث، ووسّعها أكثر.

منيرة التركي، الفريق التطوعي.

الممتع في فقه الدعاء، لعبد الله الفريح.

أعجبني هذا الكتاب في استقبال شهر رمضان، الذي لا يفصلنا عنه غير شهرين.

وجدت فيه بغية كل مسلم في فهم معاني الأدعية الجوامع الصحيحة عن النبي عليه الصلاة والسلام، والمعلوم أنها تجمع خيري الدنيا والآخرة.

فهذا الكتاب، أو ما يقوم مقامه، مهم، لا سيما أن إجابة الدعاء مرتبة بحضور القلب، وإدراكه لما ينطق به اللسان.

شيماء، فريق المشاريع.

تجارب وخبرات، لباسل شيخو.

كتاب يجمع لك مابين دفتيه مجموعة من المقالات المتنوعة في مجالات متعددة (نفسية، اجتماعية، فكرية، عملية… إلى آخره.)، يجمع لك هذا الكتاب خلاصة خبرات كبار الكُتّاب من الشرق والغرب، تعطيك هذه الخبرات مفاهيم توجهك لمسارات الحياة الأفضل بدلاً من أن تجرب فتقع ببعضها مما قد يضيع الجهد والمال والوقت، كتاب جميل ويستحق القراءة مرات.

حسين العبدلي، الفريق التطوعي.

شارك الصفحة
المزيد من المقالات
هذا هو الخيط الرفيع بين الآباء والأمهات بالنظر إلى الأبناء

لكن لفت انتباهي من بينها عادة بعينها، وهي أنهم "يقرأون... لكن ليس من أجل

معرفة القيمة الحقيقية لإعادة القراءة تأتي من بحث محاسنها ومثالبها

مفضلات فريق نديم لعام ٢٠٢٤م قراءة المزيد »