«الطبري .. حياته وآثاره»، من تأليف: فرانز روزنثال، نقله إلى العربية، د. أحمد العدوي.
نُشِرَ الكتاب عن مركز تراث للبحوث والدراسات بمصر، وصدرت طبعته الأولى في ذي القعدة 1442 هـ/يونيو/حزيران 2021م، ويقع في (287 صفحة).
والكتاب عبارة عن مقدِّمة للترجمة الإنجيليزية لـ«تاريخ الطبري»، كتبها (فرانز روزنثال)، وضمَّنها سيرة مفصَّلة لحياة أبي جعفر الطبري (ت: 310)، وتضمنت سردًا لمصنفاته، ما وصلنا منها، وما لم يصلنا.
و(فرانز رونثال) أحد روَّاد الاستشراق الأمريكي، وينتمي إلى عائلة يهودية الأصل في (برلين)، وتتلمذ على نفرٍ من كبار المستشرقين الألمان، وهو مستشرق غزير الإنتاج، ومن أهمِّ أعماله ترجمته لـ «مقدمة ابن خلدون»، وتحقيقه لكتاب السخاوي (ت: 902) «الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ»، وكتابه: «علم التأريخ عند المسلمين»، وغيرها، وتوفي (روزنثال) عام (2003م).
قسَّم (رونثال) مقدِّمته أو كتابه الذي ترجمه د. أحمد العدوي إلى خمسة أقسام:
القسم الأول: ملاحظات عامة على المصادر.
وتعرض فيه للمصادر التي ترجمت للطبري (ت: 310)، وذكر فيه بعض الكتب المفقودة في الترجمة لأبي جعفر (ت: 310)، ونبَّه على بعض الملاحظات النقديَّة المتعلقة بالمصادر، وقد اعتمد في ترجمته على مصادر أصلية، وهي:
1- تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي (ت: 463).
2- تاريخ دمشق، لابن عساكر (ت: 571).
3- معجم الأدباء، لياقوت الحموي (ت: 626).
4- سير أعلام النبلاء، للذهبي (ت: 748).
واعتمد على كثير من المصادر الأخرى غير الرئيسة جمع منها عدة أخبار من أخبار أبي جعفر (ت: 310)، وألَّف بينها.
القسم الثاني: الطبري؛ صباه وشبابه.
استعرض فيه حياة الطبري (ت: 310)، المولود في (آمل) بإقليم (طبرستان)، والتي ظل الطبري على صلات حسنة بأهلها حتى بعد استقراره في بغداد، كما تعرض لنشأته، وحاول أن يستنبط شيئًا عن عائلة الطبري، وبخاصة والده، الذي كان ينفق على ولده محمد بن جرير طيلة حياته، وذكر البلاد التي رحل إليها طلبًا للعلم، وأبرز أصحابه في رحلته، وشيوخه، ومن لقيه من علماء الأمصار التي رحل إليها، وأشهر ما تعرض له من محن، كما عرض لقضية اتهامه بالتشيع.
ومن الملاحظات الجيدة التي قدَّمها (روزنثال) أهمية الانتباه إلى «الجوانب الشخصيَّة في حياة العلماء»، وأنَّ كثيرًا من المصادر تميل – عادة – إلى تجاهل ذلك.
القسم الثالث: نصف قرن من النشاط العلمي في بغداد.
وقسَّمه إلى قسمين:
الأول: الطبري الإنسان.
وتعرض فيه إلى جوانب من حياة أبي جعفر (ت: 310)، وطريقته في يومه، وملبسه، ومأكله، وتعامله مع أصحابه، والناس خاصَّة كانوا أو عامَّة، وذكر فيه أشياء طريفة أكثرها مأخوذ من أوسع ترجمة عربية للإمام الطبري (ت: 310)، وهي التي أودعها ياقوت الحموي (ت: 626) كتابه «معجم الأدباء».
وقد أظهر المؤلف في هذا القسم جانبًا مهمًّا من حياة أبي جعفر (ت: 310)، وبيان ما كان عليه من توازن، وحسن عشرة لأصحابه، وجلسائه، وتلامذته، والناس.
وقد أثار المؤلف قضية زواج الإمام الطبري (ت: 310)، وتكلم فيها بكلام طريف، يمكن للمتأمِّل أن يقف عنده، وتعرض لموقف الإمام من الوظائف الرسمية، والبعد عنها، مما يعرف القارئ ما كان يمتلكه الطبري من نفس شريفة.
ومن الأمور الطريفة التي أظهرها (روزنثال) ما كان عليه الطبري من مظهر حسن، واهتمام بصحته، وتجنبه لبعض المأكولات، وإقباله على البعض الآخر، وطرافة ذلك التي كانت تظهر منه رحمه الله.
الثاني: الطبري العالم.
كان الطبري (ت: 310) ذا همة عالية في سائر العلوم، وكان من أهل التبحر فيها، وقد ظهر ذلك في العلوم التي كتب فيها، ويكفي: تفسيره، وتاريخه، وما كتبه في الفقه والحديث.
وتعرض (روزنثال) لخصومته مع الظاهرية، ومحنته مع الحنابلة، وما كان عليه الطبري (ت: 310) من توسط واعتدال في هذه المواقف، وذكر شواهد ذلك من خلال مناظراته لبعض العلماء، وتحدث عن انتشار مذهبه (الجريري)، حتى انتهى إلى وفاته رحمه الله ورضي عنه.
وأظهر (روزنثال) جانبًا مهمًّا من الجوانب التي برع فيها الطبري (ت: 310)، وهو الجانب الطبي، وقد كان كتاب (فردوس الحكمة) لعلي بن ربن الطبري (ت: 236) من مصادر الطبري (ت: 310) الطبية، ولا يزال الكتاب من أهم المصادر الطبية القديمة!
القسم الرابع: مصنفات الطبري (ت: 310).
توسع (روزنتال) في هذا القسم فذكر المطبوع والمفقود من تراث أبي جعفر (ت: 310)، وحاول ترتيبها، وأجاد في هذا القسم بما يفتح مجالًا للبحث ممن جاء بعده.
وقد أشار في ثنايا ما ذكره عدة عبارات للإمام الطبري (ت: 310) من كتبه النفيسة التي لم يُعثَر عليها بعدُ، ومن ذلك قوله:
“إنه لا حالة من أحوال المؤمن يغفل عدوُّه الموكل به عن دعائه إلى سبيله، والقعود له رصدًا بطرق ربِّه المستقيمة، صادًّا له عنها، كما قال لربه، عز ذكره، إذ جعله من المنظرين: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ(١٧)﴾ [الأعراف: 16-17] طمعًا منه في تصديق ظنه عليه إذ قال لربه: ﴿لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (٦٢)﴾ [الإسراء: 62]، فحقٌ على كل ذي حجى أن يُجهد نفسه في تكذيب ظنِّه، وتخييبه منه أمله وسعيه فيما أرغمه، ولا شيء من فعل العبد أبلغ في مكروهه من طاعته ربه، وعصيانه أمره، ولا شيء أسر إليه من عصيانه ربه، واتباعه أمره” [نقله الذهبي (ت: 748) في سير أعلام النبلاء: (14/ 278)].
القسم الخامس: تاريخ الطبري.
تكلم فيه عن نشأة مشروع ترجمة تاريخ الطبري، وما قابله من صعوبات إلى غير ذلك.
وذيل (رزنتال) مقدمته بملحقين:
الأول: جزء من تفسير الطبري (ت: 310) لقوله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا(٧٩)﴾ [الإسراء: 79]، وهي الآية التي تسببت بنشوب الخلاف بينه وبين الحنابلة، وجزء من تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: 6]، وكانت أحد أسباب اتهامه بالتشيع!
الثاني: تضمن تصنيف الإنتاج الأدبي للطبري، وترتيبه زمنيًّا.
وقد أدَّى مترجم الكتاب د. أحمد العدوي خدمة عظيمة للكتاب تمثلت في أمور:
الأول: ردُّ النصوص إلى أصولها العربية من نفس المصادر التي اعتمدها (روزنثال).
الثاني: التعليق على النص توضيحًا، واستدراكًا.
وبالجملة: فإن الكتاب قد جُمع فيه ما تفرق في غيره، ويمكن أن يكون قاعدة انطلاق لكثير من المناقشات حول حياة الإمام أبي جعفر الطبري (ت: 310)، وتراثه.
وفي الكتاب من التحليلات ما يمكن أن يناقش فيه المؤلف، وقد أحسن مترجم الكتاب في مواضع كثيرة من تعليقه على أوهام (روزنثال).
ويمكن أن نشير في خاتمة هذا العرض إلى بعض المصادر المهمة التي يمكن الرجوع إليها لمعرفة أبي جعفر وحياته، ومنها:
1- معجم الأدباء، لياقوت (ت: 626): (6/ 2441).
2- أصول الدين عند الإمام الطبري، د. طه محمد رمضان، ط. دار الكيان.
3- الاستدلال في التفسير، دراسة في منهج ابن جرير الطبري، د. نايف الزهراني، ط. مركز تفسير.
وأختم تعريف الكتاب بقول الإمام ابن العربي المالكي الأندلسي رحمه الله في تفسير قول الله تعالى: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا(٥)﴾ [المزمل: 5]، ستة أقوال، والسادس منها قوله:
“ثقله: أنَّه لا يبوء بعبئه إلا من أُيِّد بقوة سماوية، وكذلك هو، ما أعلم من حصَّله بعد الصحابة والتابعين إلَّا محمد بن جرير الطبري“، [سراج المريدين: (2/ 431)].