السر وراء بناء العادات: مراجعة لكتاب العادات الذريّة

Picture of إيمان علي حسين
إيمان علي حسين

مدققة لغوية

يُعد كتاب “العادات الذّريّة”، للكاتب الأمريكي جيمس كلير من أفضل ما كُتب عن بناء العادات الجيدة والتخلص من العادات السيئة، ويستند الكتاب إلى الدراسات العلمية في قضية العادات وبنائها، معتمدًا على علم النفس والفلسفة تارة وعلم الأعصاب تارة أخرى، وفي الوقت نفسه يحوي ما يساعدك من طرائق على التطبيق العملي، ويذكر أمثلة من واقع الحياة.

يرغب كل فرد منا في تغيير حياته إلى الأفضل، واكتساب العادات الحسنة التي تساهم في تحسين جودة حياته من الجوانب الحياتية المختلفة، ولكن رغم الكثير من المحاولات في سبيل تحقيق هذا الهدف؛ فإن المحاولات تنتهي بالفشل، محاولة تلو الأخرى؛ ومن ثمّ يبدو الأمر عصيًّا على التطبيق، بل إنه يبدو لبعض الناس مستحيلًا! ولكن في المقابل، يتغير بعض الناس إلى الأفضل ويحسنون من أنفسهم ويبنون عادات إيجابية؛ إذن ما السر؟

يُقال إنّ الكتاب الجيد هو الكتاب الذي ترغب في قراءته أكثر من مرّة؛ أي إنه يستحق الإعادة، وقد قرأت هذا الكتاب مرتين حتى الآن، وسأرحب بالقراءة الثالثة متى ما استطعت! لقد ساعدني الكتاب على بناء عادات حقيقية؛ بعضها ساعدني على رفع إنتاجيتي؛ مثل عادة القراءة، وبعضها كان سببًا في تحسن صحتي؛ كعادة شرب الماء بكميات صحية، وعادة الالتزام بتناول الفيتامينات.

يتحدث الكاتب في بداية الكتاب عن تجربة حياتية مر بها، وتعلم بفضلها أن التغير الذي قد يُرى بسيطًا وبلا أهميّة، سيتراكم مع التغييرات الأخرى مشكلًا نتائج استثنائية لو واصلت الالتزام به مدة كافية، وقد عرف أثر تكوين العادات في حياة الإنسان بسبب تجربته، ثم بدأ كتابة المقالات التي تحولت بعدها إلى هذا الكتاب الشهير.

ويتناول جيمس كلير أربعة قوانين تساعد على بناء العادة الجيدة، وعندما تعكسها تستطيع التخلص من العادة السيئة، وهذه القوانين -أو الخطوات- مبنية بدورها على المكونات الأربع لنموذج العادات: الإشارة، والتوق، والاستجابة، والمكافأة.

وفي القانون الأول يتحدث الكاتب عن جعل العادة واضحة في بيئتك، ومرئية أمامك بحيث تبرز ويسهل تنفيذها، ثم تحدث الكاتب في القانون الثاني عن كيفية جعل العادة جذابة ولا تقاوم، ويمكنك أن تنفذ ما هو ممتع قبلها حتى تحفز نفسك، أو أن تفعلها إلى جانب عادة سابقة (تكديس العادات)، أو عن طريق تجميع المغريات؛ فقد نصّت إحدى النظريات النفسية التي تعرف باسم “مبدأ بريماك” على أنّ: “السلوك الأكثر ترجيحًا سيعزز السلوك الأقل ترجيحًا”، ويتمثل تطبيق هذه الإستراتيجية في جمعك العادة التي ينبغي لك تنفيذها مع العادة التي ترغب في تنفيذها.

ووضح في القانون الثالث أهمية إبقاء العادة سهلة التنفيذ، وذلك بقلة الخطوات اللازمة لتنفيذها، وتجهيز البيئة المحيطة، واستخدام قاعدة الدقيقتين؛ بجعل تنفيذ العادة لا يزيد عنها! وفي القانون الأخير -والأهم- ناقش فكرة جعل العادة مشبعة؛ أي إنها تمدّك بشعور بالإنجاز من الفور، ولو كان ذلك بصورة بسيطة؛ كيف يحدث ذلك؟ كافئ نفسك بعد تنفيذ العادة، واستخدم متتبع العادات؛ فإن الضغط على علامة التنفيذ (تم) تعطي شعورًا بالإنجاز والإيجابية، وبالإضافة إلى ذلك يعطيك المتتبع أدلة مرئية على تقدمك.

وقد ذكر الكتاب أهمية البيئة في تشكيل العادة؛ فهي اليد الخفية في تشكيل السلوكيات الإنسانية، وقد كتب كيرت لوين (عالم نفسي) معادلة بسيطة تقول بأن السلوك يتكون من دالة للشخص والبيئة التي يوجد فيها: س = د(ش،ب)، وقد بين الواقع صحتها في كثير من الجوانب، مثل: شراء الناس للمنتجات المعروضة على مستوى العين أكثر من المنتجات الأقل ظهورًا؛ إذ إن الإشارات المرئية تعد المحفز الأكبر للسلوك.

وعندما نعكس هذه القوانين تظهر لدينا الطرائق التي نتخلص بها من العادات السيئة: اجعل العادة خفية؛ بإزالة إشاراتها من بيئتك، وغير جذابة؛ بإبراز المضار المترتبة على هذه العادة، وصعبة التنفيذ؛ بزيادة العقبات التي تحُول بينك وبين تنفيذها، وغير مشبعة، ومن سبل تحقيق ذلك: 1. شريك في المسؤولية، 2. عقد العادة، بكتابة مراحل الالتزام بالعادة والعقاب الذي سيترتب على خرق العقد، وكلا الطريقتين تعتمد على رغبة كل فرد منّا في إظهار الصورة الأفضل منه.

أما في الخاتمة فقد كشف المؤلف لنا سرًّا يساعد على الحصول على النتائج الدائمة، هل سمعت عن “متناقضة سوريتيس” من قبل؟ هذه المتناقضة جاءت من مثل يوناني قديم، وهو يتحدث عن الأثر الذي يتسبب به فعل واحد بسيط إذا تكرر لعدد كافٍ من المرات، والمقصد النهائي من ذلك هو أنّ التحسينات الكثيرة المتراكمة تؤدي إلى إحداث الفارق، إذن ما السر؟ إنه عدم التوقف عن إجراء التحسينات.

ماذا تبقى؟ كي تلتزم في شيء ما، وتعرف جدواه ووسائل تحسينه، عليك بالتتبع والمراجعة؛ من أجل معرفة ما يلزم من تعديلات؛ لأنه على الرغم من كون الحفاظ على الجهد أهم شيء في تحقيق الهدف؛ فإن سر النجاح يكمن في تعلم الطريقة الصحيحة لتنفيذ الأشياء وتكرار ذلك، والمراجعة تعطيك تصورًا عن تقدمك وتجعلك واعيًا بالأخطاء كي لا تكررها مرة أخرى.

العادة كالذَّرَّة، شديدةُ الصِّغر، هائلةٌ نتائجُها! القليل الدائم نتائجه عظيمة، والتحسن المستمر يجعل منك إنسانًا أفضل كلّ يوم! لذلك اختر عادة بسيطة نابعة منك أنت لا لمحاكاة الآخرين فحسب! فكون العادة مرتبطة بهُويتك والصورة التي ترغب في أن تكون عليها له أثر كبير في الالتزام بها.

مثال تطبيقي: عادة القراءة؛ اجعل العادة واضحة (أبقِ الكتاب قريبًا منك)، وجذابة (اصنع تحفيزًا بعمل أجواء للقراءة مثل تجهيز مكان مريح ومشروبك المفضل، وانضم إلى نادي للقراءة)، وابدأ بشيء بسيط وسهل (5-10) صفحات، واجعلها مشبعة (تتبع قراءتك للكتاب في تطبيق Goodreads)، ويمكنك استخدام التقنيات المذكورة في الكتاب لتحافظ عليها.

شارك الصفحة